رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جبل التجربة
يقع هذا الجبل في مكانٍ ناءٍ في الصحراء، حيث جرّب الشيطان يسوع، بعد أن كان يسوع قد صام أربعين يومًا. لم يستسلم يسوع لهذه التجارب الخبيثة، إنّما هزم الشيطان رغم كلّ حيله. أصعد الله المسيح إلى البرية الممتلئة بالحجارة والرمال، حيث لا يوجد سوى الشوك، ولا تنمو هناك أية شجرة يجد الإنسان تحت ظلها حماية من أشعة الشمس المحرقة. كان المسيح هناك وحده بدون رفيق ليتكلم معه. ولم يمكث في ذلك المكان يوماً واحداً فقط، إنما مكث أربعين نهاراً وأربعين ليلة. وكانت الحجارة الصلبة مكاناً لنومه. لم يكن يوجد أي منزل يحتمي به من الوحوش البرية، ولم يجد أي طعام يأكله أو نقطة ماء يشربها. فلماذا أرسل الله يسوع إلى تلك البرية! وماذا كان عليه أن يفعل هناك! كم نهاراً وليلة مكث يسوع في البرية؟ نقرأ في الإنجيل أن الله أصعد يسوع إلى البرية ليجرَّب من إبليس. هل كانت هذه التجربة ضرورية؟ ولماذا كان على يسوع أن يجرَّب من إبليس؟ كان على يسوع أن يبرهن أن سلطانه هو الغالب، وأنه المرسل من الله، ولن يخدعه أي شر أو شبه شر. كما نعلم أن لإبليس قوة هائلة يجذب بها الكثيرين إلى جهته. فمنذ سقوط آدم وحواء في الخطيئة وقع الناس جميعاً تحت سلطانه، وضلوا الطريق إلى الله. لكنّ الله في رحمته أرسل مسيحه الوديع، ليخلص البشر من يد الشيطان. استخدم إبليس كل قدرته واحتياله ليوقع يسوع في الخطيئة، ليعصي الله ولا يطيعه. ولكن هيهات له أن ينجح في ذلك، لأن المسيح هو المعيّن من الله ليخلّص الناس، ولينقض أعمال إبليس. ما هي غاية تجربة إبليس ليسوع؟ وما هو قصد الله من قيادة المسيح إلى التجربة؟ إنّ الشيطان قوي ومكار كبير أيضاً. فلم يجرب يسوع في الأيام الأولى من وجوده في البرية، إنما انتظر حتى انقضى أربعون نهاراً وليلة. حيث كان يسوع بعد تلك المدة الطويلة شديد العطش والجوع ضعيف الجسد. عندئذ تقدم إليه بمكرٍ قائلاً: «إن كنت ابن الله، فساعد نفسك واجعل من الحجارة خبزاً». لماذا لم يجرّب الشيطان يسوع إلا بعد مرور أربعين يوماً؟ كان يسوع يقدر أن يقوم بهذه المعجزة، لكنه لم يفعل. إنه لم يرد أن يجذب الناس إليه من خلال تحويل الحجارة إلى خبز، ولم يستجب لإرادة الشيطان وأمره، بل نفذ دائماً مشيئة الله فقط. فكانت كلمات أبيه السماوي حاسمة له، وقد تمّمها. وأصبحت كلمة الله مثل الخبز اليومي له حيث كان يتغذى بها يومياً. ولهذا أجاب يسوع المجرّب: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله». لأية إرادة خضع يسوع؟ لم يتراجع الشيطان بعد فشله الأول، بل تمنّى أن يُسقط يسوع في التجربة الثانية. فأصعده إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على السور البارز العالي حيث شاهد منظراً بديعاً لكل مدينة القدس، ورأى في الجهة المقابلة جبل الزيتون فوق وادي قدورن السحيق. لماذا لم يتخلّ الشيطان عن يسوع بل جرّبه ثانية؟ أمام ذلك المنظر البديع وفوق ذلك السور العالي قال الشيطان ليسوع: «إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك إلى أسفل، لانه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك». ما أخدع الشيطان! إنه يستخدم حتى كلمة الله المقدسة ليُبعد الإنسان عن طريق الله. ورغم أنّه ضدّ الله فقد نطق بكلمات الله، بعدما غيّر معناها. وتمنّى أن ينخدع يسوع بالإصغاء إليه. لماذا جرّب الشيطان يسوع بآية من كلمات الله؟ لقد كشف المسيح حيل الشيطان، وللمرة الثانية لم يفعل ما أراده إبليس منه. إنما أجابه بواسطة كلمة الله الموحى بها كما فعل سابقاً. وقال: «مكتوب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك». هذا هو سلاحنا الوحيد، إن أراد الشيطان أن يجرّبنا للوقوع في الخطيئة، علينا أن نواجهه بكلمة الله قائلين: «إنه مكتوب هكذا». عندئذ يهرب الشيطان منهزماً. ما هو سلاحنا الوحيد الذي نستطيع أن نطرد به الشيطان؟ مكتوب لا تجرب الرب إلهك عمل الشيطان كل ما يستطيع ليوقع بيسوع، ولهذا جرّبه ثالثة، وقاده إلى قمة جبل شاهق (عال). ومن هناك أراه العالم المدهش كله: جباله، وديانه، غاباته، بحيراته، أنهاره وحقوله. وزيادة على ذلك، صوّر أمامه غنى العالم كله بمجده وأمواله وقوته. وهكذا حاول الشيطان أن يغري يسوع بأن يعطيه كل ما شاهدته عيناه ملكاً له. ما هي غاية التجربة الثالثة؟ التفت إبليس أخيراً نحو يسوع وقال: «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي». إنه عرض مغرٍ، لكنه بنفس الوقت تحدّ عظيم. هل يمكن أن يخرّ يسوع أمام الشيطان ساجداً له؟ هل يمكن أن نصدّق هذا الامر؟ لقد أتى المسيح يسوع ليخلص البشر من يد إبليس، فهل يجوز أن يسلم نفسه لعدو الخير ويسجد له. ماذا فضّل يسوع: أن يملك غنى العالم أم يتمّم مشيئة الله؟ نبذ يسوع الشيطان عنه بأن أمره قائلاً: «أبعد عني يا شيطان، لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد». ونقرأ في الإنجيل: «أنّ إبليس تركه». فيسوع أقوى من الشيطان وسيبقى المنتصر إلى الأبد. من انتصر في التجربة الثالثة؟ بعدما ترك الشيطان يسوع، إذا ملائكة الله جاءت وصارت تخدمه. لأن الخالق علم أن يسوع كان بحاجة إلى القوة بعد ذلك الصوم الطويل والتجربة الشديدة. فأرسل إليه الملائكة ليقوّيه ويؤكد له صلته المباشرة به. وأما نحن فلسنا في صعوباتنا وتجاربنا متروكين ومنعزلين، بل الله يقوينا لنتغلب على مكائد إبليس باسم يسوع. وعندئذ لا بد أن المجرّب يتركنا لأننا نواجهه بكلمة الله كما فعل يسوع. ولهذا السبب من الضروري أن نحفظ غيباً الكثير من كلمة الله الحية. |
|