رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الربا الخيّر _ أمبروسيوس الربـا الخـيّر القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو يقول الغني لنفسه: "لك خيرات كثيرة" (لو12). أتفق معه أن الغنى المادي يمكن أن ندعوه "خير". لماذا إذاً تعمل أمور شريرة من الخيّرة. مع أنك على العكس يجب أن تعمل أمور خيّرة من الشريرة؟ لأنه مكتوب: "اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم" (لو 16). لأن الشخص الذي يعرف كيف يستعمل المال، يكون المال بالنسبة له خير، أما الشخص الذي لا يعرف كيف يستخدمها بشكل صحيح يكون المال بالنسبة له أمر رديء. "فرَّق أعطى المساكين برُّه قائم إلى الأبد" (مز 112). أي شيء أفضل من هذا؟ المال جيد عندما تعطيه للفقراء، وعندما تفعل ذلك تجعل الله مدينك بنوع من الربا الخيّر. المال جيد عندما تفتح مخازن برك، حتى تكون خبزاً للفقراء، وحياة للمحتاجين، وعيناً للعميان، وأباً للأطفال الأيتام.عندك كل الوسائل لتفعل ذلك. لماذا أنت خائف؟ أنا أواجهك بكلماتك ذاتها: "أقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة". عندك الكثير ليكفيك ويكفي الآخرين أيضاً، تستطيع أن يكون لديك وفرة لكل أحد. لماذا تهدم مخازنك؟ دعني أريك مكاناً أفضل لتخزين حبوبك، يمكنك أن تحتفظ بها في مكان آمين حيث لا يقدر اللصوص سرقتها منك. أحفظها في بطون الفقراء، حيث لا تأكلها الحشرات، ولا تفسد مع الزمن. كمخازن عندك بطون المحتاجين، كمخازن عندك بيوت الأرامل، كمخازن عندك أفواه الأطفال، حتى يقال عنك: "من أفواه الأطفال والرضع أسَّست حمداً" (مز 8). تلك هي المخازن التي تصمد إلى الأبد، تلك هي الصوامع التي لن تحطمها الوفرة المستقبلية. لأنك ماذا ستفعل السنة القادمة إذا ما إزداد إنتاجك أكثر من سعة مخازنك؟ إذا حدث هذا مرة أخرى سوف تحطم ما تبنيه الآن وتبني لك مخازن أضخم. الله يعطيك وفرة لكي تغلب وتدين جشعك، حتى لا يكون عندك أي عذر، لكنك تحتفظ لنفسك بما أراد الله أن يزداد لأجل منفعة الكثيرين من خلالك. بل وأكثر من ذلك، أنت حتى تحرم نفسك من الخير، لأنك إذا وزعتها على الآخرين تربح أكثر لنفسك. إذ أن مفعول الأعمال الصالحة يرتد للشخص ذاته الذي تممها، ونعمة السخاء والكرم ترجع إلى مُنشئها. لذلك مكتوب: "ازرعوا لأنفسكم بالبر" (هو 10). كن فلاحاً روحياً، أزرع ما هو مربح إليك. إذا كانت التربة تنتج محصول أغنى مما تلقت، فكم بالأكثر تتضاعف مجازاة الرحمة التي أظهرتها. علاوة على ذلك، يجب أن لا تنظر لما يستحقه كل شخص. الرحمة ليست من عادتها أن تحكم على أساس الإستحقاق، بل لتلبية الإحتياجات، لا أن تفحص إذا كان الشخص مستحق أم لا، بل لكي تساعد الفقير. لأنه مكتوب: "طوبى للذي يُعني بالضعيف والمسكين" (مز 41 س)، من هذا الشخص؟ هو الشخص الذي يتعطف عليه، الذي يدرك أنه رفيق له بالطبيعة، الذي يُدرك أن الرب خلق الغني والفقير كلاهما، الذي يعرف أنه سوف يُقدِّس دخله إذا أعطى جزء صغير منه للفقراء. بما أنك عندك الوسائل لتكون كريماً، لا تؤجل الأمر وتقول: "اذهب وعد فأعطيك غداً" (أم 3)، لئلا تفقد الفرصة للعطاء. التأخير خطر عندما يمس الأمر حالة شخص آخر. أنت تقول "أهدم مخازني"، أما الرب فيقول "بل بالأحرى أجعل كل ما في صوامعك لخدمة الفقراء، أجعل المخازن لمنفعة المحتاجين". أنت تقول:"أبني أكبر منها وأجمع هناك جميع خيراتي"، أما الرب فيقول: "بل أكسر للجائع خبزك"، أنت تقول: "سأستولى على منزل