لماذا يرفض اليهود كون يسوع هو المسيح بينما يقر المسلمين بأنه هو المسيح؟
ربما يكون هذا السؤال ساذجاً من حيث المظهر، إلا أنه ، في ذات الوقت يلفت انتباهنا إلى ملاحظة هامة وهي؛ اليهود لا يعتبرون، يسوع بن مريم العذراء، المسيح. بينما نجد بأن القرآن- وهو الكتاب المقدس الأول للأمة الإسلامية- يقر بأن يسوع/ عيسى هو المسيح. فانطلاقاً من هذه الملاحظة يصبح السؤال مُبَرر،بل وهام جداً.
وهذا السؤال يطرح، بداخلة، عدة أسئلة ، ولعل أبرزها هو:
ما هو مفهوم كلمة "المسيح" لدى كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين؟
وهنا سنكتفي بهذا السؤال، وهو الجزء الضئيل من أسئلة كثيرة ومتشعبة، لأهميته، وأيضاً لما يمثله من مدخل مناسب لكل من يسعي في البحث الجاد والمعرفة الأمينة.
أولاً: مفهوم كلمة " المسيح" لدى كل من اليهود والمسيحيين:
نضع هنا؛ البحث عن مفهوم كلمة " المسيح" عند اليهود والمسيحيين، لما يتمتع به الاثنان من قاعدة كتابية واحدة لهما وهي "العهد القديم". فالمسيحيين الأوائل، وعلى رأسهم يسوع المسيح نفسه، نشأوا في بيئة يهودية، ومنتمين للطقوس اليهودية وقتئذ، وهذا ما جعل من المفاهيم للألفاظ تكاد تكون واحدة. إلا أن بعض المفاهيم- وبخاصة بعض صلب المسيح ورفعه- قد تطورت عند الطرفين، مما أدى للافتراق بيتهما.
وكلمة " المسيح" تعني عندهما من، حيث اللغة الطقسية، هي: " كل من يُمسح بالزيت المقدس، في العهد القديم. وهذه المسحة كانت خاصة بـ " النبي، والكاهن، والملك". فنظرة سريعة للعهد القديم نجد تطبيق ذلك؛ فقد مُسح أليشع " نبياً" ( راجع ملوك الأول 19: 16)، كما مُسح هارون وبنوه " كهنة" ( خروج 29: 7، 30: 25و 30)، وأيضاً قد مُسح شاول " ملكاً" ( صموئيل الأول 9: 16، أنظر أيضاً صموئيل الأول 16: 1 و 13). فالمسيح إذاً هو " الممسوح بالزيت ( أو بالدهن المقدس) علامة للتكريس لخدمة إلهية، أي ليكون ممثلاً لله في الأرض في إحدى هذه الوضائف الثلاث: