اسمع يا إسرائيل: اسمع – في اللغة العبرية التي كُتبت بها في هذا النص – هو فعل مفرد مذكر والفعل مشتق من [ اسمع ، أنصت ] وهي تأتي في صياغة الإصغاء للانتباه لأن ما سيقال عظيم ، يستدعي الانتباه بشدة؛ وفي اليونانية أتت بمعنى ἀκούω – akoe [ يسمع ، يُنصت ، يهتم بشدة ، يسمع استماعاً ] وهي تُشير في الأساس إلى إدراك الأصوات عن طريق حاسة السمع . والسمع لا يغطي فقط حاسة الإدراك ، ولكن أيضاً قبول واستيعاب العقل لمحتوى ما سمع
اسمع، هذه اللفظة في الآية ليست باللفظة العادية التي تُقال في حديث عادي لمجرد الاستماع ، بل تُشير أولاً إلى حاسة الإدراك من خلال الأذن البشرية لسماع خبر ، والخبر ليس بخبر عادي ، بل خبر هام جداً يحتاج لانتباه شديد ومن نوع خاص . ولكن فوراً وبمجرد الحصول على هذا الخبر العظيم يحدث فهم ، وهذا الفهم يتطلب الإنصات والإصغاء والتمعن في الخبر لذلك تلحق كلمة اسمع نداء واضح [ اسمع يا ] : ” فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم إبراهيم فقال هَاَّنَذَا ” ( تك 22: 11 ) ، وعادة السمع يتطلب معرفة وفهم للغة المنطوق بها الخبر ، حتى يستوعب الإنسان الخبر ويفهمه ويقبله ” هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض . فبددهم الرب من هُناك على وجه كل الأرض ” ( تك 11: 7و8 ) ، فلا يقدر أن يقبل إنسان خبر بلغة لا يفهمها أو يتعرف عليها ، ومن هنا حملت اللفظة اليوناني ، بل والعبري أيضاً معنى الفهم والإدراك للطاعة !!!
وللسمع مغزى أكبر بكثير جداً في الإعلان الكتابي عما له في أي مكان آخر أو في الفكر العلمي أو الأدبي ، لأن الله يتقابل مع الإنسان لقاء حي وشخصي من خلال كلمته ، والذي يحدث فيها رؤية على مستوى الإيمان الحي ، الذي يجعل الإنسان فور سماعه لكلمة الله يقدم الطاعة : ” اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل ” ( إرميا 2: 4 ) ” بالإيمان إبراهيم لما دُعيَ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدا أن يأخذه ميراثا فخرج و هو لا يعلم إلى أين يأتي ” (عب 11 : 8)
” فاسمع يا إسرائيل واحترز لتعمل لكي يكون لك خير وتكثر جداً كما كلمك الرب إله آبائك … ” ( تث 6: 3 )
اسمع يا إسرائيل: هي لفظة تدل على اعتراف لاهوتي حي ، وقد اعتُبرت عقيدة يهودية بلا منازع ، وتمشياً مع تثنية 6: 6 – 8 : [ ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك ، وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم ، واربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك ] وبناءً على ذلك فهي تُقال صباحاً ومساءً كواجب وإعلاناً للإيمان ، وحين أُقيم الهيكل ، أتى الكهنة معاً في فترة بين خدمات العبادة الصباحية ليقرؤوا معاً ” اسمع يا إسرائيل ” ؛ وفيما تطورت عادة تكرار قول [ اسمع يا إسرائيل שְׁמַע יִשְׂרָאֵל ] عبر القرون ، أصبح المجتمع اليهودي يعتبر قولها وسيلة واضحة يُمكن للأفراد من خلالها أن يشهدوا لجوهر الإيمان اليهودي .
