أنا لفافة من التبغ صغيرة الحجم, أنيقة المظهر، عُرِفتُ من قديم الزمان ، ولي اصدقاء كثيرون في كل مكان ، ألبس رداءً جميلاً من الورق الأبيض ، واسكن داخل علبة انيقة مزينة برسومات جميلة ، تجدني في كل مكان ، فانا احتل مركزاً ممتازاً في جيوب اصدقائي ، واستقر على مكاتبهم نهاراً وتحت وسائدهم ليلاً ، واشغل مكاناً كبيراً في واجهات المحلات ورفوف الدكاكين وأملأ يافطات الاعلانات الضخمة ذات الالوان المضيئة . وتجد صورتي في الجرائد اليومية والمجلات ، ورائحتي تملأ جو الصالونات والقطارات وعربات الترام .
ان اصدقائي يخلصون لي اشد الاخلاص فيقدمونني الى اصدقائهم ومعارفهم . ويبالغون في اكرامي فيصنعون لي علباً من ذهب ويشعلونني بولاعات من فضة ، وقد توطدت صداقتي بالكثيرين منذ زمن بعيد فان 90% من اصدقائي تعرفوا بي وهم بعد احداث في سن المراهقة ، اذ وجدوا فيّ شبعاً لغرورهم وعلاجاً لمركب النقص فيهم ، اذ اظهرهم بمظهر الرجولة واوحي لهم بالاعتداد بالذات فيتباهون بي أمام الآخرين ولا سيما من الجنس الآخر ، ان اصدقائي من كل جنس ومن كل طائفة ، فيهم الغني والفقير ، العالم والجاهل ، الشيخ والشاب ، الرجل والمرأة . توطدت صداقتي معهم على مر السنين والأيام فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منهم . ومهما طرأ عليهم من ظروف فانهم لا يتركونني ، لقد مرض بعضهم ونصحه الطبيب بالابتعاد عني ولكنهم فضلوا البقاء في المرض على ان يبغضوني ، وبعضهم افلس واحتاج للقوت الضروري ليسد به رمقه ورمق اولاده ، ولكنه ازداد تشبثاً وتعلقاً بي .
لقد صدق أحد المعجبين بي حينما قال: "لقد عزمت ان اذهب الى الجحيم لأتمكن من اشعال سيكارتي هناك" . ان اصدقائي على استعداد كامل للتضحية في سبيلي مهما كلفهم الأمر ولقد ضحّى بعضهم بماله وصحته ومستقبله وحياته الأبدية لكي يرضيني ، انهم ينفقون عليّ بسخاء الآلاف المؤلفة ، فالذي يدخن 30 سيجارة في اليوم ، عندما يصل الى سن السبعين يكون قد انفق ثروة لا تقل عن ما يعادل ثلاثين الف دولار وخمسمئة أخرى على اعواد الثقاب .
أما عن قوتي وتأثيري فحدث ولا حرج ، فأنا احوي 19 مادة كيماوية لكل منها تأثير خاص ، وأهم هذه المواد النيكوتين وحامض البروسيك والبيرودين والكرولين والفرفورال ، والكمية التي احتويها من هذه المادة الأخيرة تزيد على ما يوجد منها في اوقيتين من الوسكي وعن طريق هذه المواد المختلفة وبما لي من سلطان في تكوين عادة ، اضمن سيطرتي الكاملة على كل قوى الانسان حتى لا يستطيع الانفكاك مني .
وأنا اسير في طريق معيّن فأبدأ من اصابع اليد حيث اضع وصمتي عليها ثم انتقل الى الفم حيث اترك آثاري على الأسنان، ثم اتجه الى الحنجرة فالهبها ، ومن هناك انزل الى القصبة الهوائية حتى اصل الى الرئتين فاحدث احتقاناً والتهاباً في اغشيتهما المخاطية التي تشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذي لا يتأثر بأي دواء من ادوية السعال المعروفة واحياناً اتسبب عن غير قصد مني في اصابة بعض اصدقائي بسرطان الرئة . ومن الرئتين اشق طريقي الى الدورة الدموية حيث اترك رواسبي على جدرانها فاصيبها بتقلص الشرايين وتجلط الدم احياناً ثم اصل الى القلب فازيد من عدد ضرباته وخفقاته . وفي امكاني ان اؤثر على المعدة فافقدها الشهية واصيبها بالتهابات قد تصل الى حد التقرح، وفي مقدرتي ايضاً ان اؤثر على الجهاز العصبي فاجعله قلقاً مضطرباً وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح ، وقد حاول بعضهم ان يضعف تأثيري عليهم فوضعوا داخلي قطعة من الفلتر ولكنها لم تستطع ان تحجز سوى 10% مما احتويه . ولكن تأثيري الأكبر هو على نفسية اصدقائي ، فأوحي لهم باستحالة البعد عني واخيفهم وازعجهم من محاولة تركي ، وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم فيستسلمون ويصبحون لي عبيداً اذلاء .
وان كنت آسفة على شيء فهو: أن بعضاً من أعز اصدقائي قد استطاعوا الافلات من قبضة يدي . لقد عرفوا الخسارة التي حلت بهم في السير معي وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبدية فصرخوا الى الله طالبين النجاة مني ووثقوا في دم يسوع المسيح الذي يطهر من كل خطيئة ، فاصبحوا خلائق جديدة بمجرد صرختهم لله باسم الرب يسوع المسيح المخلّص العظيم الذي يخلّص كل من يؤمن به ، ليس من الخطيئة فحسب بل من نتائجها الأبدية الرهيبة ايضاً هؤلاء الذين اعلنوا غضبهم عليّ فمزقوني ارباً ارباً وطرحوني ارضاً وداسوا عليّ بأقدامهم بقوة وسلطان المسيح العظيم . ومنذ ذلك الوقت انقطعت صلتي بهم وتحولت صداقتهم لي الى حرب شعواء أعلنوها علي لكي يفقدوني بقية أصدقائي الذين قد تكون أنت واحد منهم .