الفقير"، أما الرب فيقول أنه يجب عليك أن "تُدخِل المساكين التائهين إلى بيتك"، فكيف تطلب من الله أيها الغني أن يصغي إلى صلواتك، وأنت لا تصغي لصوت الله ذاته؟! إن كل ما تعطيه للمحتاجين يحقق ربحاً لك، وكل ما إنتقصته من ممتلكاتك من أجلهم يعد مكسباً لك، أنت تطعم ذاتك بالطعام الذي أعطيته للفقراء، لأن من يرحم الفقير هو نفسه يشبع ويثمر. تُزرَّع الرحمة على الأرض وتنمو في السماء، تُبذَّر في الفقراء وتنبت في حضور الله. لذلك "طوبى للغني الذي وُجد بغير عيب، ولم يسع وراء الذهب أو وضع ثقته في كنوز المال" (سي 31: 8)، لكن يبدو أنه من الصعب أن نجده لأن الكاتب يتمنى أن يرى مثل هذا الإنسان، فيقول: "من هو فنُغبِّطه؟"، لأن أفعاله تستحق الإعجاب كشيء نادر وليس كشيء مألوف. لذلك فالإنسان الذي يُمتحن بالثروات ويظل جديراً بالثناء هو كامل حقاً ومستحق للإعجاب، "الذي قدر أن يتعدى ولم يتعدَّ وأن يصنع الشر ولم يصنع" (سي 31: 10). أم أنك تغطي حوائط بيتك وتعري الناس، يصرخ العريان أمام منزلك ولا تعره إنتباهاً، يصرخ العريان وأنت يحيرك أي نوع من الرخام تكسو به أرضية منزلك، يستجدي الفقير الخبز وحصانك يقضم الذهب بين أسنانه، تبهجك الزخارف الثمينة بينما آخرون ليس عندهم حبوب لطعامهم، يا لها من دينونة تجلبها لنفسك أيها الغني! الناس يتضورون جوعاً وأنت تغلق مخازنك، الناس تصرخ وأنت تتحسس خاتمك المرصع بالجواهر. أيها الإنسان التعيس، لديك الإمكانية لكي تنقذ أرواح كثيرة من الموت، لكن ليس لديك الإرادة! الحجر الكريم الذي في خاتمك يمكنه إنقاذ حياة الكثير من الناس. أنت إذاً الحارس لثرواتك وليس سيدها. أنت يا من تخفي ذهبك في الأرض، خادمها أنت حقاً وليس سيدها. "لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً" (مت 6). فمع هذا الذهب قد دفنت قلبك في الأرض. أجدر بك أن تبيع ذهبك وتشتري خلاصك، بع الحجر الكريم وأقتني ملكوت الله، بع أرضك وأشتر لنفسك الحياة الأبدية. ما أقوله حق لأني أستشهد بكلام الحق نفسه: "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء" (مت 19)، ولا تحزن عند قرائتك لهذه الكلمات لئلا يقال لك أيضاً: "إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات" (مت 19)، بل عندما تقرأ هذا، فكر كيف يستطيع الموت أن ينزع ثروتك منك، أو يغتصبها آخر أعظم منك بقوته. لماذا إذاً تريد الأشياء التافهة بدلاً من العظيمة، الأشياء الفارغة بدلاً من الأبدية، كنوز المال بدلاً من كنوز النعمة؟! الأشياء الأولى فاسدة أما الأخيرة فتدوم. فكر في أنك لا تمتلك هذه الأشياء لوحدك. العثّ يمتلكها معك، والصدأ الذي يتلف المال يمتكلها. هذه هي الشركة التي أعطاها لك الطمع. تأمل أيضاً شخص المدين الذي يقدمه لك عمل الرحمة، إذ أنه مكتوب: "شفاة الأبرار تبارك من سخا بالطعام، ويُشهَدُ بكرمه شهادة صدق" (سي 23:31). ومن ثم يصبح الله الآب هو المدين لك، ويدفع - كشخص مديون لمقرض صالح - فائدة القرض الذي به تم مساعدة الفقير. الابن أيضاً يصير مديوناً لك، إذ يقول: "لأني جعت فأعطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني، عرياناً فكسوتموني" (مت 25)، لأنه يقول أن كل ما نعطه لأحد أخوته الأصاغر نقدمه له شخصياً. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يارب احملني إليك أيها الخيّر الأعظم |
نعظمك بالمدائحِ يا مباركةً في النساء أيها الحقل الخيّر |
الفائدة، الربا، والرأسمالية |
الربا فى المسيحية |
الربا |