ولهذا السبب فإنه في النص العبري [ اسمع שְׁמַע يا إسرائيل يهوه إلهنا يهوه واحد אֶחָד ] فأن الحرف (ع) ע من كلمة اسمع (שְׁמַע ) والحرف (د) ד من كلمة واحد (אֶחָד) تُكتبان عادة بحروف أكبر من بقية حروف الكلمة ، ولذلك بدمج بين هذين الحرفين الساكنين الكبيرين [ ע ، ד ] يُمكن تكوين كلمة الشهادة [ עֵד ] …
فكان مطلوباً من أولاد شعب إسرائيل أن يحفظوا صيغة [ اسمع يا إسرائيل שְׁמַע יִשְׂרָאֵל ] فور تمكنهم من النطق بالكلمات ، فمن المستحيل أن يترك إسرائيلي واحد ابنه ، عندما يبدأ يتعلم الكلام والنطق دون أن يحفظه هذه الصيغة ؛ أما الشهداء وأولئك الذين على فراش الموت ، كانوا ينطقون أيضاً بهذه الشهادة . ومن ألهم بفعل ذلك هو الرابي ( المعلم ) العظيم – عند اليهود – عقيبة [ 50 – 135 م ] والذي قيل عنه إنه أثناء تنفيذ الرومان حكم الإعدام عليه ردد الشهادة ” اسمع يا إسرائيل ” …
وهكذا ، منذ الطفولة المبكرة وحتى لحظة الموت ، تعَلَّم اليهود أن يشهدوا لوحدانية اسم الله . وهذا الفكر اللاهوتي الأساسي يبلغ ذروته في العصر المسياني الذي يُستعلن فيه الله بملكه المتسع حسب نبؤه زكريا النبي : ” يملك الرب على الأرض كلها ، فيكون في ذلك اليوم ربٍ واحد لا يُذكر سوى اسمه ” ( زك 14: 9 )
عموماً أن كلمة أسمع ليس مجرد سماع بل تحمل اعتراف لاهوتي حي مصحوباً بالطاعة ” طاعة الإيمان الحي ” ، والكلمة تحمل معنى [ يستمع لـ ، يُنصت ، يهتم ، يُجيب ، يطيع ] ، وفي اليوناني تحمل معنى ” مُطيع ” ، وهي صفة السامع ، بمعنى أنه يسمع ويطيع باستمرار وبلا توقف ، لئلا يُعتبر إيمانه ميت ، أي بلا إيمان حي بالله المتكلم ومعطي صوته له ، ويصبح عاصي ، لا يسمع ولا يستجيب بالطاعة ، فنداء الله الحي [ اسمع يا إسرائيل שְׁמַע יִשְׂרָאֵל ] يحتاج اهتمام من نوع خاص مع الإنصات الجيد والواعي مصحوباً بفهم مع الإدراك والاستجابة والطاعة مستمرة لئلا يقع في أمرٌ خطير وينحرف عن الحياة ويدخل في دينونة الموت :
” لماذا جئت وليس إنسان !! ناديت وليس مُجيب !!! ” ( إشعياء 50: 2 )
” فأنا أيضاً أختار مصائبهم ومخاوفهم أجلبها عليهم من أجل أني دعوت فلم يكن مُجيب ، تكلمت فلم يسمعوا ، بل عملوا القبيح في عينيَّ واختاروا ما لم أُسرّ به ” ( إشعياء 66: 4 )
” أذهب ونادٍ بهذه الكلمات نحو الشمال وقل أرجعي أيتها العاصية إسرائيل يقول الرب . لا أوقع غضبي بكم لأني رءوف يقول الرب . لا أحقد إلى الأبد . اعرفي فقط إثمك أنك إلى الرب إلهك أذنبتِ وفرقت طُرقك للغرباء تحت كل شجرة خضراء ولصوتي لم تسمعوا يقول الرب [ اعترفي أنك أذنبتِ ( يا إسرائيل ) حين عصيتِ الرب إلهك وتفننت في حبك لآلهة غريبة تحت كل شجرة خضراء دون أن تسمعي لصوتي ] . أرجعوا أيها البنون العصاة [ الشاردون ] يقول الرب …نضطجع في خزينا ويُغطينا خجلنا لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا نحن وآباؤنا مُنذُ صبانا إلى هذا اليوم ولم نسمع لصوت الرب إلهنا ” ( إرميا 3: 12 – 14 ، 25 )
وبهذا نكون أدركنا معنى هذه الجملة الخطيرة والهامة للغاية [ اسمع يا إسرائيل שְׁמַע יִשְׂרָאֵל ] ، والتي تنتظر الطاعة من سامعها وكما هو مكتوب : ” هل مسرة الرب بالمحرقات و الذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة و الإصغاء أفضل من شحم الكباش ” (1صم 15 : 22)
ولنا دائماً حينما نقرأ الكتاب المقدس ننتبه لكل جملة ولفظة فيه ، وحينما نأتي لكلمة اسمع أو استمع يقول الرب ، فلننتبه بشدة لأن الأمر خطير ويحمل معنى هام للغاية وطلب من الله لأجل خيرنا وحياتنا لئلا نموت ونخرج من دائرة الحياة التي في الله ، لأن حينما يتكلم الله ويُنبهنا بالسمع فما يقوله هو سر يحمل قوة حياة لنا …
وهنا في هذا القول الهام والخطير ومبدأ الحياة يقول الرب في استعلان إلهي: [ اسمع يا إسرائيل: يهوه إلهنا يهوه واحد ] هذه حقيقة أعلنها الله لإسرائيل ، كاستعلان لشخصه القدوس الحي ، وهي لفظة تحمل تحذير لشعب إسرائيل الذي اتخذه الله ابناً له ليُستعلن فيه أمام جميع الشعوب ، قبل أن يقول له ” فتحب الرب إلهك ” ( تث 6: 4 – 5 ) ، لأن من المستحيل أن يقول أولاً حب الرب قبل أن يستعلن لهم أنه هو إلهه الوحيد الرب الواحد !!!
