رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كرازة السامرية الناجحة "وعند ذلك جاء تلاميذه، وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة، ولكن لم يقلأحد ماذا تطلب؟ أو لماذا تتكلم معها؟" [27] لم يكن في ذهن التلاميذ أن معلمهم الذي كانوا يترقبون ملكوته العظيم على الأرض يتحدث مع امرأة فقيرة سامرية. إنها ليست من قطيع إسرائيل الضال، وفي ذهنهم لا يمكن أن يكون لها دور في ملكوته، فلماذا يتحدث معها؟ هذا ومن جانب آخر فإنه لم يكن من عادة الرجال أن يتحدثوا مع نساء في الطريق، حتى وإن كانت زوجاتهم، وقد وجدت قوانين كثيرة سنها الحاخامات في هذا الشأن. * أجاز المسيح لنفسه أن يخاطب امرأة سامرية فقيرة، إلا أن تلاميذه مع انذهالهم من ذلك لم يسألوه عن سبب مخاطبته إياها، لأنهم كانوا بهذه الصفة متأدبين بحفظ ترتيب التلاميذ، وبهذه الصورة تهيبوه واستحيوا منه واحتشموه كاحتشامهم صاحبًا عجيبًا. * ترى ممَ تعجب التلاميذ؟ من تواضعه الشديد وبُعده عن الكبرياء، إذ تبادل الحديث مع امرأة فقيرة بل وسامرية أيضًا[513]. القديس يوحنا الذهبي الفم "فتركت المرأة جرتها، ومضت إلى المدينة، وقالت للناس". [28] إذ تمتعت السامرية بالحق الإلهي تركت جرتها، ونسيت ما جاءت من أجله، وعادت إلى المدينة دون الماء، إنما لتقدم ماء الحق لأهل المدينة. تركت جرتها لأنها لم ترد أن تعوقها الجرة عن الإسراع نحو المدينة لتشهد للحق. أخبرت الجميع في الشوارع أنها وجدت الكنز الذي تبحث عنه، ووجدت ينبوع سرورها الداخلي. سبق أن طلب السيد منها أن تدعو زوجها [١٦]، وها هي قد دعت كل رجال المدينة ونجحت في مهمتها. لم تخبرهم أنه حاورها في أمور دينية خطيرة خاصة بمكان العبادة وطريقة ممارستها، بل ما لمس قلبها حقًا أنه عرف أسرارها واجتذبها بقوة كلمته إليه، فتعرفت على شخصه، إنه هو المسيا. ربما تركت جرة الماء التي كانت في بئر تعتز بعمقها، أي بالتعاليم، إذ احتقرت الأفكار التي سبق أن قبلتها، وتقبلت جرة أفضل من جرة الماء، تحوي ماءً ينبع إلى حياة أبدية (يو ٤: ١٤)[514] * هنا امرأة أعلنت عن المسيح للسامريين، وفي نهاية الأناجيل أيضًا امرأة رأته قبل كل الآخرين تخبر الرسل عن قيامة المخلص (يو ٢٠: ١٨)[515]. * كل ما فعلته المرأة السامرية هو علاقتها بالخمسة أزواج، وبعد ذلك ارتباطها بالسادس الذي هو ليس بزوجها الشرعي. تبرأت من الرجل السابق، تركت جرتها واستراحت بوقار في السبت. لقد جلبت أيضًا نفعًا للذين سكنوا معها في ذات المدينة، على أساس معتقداتها القديمة، أي شاركوها تعاليمها الخاطئة. إنها العلة التي جعلتهم يخرجون من المدينة ويأتون إلى يسوع[516]. العلامة أوريجينوس إذ استقبلت الرب المسيح في قلبها ماذا يمكنها أن تفعل سوى أن تترك جرّتها وتجري لتكرز بالإنجيل؟ لقد طردت الشهوة، وأسرعت تعلن عن الحق. ليتعلم الذين يريدون أن يكرزوا بالإنجيل أن يتركوا جرتهم عند البئر[517]. القديس أغسطينوس جاءت لتستقي ماءً، وعندما استنارت وعرفت الينبوع الحقيقي للتو احتقرت الينبوع المادي. وهي في هذه الواقعة البسيطة تعلمنا أن نتجاوز عن أمور الحياة المادية عندما نصغي للروحيات... دون أن يوجه لها أحد أمرًا تركت جرتها، وعلى جناحي الفرح والبهجة أسرعت وصنعت ما فعله الإنجيليون، ولم تدعُ واحدًا أو اثنين، كما فعل أندراوس وفيلبس، إنما دعت