"لقد سألت الله أن يغفر لي خطاياي ولكني لم أحصل على هذا العفو الذي أتوق إليه"
وعند السؤال عن غفران الخطايا، من المهم في المكان الأول أن نبحث ونعرف الأساس الصحيح للغفران، إن كنت أريد غفراناً إلهياً وجب أن أحصل عليه بطريقة إلهية وليس بطريقة أتخيلها أو من رسم الإنسان وواضح من المكتوب أن الله يربط بين غفران خطايانا وبين القيمة الفدائية لدم المسيح "فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا، حسب غنى نعمته" (أف 1: 7).
هناك غلطتان كبيرتان شائعتان في أيامنا الحاضرة حول هذا الموضوع. الغلطة الأولى هي أننا نحصل على غفران خطايانا بطلب هذا الغفران بلجاجة وبإلحاح ولمدة كافية حتى نُلزم الله أن يعطينا هذا الغفران. والغلطة الثانية هي أننا نتأكد من هذا الغفران بواسطة مشاعر داخلية معينة. أما الحق فهو (1) إن الغفران مضمون لنا بدم المسيح و(2) هذا الغفران يُقبل بالإيمان و(3) نحن نتأكد منه بواسطة كلمة الله.
ليس معنى ذلك أن أي مسيحي صاحي الذهن ومتعقل لا يفرح لسماع صرخة من أجل الرحمة خارجة من قلب ومن شفتي خاطئ يشعر بخطاياه،لا. بل المقصود أنه من الأهمية بمكان أن النفس التواقة إلى الغفران يجب أن تدرك أنه لا على أساس دموعها وإن جرت أنهاراً، ولا على أساس صراخها وإن تصاعد نحيباً، تنال تلك النفس الغفران، بل تناله بدم المسيح، وبالدم وحده "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب9: 22).
كذلك من جهة أخرى، ليس معنى ذلك أننا لا نفرح إذا رأينا خاطئاً غُفرت خطاياه متهللاً بفرح لا ينطق به، بل نريد أن نقرر لهذا الخاطئ إن الغفران الراسخ يقوم على أساس راسخ ومتين وأعمق من مشاعر الفرح العاطفي. إن ألوفاً ممن سمعوا كلمة البشارة وفرحوا جداً بها اكتشفوا هذه الحقيقة. كانت مشاعرهم في جو الإحساس بمحبة الله، ترقص في داخلهم، وبمجرد أن عرفوا حقيقة ذواتهم انحسر فرحهم وبدأت الشكوك تهاجمهم.
ينبغي أن نتعلم أن نربط بين غفران خطايانا وبين الثمن الذي دُفع فيه. هل يستريح مدين بخمسة جنيهات مثلاً إذا اطلع على حسابه في دفتر الدائن ووجد أن الخمسة الجنيهات التي سددها عنه صديق محب، مشبوكة بدبوس على صفحة الحساب دون أن يُخصم المبلغ بخط الدائن ويُسوي الرصيد؟ هنا يمكن لهذا المدين أن يتجرأ ويقول للدائن "إن ذمتي خالصة من الدين، إن حسابي ليس مفتوحاً بل من حقي أن يُشطب تماماً وإلى آخر مليم" إن أساس راحته وعمق فرحه في أن قيمة الدين قد غطاها ثمن مدفوع:
دم وماء جريا من جنبك سالا
هما اللذان طهرا إثمي ولو طالا