والرب يسوع نفسه في العهد الجديد يتخذ نفس الصورة الإعلانية ، حين سُأل من أحد مُعلمي الناموس : ما هي أهم الوصايا كلها ؟ فأجابه يسوع بترديد هذه الصيغة : ” إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل . الرب إلهنا ربٌ واحد ” ( مرقس 12: 29 ) ، فالإيمان بالله الواحد يؤدي إلى طاعة غير منقسمة ، راسخة ومستمرة ، فالأذن مفتوحة على صوت الله واستعداد طاعة الإيمان حاضر في القلب دائماً ، وهذا هو المؤمن الحقيقي بالله الواحد الذي لا يُمكن أن يُشرك معه أحد مهما ان كان ، لأنه هو أصبح بالنسبة للإنسان الأول والآخر ، البداية والنهاية ، فالله لا يُريد أن يكون له شريك آخر في قلب الإنسان …
ولنا أن ننتبه جداً ، الله هنا لا يستعلن كمال طبيعة وحدانيته ، لأنها تفوق كل قامة الإنسان وإدراكه ، لأن الله مستحيل أن يُفحص من أحد ، ولكنه هنا يُستعلن للإنسان بالسر ليكشف أنه هو الواحد الوحيد مركز حياة الإنسان وخلاصه ولا يوجد معه آخر !!! ” لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ” (خر 20: 3)
اجتمعوا يا كل الأمم معاً ولتلتئم القبائل . من منهم يُخْبِرُ بهذا ويُعلمنا بالأولويات ليقدموا شهودهم ويتبرروا . أو ليسمعوا فيقولوا صِدقٌ . أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا أني أنا هو . قبلي لم يُصَوَّرْ إله وبعدي لا يكون . أنا أنا الرب وليس غيري مُخَلِّص . أنا أَخْبَرْتُ وَخلَّصْتُ وأَعْلَمْتُ وليس بينكم غريب . وأنتم شهودي يقول الرب وأنا الله ( إشعياء 43: 9 – 12 )
ويقول القديس بولس الرسول : ” لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ، الشهادة في أوقاتها الخاصة التي جُعلت لها كارزاً ورسولاً . الحق أقول في المسيح ولا أكذب . مُعلماً للأمم في الإيمان والحق ” ( 1 تيموثاوس 2: 5 – 7 )
ولنركز في هذه الآيات لنفهم مقاصد الله ونتعلم الإيمان كفعل في حياتنا وليس مجرد ألفاظ أو كلمات
أنت تؤمن أن الله واحد . حسناً تفعل . والشياطين يؤمنون ويقشعرون . ولكن هل تُريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون ( ثمر ) أعمال ميت . ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال [ الطاعة ] إذ قدم إسحق ابنه على المذبح . فترى أن الإيمان عمل مع أعماله وبالأعمال أكمل الإيمان . وتم الكتاب القائل فتم الكتاب القائل : فآمن إبراهيم بالله فحُسب له براً ودُعيَّ خليل الله ( يعقوب 2: 19 – 23 )
بالإيمان إبراهيم لما دعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدا أن يأخذه ميراثا فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي (عب 11: 8)
لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً (رو 5: 19)
و لكن ظهر الآن و أُعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان (رو 16: 26)
الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة و رسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم (رو 1: 5)