مدينة بأكملها، وأتت بهم إلى الرب يسوع[518]. آمنت المرأة السامرية على الفور، وبذلك اتضح أنها أكثر حكمة من نيقوديموس، بل وأكثر شجاعة وثباتًا. لأن نيقوديموس بعد أن سمع قدر ما سمعت المرأة آلاف المرات لم يذهب ويدعو آخرين لسماع هذه الكلمات، ولا تحدث بصراحة على الملأ. لكن هذه المرأة فعلت ما لم يفعله الرسل، إذ قامت بالكرازة للجميع تدعوهم إلى المسيح. بذلك قادت مدينة بأكملها إلى الإيمان بيسوع المسيح[519]. القديس يوحنا الذهبي الفم "هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟" [29] كلمات السامرية تكشف عن سعادتها الداخلية بلقائها مع المسيا مخلص العالم، وتمتعها بمن يملأ أعماقها. لم يهبها الرجال الستة سعادة، لكن لقاءها مع مخلصها بعث فيها روح السعادة والعمل من أجل الآخرين لخلاصهم. لم تكن الدعوة أن يأتوا ليروا أمرًا غريبًا، ولا أن يدخلوا معه في حوارٍ، بل أن يتمتعوا بفاحص القلوب، المسيا مخلص العالم. فمن أهم السمات التي كان اليهود ينتظرونها في المسيا أنه عالم بما في القلوب. في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني ادعى Barchochab أنه المسيا، وإذ خدع كثيرين جاءوا إليه بأشخاصٍ لا يعرفهم بعضهم كانوا مجرمين وآخرون أبرياء، وطلبوا منه أن يميز بين الأشرار والأبرار، وإذ لم يستطع قتلوه. كانت السامرية حكيمة في كرازتها، إذ لم تملي عليهم إيمانها فيه بل بحكمة طلبت منهم أن يأتوا وينظروا ليتحققوا من شخصه: "ألعل هذا هو المسيح؟!" [٢٩]. * مرة أخرى لاحظوا حكمة المرأة العظيمة. فإنها لم تعلن الحقيقة بوضوح، ولا بقيت صامتة، ولا رغبت في إحضارهم باقتناعها هي، بل لتجعلهم يشتركون في هذا الرأي باستماعهم له، حيث صارت كلماتها لهم مقبولة فعلًا[520]. * لم تخجل من قولها أنه قال لها كل مع فعلته... فإنها لم تعد تنظر إلى ما هو أرضي، ولا تعود تلقي بالًا إلى مجد دنيوي أو عارٍ، لكنها أصبحت منتمية إلى شيءٍ واحدٍ فقط، وهي تلك الشعلة المقدسة المتقدة داخلها والممتلئة بها[521]. * "ألعل هذا هو المسيح؟!" [٢٩] لم ترغب في أن تأتي بهم بإرادتها هي واقتناعها، بل أرادت أن يكون لهم الرأي عندما يستمعون إليه. هذا ما جعل كلماتها أكثر قبولًا لديهم... لم تقل "هلموا آمنوا" بل "هلموا انظروا"، وهو تعبير أكثر رقة وجاذبية لهم[522]. القديس يوحنا الذهبي الفم * ليس إنسان أسعد من المسيحي، إذ له الوعد بملكوت السماوات. ليس أحد يجاهد بقوة أكثر منه إذ يخاطر بحياته كل يوم. ليس من أقوى منه إذ يغلب الشيطان... هل يوجد من هو أكثر خسة من المرأة السامرية؟ لكن ليست هي وحدها آمنت... وجدت بعد رجالها الستة الرب الواحد، ليس فقط تعرفت على المسيّا عند البئر، هذا الذي فشل اليهود في التعرف عليه في الهيكل، إنما قدمت الخلاص لكثيرين، بينما كان الرسل يشترون طعامًا لسدْ جوعالمخلص وإراحته من تعبه[523]. القديس جيروم * الأقوال التي قيلت للمرأة ألهبتها إلى أن أوصلها الشوق المتقد إلى ترك جرتها وإهمال الحاجة التي جاءت بسببها، ورجعت إلى مدينتها لتجتذب إلى المسيح كافة الجموع التي كانت فيها. تأمل حرص المرأة وفهمها، لأنها جاءت تستقي، فلما وجدت الينبوع الحقيقي احتقرت الينبوع المحسوس، فأصبحت معلمة لنا. وعلى حسب قوتها عملت العمل الذي عمله رسل ربنا، لأن أولئك لما دُعوا تركوا شباكهم، وهذه فمن ذاتها