رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أبٌ حقيقي (١) القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط ٥ مارس ٢٠١٥ شاب عاصٍ كان ينتظر بفارغ الصبر موت أبيه ولما نفذ صبره قالها بفم متبجح ووجه لا يعرف الحياء “أعطنى القسم الذي يصيبني من المال”.. ورث أبوه بالحياة وسافر بعيداً تاركاً الكل بلا أسف، حتى مشاعر ذلك الأب الرقيق لم يكن لها أدنى اعتبار. ولأن ما يزرعه الإنسان اياه يحصد أيضاً، هناك في الكورة البعيدة ابتدأ يجوع وتخور قواه باحثاً عن رفيق أمين يسنده في محنته أو قلب حنون يرق له أو ذراع قوية تنتشله من مأساته فلم يكن. استيقظت نفسه تحت وطأة مذلتها وصرخ من قلبه: أبي.. نعم أبي ليس لى إلا هو الوحيد الصدر الحنون والرفيق الأمين والذراع الرفيعة التي تستطيع أن تنتشلني من حمأة الخنازير. من المؤكد أن هذا الشاب استعاد ذكريات الحضن الدافىء، حضن الأب الذي طالما ضمه إليه طفلاً فحدثاً فشاباً. لقد كانت المقارنة صارخة بين أولئك القساة الذين لم يحنّوا عليه ولو ببعضٍ من طعام الخنازير.. “كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه احد” نعم لقد كانت مقارنة مبكية بين أولئك الذين ظن يوماً أنهم مصدر السعادة والتنعم، وبين ذكرياته مع أبيه الذي كثيراً ما دلله ولم يضن عليه بمحبته يوماً. لكن واضح أنه في مرحلة ما من حياته لم تعد المحبة الأبوية تستهوي الإبن الذي انفتحت عيناه على بريق العالم الجذاب وراح يلهث ورائه في عيش مسرف وهو يكابر ويغالب مشاعره الطاهرة، حتى جاء اليوم الذي فيه انطفأت تلك الأضواء وتيقن من زيفها وانكشفت له الحقيقة المرة “كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً”.. فكان قراره “أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي اخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك إبناً اجعلني كأحد أجراك”.. أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة لكي أسمع أنا ذلك الصوت الممتلىء فرحاً إن إيمانك قد خلصك. إن قصة هذا الشاب هي قصة كل إنسان منا تاه من حضن الأب السماوي في دروب الخطية بأي صورة لها، فليست الخطية قاصرة على القتل والزنا والسرقة، فمشغوليات العالم بأضوائه البراقة أو حتى في روتينية الحياة بلا هدف أو إنزوائي بعيداً عن حضن الله هو حرمان من أحن وأقوى حصن أمان لنفسي المتغربة. فعلى كل إنسان صادق مع نفسه أن يعرف جموح نفسه وعصيانها كما قال القديس بولس أن “الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد” (رو 3 : 12) وكما قال أيوب البار أيضاً “فكيف يتبرر الإنسان عند الله وكيف يزكو مولود المرأة” (أى 25 : 4) . هذا جانب من القصة التي قالها الرب يسوع - وهو ليس الهدف الوحيد الذي من أجله أعطى هذا المثل - لكن هناك وجه آخر للمثل وهو ما كشفه الأب عن مكنونات قلبه وعن ربط المحبة المتينة القوية التي اجتذبت إبنه من الكورة البعيدة “كنت اجذبهم بحبال البشر بربط المحبة وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم و مددت إليه مطعماً” (هو 11 : 4) كأبٍ حقيقي تعبت معي أنا الذي سقطت. قال لنا “متى صليتم فقولوا أبانا” “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب” (رو 8 : 15).. أبٌ يستر على ابنه الخاطئ وهذا ما سنكمله في المقال القادم إن شاء الرب وعشنا.. |
|