تركت جرتها وعملت عمل المبشرين. ولم تستدعِ واحدًا أو اثنين، لكنها استنهضت مدينة بأكملها وجمعًا جزيلًا تقديره، واقتادتهم إلى المسيح. تأمل كيف اقتادت المرأة أهل المدينة بأوفر فهمٍ، لأنها لم تقل لهم: تعالوا أبصروا المسيح، لكنها اجتذبت الناس بالمقارنة التي اقتنصها بها المسيح فقالت: "هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت". قالت المرأة السامرية: "هلموا انظرواإنسانًا قال لي كل ما فعلت"،لم تخجل أن تقول ذلك، مع أنه كان يمكنها أن تقول قولًا غير هذا، وهو: تعالوا انظروا من يتنبأ. إذا أضرمت النار الإلهية نفوس أحدنا لا ينظر إلى شيءٍ من الأمور الأرضية، لا إلى الشرف ولا إلى خجل. انظر حكمة المرأة إنها لم تجزم أنه هو المسيح بحكم واضح ولا صمتت، لأنها أرادت أن تجتذبهم إليه، ليس بحكمها هي، وإنما باستماعهم له. القديس يوحنا الذهبي الفم عندما جاء المسيح رفضه اليهود، بينما اعترفت به الشياطين. داود جده لم يجهله عندما قال:"رتبت سراجًا لمسيحي" (مز 7:132)، هذا السراج الذي فسره البعض أنه بهاء البنوة (2 بط 19:1) وفسره البعض أنه الجسد الذي أخذه من العذراء... لم يجهل النبيأمر المسيح إذ قال:"وأعلن بين البشر بمسيحه His Anointed" (عا 13:4 الترجمة السبعينية). موسى أيضًا عرفه، وإشعياء، وإرميا. لم يجهله أحد من الأنبياء، بل حتى الشياطين عرفته إذ انتهرها... رئيس الكهنة لم يعرفه، والشياطين اعترفت به. رئيس الكهنة لم يعرفه، والسامرية أعلنت عنه قائلةً: "انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت،ألعل هذا هو المسيح؟!" (يو29:4)[524]. القديس كيرلس الأورشليمي "فخرجوا من المدينة وأتوا إليه". [30] لقد جاء الوقت الذي فيه بشر البرص بالخلاص العظيم لأصل السامرة (٢ مل ٧: ٣ الخ). ها هي امرأة سامرية لها ماضٍ مؤلم تصير أول كارزة بالأخبار المفرحة للسامرة، فتكسب المدينة كلها لحساب السيد المسيح. "وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: يا معلم كلْ". [31] القديس يوحنا الذهبي الفم بينما انطلقت المرأة السامرية للكرازة بكل قوة، إذ بالتلاميذ ينشغلون بتقديم طعام للسيد المسيح، لأنه كان جائعًا ومُتعب. "فقال لهم: أنا لي طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم". [32] يقول العلامة أوريجينوس أن للأجسام طعام يختلف عما للأرواح، وكما أن الأجسام نفسها تختلف في احتياجاتها من جهة نوع الطعام وكميته، هكذا أيضًا بالنسبة للأرواح والنفوس. كان السيد المسيح ينتهز كل فرصة ليرفع عقول تلاميذه وقلوبهم إلى ما فوق الزمن، إلى السماء عينها. لقد أعلن لهم عن مدى بهجته بخلاص النفوس بكونه طعامه الشهي. لقد وجد شبعه وراحته في التعب من أجل كل نفسٍ، ومن أجل تحقيق خطة أبيه. إنه لن يستريح، بل يبقى مثابرًا على العمل حتى يعبر من هذا العالم. فإنه حتى ذات النوعية للكلمات المغذية والأفكار التأملية والأعمال المناسبة لهذه الكلمات والأفكار ليست مناسبة لكل النفوس. إنه بالحقيقة يوجد البقول وأيضًا الطعام القوي (رو ١٤: ٢؛ عب ٥: ٢) الذي لا ينعش النفوس المحتاجة إلى تقدم في نفس الوقت. وكما يقول بطرس ليت الأطفال حديثو الولادة يشتهون اللبن العقلي النقي (١بط ٢: ٢). ويطبق نفس الشيء إن كان أحد ما مثل الطفل كأهل كورنثوس الذين يقول لهم بولس: "سقيتكم لبنا لا طعامًا" (١ كو ٣: ٢). ليت الضعيف يأكل بقولًا لأنه لا يؤمن (رو ١٤: ٢). هكذا علَّم بولس عندما قال: "واحد يؤمن أن يأكل كل شيء، وأما الضعيف فيأكل بقولًا" (رو ١٤: ٢). ويوجد بالحقيقة وقت فيه "أكلة من البقول حيث صداقة مع نعمة خير من ثور معلوف ومعه بغضة" (راجع أم ١٥: ١٧). أما الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر" (عب ٥: ١٤). ولكن يوجد أيضًا طعام بغيض كما يعلمنا سفر الملوك الرابع عندما قال بعض الرجال لأليشع: "موت في القدر يا رجل الله" (٢ مل ٤: ٤٠)... يليق بنا أن نرتفع بالفكر من الكائنات غير العاقلة والبشرية إلى الملائكة الذين هم أيضًا ينتعشون بالطعام، فإنهم ليسوا في عدم عوز تمامًا. "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز ٧٧: ٢٥). لكن الآن يلزمنا أن نعبر إلى العبارة التي أمامنا بخصوص طعام المسيح، الذي لم يكن يعرفه التلاميذ عندئذ، إذ يقول يسوع الحق: "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو ٤: ٣١). لأن التلاميذ لم يكونوا يعرفوا ما كان يسوع يفعله حينما كان يفعل إرادة من أرسله ويتمم أعماله الكاملة[٣٤]. إنه يفعل إرادة الآب التي هي واحدة مع إرادته[525]. العلامة أوريجينوس يرى القديس أغسطينوس أن طعام السيد المسيح هو أن يتمم إرادة الآب، وأن يشرب من إيمان المرأة به. بهذه يطعِّمها جسده الذي هو الكنيسة، أي تصير عضوًا في الجسد. يرى العلامة أوريجينوس أنه ليس الإنسان وحده بل وكل كائن عاقل سيتمتع بالكمال بيسوع بكونه عمل الله[526]. حينما يكمل كل واحدٍ منا، بكونه عمل الله، بواسطة يسوع، يقول: "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا وضع لي إكليل العدل" (راجع ٢ تي ٤: ٧-٨)[527] العلامة أوريجينوس كان الرب جالسًا جائعًا وعطشانًا اقتات بإيمان المرأة السامرية[528]. القديس جيروم أي عجب إن كانت تلك المرأة لم تفهم الماء؟ انظر فإن التلاميذ لم يفهموا بعد الطعام[529]. القديس أغسطينوس "فقال التلاميذ بعضهم لبعض: ألعل أحدًاأتاه بشيءٍ ليأكل؟" [33] لم يدرك التلاميذ أن الكلمة الإلهي هو الذي عال إيليا في البرية عند نهر كريت، فكان يُرسل له طعامًا يوميًا بواسطة غراب (١ مل ١٧: ٤-٦). وأنه في البرية جاءت ملائكة تخدمه (مت ٤: ١١). "قال لهم يسوع: طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله". [34] يرى القديس أمبروسيوس أن حديث السيد المسيح هنا يشير إلى عمل المسيح في حياة الناس لكي يعملوا إرادة الآب، ويتمموا عمله، لأن ما يفعله الناس كأعضاء في جسد المسيح، يُحسب كأنه هو نفسه قد عمله[530]. أكلنا وشربنا وقراءتنا وخدمتنا وعبادتنا كلها إنما لخدمة خلاص النفوس. هذه هي إرادة أبينا السماوي، طعام نفوسنا الشهي. لقد هلكت النفوس بسبب عدم المعرفة. وقد وهبنا الله مفتاح الملكوت الذي هو إنجيله ومعرفة كلمته. * الوليمة التي يتحدث عنها سليمان لا تتحقق فقط بالطعام العادي بل تُفهم بأنها تتحقق بالأعمال الصالحة. إذ كيف يمكن للنفس أن تتمتع بوليمة بحكمة أفضل إلا بالأعمال الصالحة، أو ماذا يمكن أن يملأ أذهان الأبرار بسهولة مثل معرفة تحقيق العمل الصالح؟ أي طعام أكثر بهجة من عمل مشيئة اللَّه؟ يخبرنا الرب أن لديه هذا الطعام وحده بفيضٍ. كما جاء في الإنجيل: "طعامي أن أعمل مشيئة أبي الذي في السماوات" [34]. فبهذا الطعام يبتهج الذين يتعلمون بمعرفة عجيبة أن يصعدوا إلى المباهج العلوية، الذين يقدرون أن يعرفوا أيّة بهجة هي هذه، وأيّة نقاوة لها والتي يمكن للعقل أن يفهمها. إذن ليتنا نأكل خبز الحكمة، ونشبع بكلمة اللَّه. لأن حياة الإنسان التي خُلقت على صورة اللَّه لا تتحقق بالخبز وحده، بل بكل كلمة تخرج من فم اللَّه (مت 4:4). ويقول القديس أيوب عن الكأس بوضوح كامل: "كما تترقب الأرض المطر، هكذا فقل هؤلاء بالنسبة لكلماتي" (أي 23:29)[531]. * إن كان طعامه هو أن يعمل مشيئة أبيه، هكذا أيضًا طعامه أن يشترك في آلامنا[532]. القديس أمبروسيوس "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس" (نش 16:4). إنه لتعبير جرئ من نفس ممتلئة حماسًا وروعة ترتفع على كل تعجب. من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟ لمن تُجهز العروس وليمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟ من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ "هو الذي منه وبه وله كل الأشياء" (رو 36:11). إنه يعطى كل شخص طعامه في حينه (مز 15:145)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 41:6)، هو الذي يعطى الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة. هذا هو الواحد الذي ترتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة. ترمز الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلّصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو 32:4، 34). تتميم إرادة اللّه المقدسة: "فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 4:2). هذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطى إرادتنا الحرة الثمرة للّه وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح الحلوة المذاق قائلة" وثمرته حلوة لحلقي" (نش 3:2). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها[533]. القديس غريغوريوس النيسي "أما تقولون أنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد. ها أنا أقول لكم: ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد". [35] أخفى السيد المسيح المعنى الروحي السرائري وراء حديثه عن الحصاد، فإن ما يعنيه هو حصاد ملكوت السماوات الذي يتحقق بعد أربعة حقبات زمنية. الحقبة الأولى الإنسان في جنة عدن حيث لم يقدم الثمر اللائق، وجاء عصر الناموس الطبيعي (الآباء البطاركة)، ثم عصر الناموس الموسوي، وأخيرًا الحقبة الرابعة حيث عهد النعمة. فيتم حصاد كل الحقبات لحساب ملكوت السماوات، ويتحقق كمال الحصاد في مجيء المسيح على السحاب حيث ينتهي العصر الأخير. يطلب السيد المسيح الحصاد الذي لن يتحقق بدون العمل الجاد بسرورٍ ومثابرة. فالعملٍ ضرورة حتمية وملحة للتمتع بالحصاد. إنه يرى الحصاد القادم حيث يأتي كثير من السامريين إليه خلال خدمة المرأة السامرية، يؤمنون به ويتأهلون للبس الثياب البيضاء. * "ارفعوا أعينكم"، وردت في مواضع كثيرة في الكتاب المقدس حيث يحثنا الكلمة الإلهي على رفع أفكارنا وبصيرتنا إلى فوق. كما جاء في إشعياء: "ارفعوا إلى العلاء أعينكم، وانظروا من جعل هذه الأمور معروفة" (راجع إش ٤٠: ٢٦). * إذ بدأ يتحدث المخلص عن التطويبات رفع عينيه نحو تلاميذه وقال: "طوبى" لهؤلاء وأولئك (راجع لو ٦: ٢٠). فإنه لا يوجد تلميذ حقيقي ليسوع في الأسفل، ولا أحد ممن يستريح في حضن إبراهيم. فالغني الذي كان يتعذب رفع عينيه ليرى إبراهيم ولعازر في حضنه (لو ١٦: ٢٣)[534]. ليس أحد يرفع عينيه إن كان مستمرًا في إتمام أعمال الجسد[535]. * يحث الكلمة الحاضر مع التلاميذ سامعيه أن يرفعوا أعينهم إلى حقول الكتاب المقدس وإلى حقول الغاية من كل شيء موجود، فيرى الإنسان بياض نور الحق وبهاءه الحال في كل مكان. فإنه بحسب سليمان: "كلها واضحة لدى الفهماء، ومستقيمة لدى الراغبين في الشركة في المعرفة الحسية" (راجع أم ٨: ٩)[536]. العلامة أوريجينوس كتب القديس جيروم إلى أبيغيوس Abigaus كاهن Baetica بأسبانيا يعزّيه في عماه الجسدي ويبعث فيه روح الفرح من أجل ما يتمتع به من بصيرة داخلية: * يليق بك ألا تحزن، إنك محروم من هاتين العينين الجسديتين اللتين لدى النملة والحشرات والزحافات، بل بالأحرى أن تفرح أن لديك العين الواردة في نشيد الأناشيد: "قد سبيْتِ قلبي يا أختي العروس، قد سبيْتِ قلبي بإحدى عينيك" (نش5:4). هذه هي العين التي بها يُرى اللَّه، والتي أشار إليها موسى عندما قال: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم" (خر 3:3)... وقال نبي: "يدخل الموت خلال نوافذك" (إر21:9LXX)... وقد أمر (الرسل) أن يرفعوا أعينهم، ويتطلعوا إلى القول، فإنها قد ابيضّت للحصاد [35][537]. القديس جيروم "والحاصد يأخذ أجرة، ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية، لكي يفرح الزارع والحاصد معًا". [36] الآن يتقدم السيد المسيح بكونه الزارع الذي غرس الكلمة في قلب السامرية، وفي ساعات قليلة جدًا قام بدور الحاصد، وفرح وتهلل من أجل الثمر حيث آمن به كل أهل المدينة قائلين: "إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" [٤٢]. * يقصد المسيح هنا الحاصد الروحاني، لأن ثمرة الحصاد الجسداني لا تبلغ إلى الحياة الأبدية، بل إلى هذه الحياة الوقتية، أما ثمرة الحصاد الروحاني فإنها تبلغ إلى حياة خالية من الشيخوخة والموت. أرأيت كيف أن أقواله محسوسة ومعانيها روحانية؟ القديس يوحنا الذهبي الفم * ضعوا في اعتباركم أنه إن كان موسى والأنبياء هم الذين زرعوا، إذ كتبوا الأمور "لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (١ كو ١٠: ١١)، وأعلنوا عن رحلة المسيح. وانظروا إن كان الذين حصدوا هم الرسل الذين قبلوا المسيح، ورأوا مجده الذي يتفق مع بذار الأنبياء العقلية الخاصة به، التي حُصدت بواسطة إدراك السرّ المخفي منذ الدهور، وأُعلن في أواخر الأزمنة" (أف ٣: ٩؛ ١ بط ١: ٢٠). "الذي في أجيال آخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه" (أف ٣: ٥). الآن فإن الخطة الكاملة الخاصة بإعلان السرّ المحفوظ في كتمان لأزمنة أبدية، والآن أُعلن خلال الأسفار النبوية وظهور ربنا يسوع المسيح، وذلك في الوقت الذي فيه جعل النور الحقيقي الحقول مبيضة للحصاد، إذ أشرق عليها بكونه البذرة. حسب هذا التفسير الحقول التي غُرست فيها البذور هي كتابات الناموس والأنبياء التي لم تكن قد ابيضت بالنسبة للذين لم يتقبلوا حضور الكلمة. لكنها صارت هكذا بالنسبة للذين صاروا تلاميذ ابن الله، وأطاعوه، هذا القائل: "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد"[٣٥][538]. * كتلاميذ حقيقيين ليسوع لنرفع أعيننا وننظر الحقول التي غرسها موسى والأنبياء، لكي نرى بياضها، وكيف قد أُعدت لحصاد ثمارها، وجمعه لحياة أبدية، في رجاء نوال أيضًا مكافأة من رب الحقول ومانح البذور[539]. * كل إنسان، أيًا كان، يقرأ: "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات" (مت ٨: ١١)، سيتفق في إن الزارع والحاصد يفرحان معًا، حيث يهرب كل أنين وحزن ووجع في الدهر الآتي (إش ٣٥: ١٠). إن تردد أحد في قبول أنه حتى الآن الذي يزرع يفرح مع كل من يحصد، ليذكر ما حدث في تجلي يسوع كنوعٍ من الحصاد عندما ظهر في مجدٍ، ليس فقط للحصادين بطرس ويعقوب ويوحنا الذين صعدوا معه على الجبل، بل وأيضًا للغارسين موسى وإيليا من قبل، فاستناروا إلى هذا الحد بواسطة الآب وأناروا الذين رأوه. هكذا الآن يُرى موسى وإيليا معًا مع الرسل القديسين[540]. العلامة أوريجينوس "لأنه في هذا يصدق القول: إن واحدًا يزرع، وآخر يحصد". [37] هوذا السيد المسيح يرسل تلاميذه للحصاد، الحقل الذي تعب فيه آباء وأنبياء العهد القديم زمانًا هذا مقداره. * يمكننا القول أن واحدًا ينتمي إلى الناموس، والآخر إلى الإنجيل، لكنهما يفرحان معًا[٣٦]، لأن لهما هدف واحد من الله الواحد بيسوع المسيح الواحد، المخزن لهما في الروح القدس الواحد[541]. العلامة أوريجينوس * الأنبياء هم الذين زرعوا ولم يحصدوا، وأما الذين حصدوا فهم الرسل. لكن لم يُحرم الذين زرعوا فقط من الفرح بالمكافأة على أتعابهم، إنما تهللوا وابتهجوا بالرغم من أنهم لم يحصدوا[542]. القديس يوحنا الذهبي الفم "أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم". [38] * ولِمَ قال المسيح هذه الأقوال لتلاميذه؟ حتى إذا أرسلهم للمناداة لا يضطربوا كأنهم مرسلون إلى عملٍشديد الصعوبة، لأن عمل الأنبياء كان أكثر تعبًا... إذ جاء التلاميذ إلى الأعمال الأسهل من غيرها، لأنه كما أن الثمرة تجمع في الحصاد بسهولة كذلك يصير عملهم الآن. بهذاشجع المسيح تلاميذه كثيرًا، لأن هذا العمل إذا كان يُظن أنه متعب، إذ يجولون المسكونة وينادون بالتوبة، بيَن لهم أنه سهل، لأن العمل الذي كان متعبًا جدًا، إنما كان ذاك العمل الذي احتاج تعبًا كثيرًا، وهو بذر البذور وأن يدخلوا نفسًا بعيدة إلى معرفة الله[543]. * الآن عمل الحصاد غير الزرع. لقد حُفظتكم لعمل أقل مشقة بينما المسرة أعظم، ليس أن تزرعوا لأنه يحتاج إلى جهد أصعب وإلى ألم. في الحصاد ننال عائدًا عظيمًا بينما الجهد والألم ليسا هكذا عظيمًا، حقًا أنه أكثر سهولة... العمل الشاق الذي يتطلب جهدًا هو غرس البذور ودخول النفس التي لم تنل العضوية (الكنسية) إلى معرفة الله... هذه هي رغبة الأنبياء أن يحضروا كل البشر إليّ، هذا ما كان يعده الناموس. بسبب هذا كانوا يغرسون لكي يأتوا بهذا الثمر. بهذا كله يظهر أنه أرسلهم أيضًا وأن العلاقة بين الجديد والقديم عظيمة، وقد أظهر هذا كله بهذا المثل[544]. القديس يوحنا الذهبي الفم * الكلمة دائمًا يجعل أتعاب الناس القدامى أكثر وضوحًا للتلاميذ الحقيقيين حتى لا يمارسوا ذات الأتعاب التي واجهت الغارسين[545] العلامة أوريجينوس |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بئر السامرية حيث التقى المسيح مع المرأة السامرية |
لقاء السامرية ( وسيلة ايضاح لدرس السامرية ) |
أحد السامرية (السامرية تجد مرعى) |
الطبيعة الواحدة أو الطبيعية المتجسدة الواحدة |
كرازة السامرية الناجحة |