رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النار والقِدر الفخار _ سمعان اللاهوتي الجديد النار والقِدر الفخار القديس سمعان اللاهوتي الجديد الله نار، وجاء كنار، وقد ألقى ناراً على الأرض. هذا النار نفسه يطوف باحثاً عن مادة ملتهبة لكي يمسك فيها، يبحث عن طباع مستعدة وإرادة جاهزة، لكي ما يسقط عليها ويُشعلها. وفي أولئك الذين تشتعل بداخلهم، ترتفع إلى لهب عظيم، وتصل إلى السماوات، ولا تسمح للشخص المُشتعل بأي تأخير أو استراحة. والنار لا تشتعل في النفس المحترقة بشكل لا شعوري – كما في الموتى كما يتخيل البعض - فالنفس ليست مادة بلا حياة، لكنها تشتعل بإدراك حسي ومعرفة، وفي البداية بألم لا يطاق، نظراً لأن النفس تشعر وتتفهم. بعد ذلك، بعد أن تكون قد طهرتنا بالكامل من قذارة الأهواء، تصير طعاماً وشراباً، وتصير نوراً وفرحاً بلا توقف في داخلنا، ومن خلال الإشتراك تجعلنا نوراً نحن أنفسنا. هذا الأمر يمكن تشبيهه بالقِدر الفخار عندما توضع على النار. في باديء الأمر، يُسوَّد القِدر بعض الشيء من جراء دخان الوقود المحترق، لكن بعد أن يبدأ الوقود في التوهج بشدة، تصير القِدر كلها متوهجة ومثل النار نفسها، ولا يمكن للدخان أن ينقل أي من سواده إليه. هكذا أيضاً، تفعل النفس عندما تبدأ في الإحتراق بالشوق الإلهي، ترى أولاً وقبل كل شيء عتمة الأهواء بداخلها، تتصاعد مثل دخان في نار الروح القدس. ترى في ذاتها - كما في مرآة - السواد الذي يُرافق الدخان، وتفجع وتنوح. وتشعر بالأفكار الشريرة مثل الأشواك، وتصوراتها السابقة، التي تذوي وتستنفذ مثل مادة جافة تحترق بالنار، ويتم إختزالها بالكامل إلى رماد. بعد أن تتحطم تماماً هذه الأشياء، ويبقى جوهر النفس فقط، تماماً بلا أهواء، عندئذ توَّحد النار الإلهية غير المادية ذاتها بالنفس بشكل جوهري، فتشتعل مباشرة وتصير متوهجة شفافة، وتشترك فيه، مثل القِدر الفخار الذي يتوهج بالنار المرئية. هكذا أيضاً يكون الأمر مع الجسد، إذ يصير أيضاً ناراً من خلال الإشتراك في النور الإلهي الفائق الوصف. هذا لن نختبره أبداً، ما لم نبغض العالم وكل ما فيه، وما لم ننكر أنفسنا ذاتها ونضيعها بحسب قول الرب، فتلك النار لن تُضرم فينا بأي وسيلة أخرى. أولئك الذين تقبلوها لم يتحرروا فقط من كل أمراض النفس بالكامل، بل شفوا أيضاً كثيرين من الذين كانوا مرضى وعاجزين روحياً، مختطفين إياهم من مخالب الشيطان، وآتين بهم للسيد المسيح كهدايا. هؤلاء الناس إذ تم إرشادهم بحكمة بكل علم وكل فن بواسطة تلك النار الإلهية، صاروا بإسلوب حياتهم وفي كل جوانب حياتهم مصدر فرح ومسرة لقلب الله. هكذا كان بطرس الرسول القديس، الذي إستلم مفاتيح الملكوت، وهكذا كان بولس الذي صعد للسماء الثالثة، وهكذا كان كل الرسل القديسين بالتعاقب. هكذا أيضاً كان أبائنا ومعلمينا القديسين حاملي الله، الذين بواسطة هذه النار الإلهية جعلوا البدع تختفي، والذين أخضعوا الشياطين وجعلوهم مثل عبيد عاجزين بلا أي قوة، والذين أحبوا الله كثيراً جداً حتى أنهم لم يبخلوا بنفوسهم ذاتها من أجله. هؤلاء القديسون - والكثيرون أمثالهم - يقال عنهم أنهم خدموا الله ويخدمونه إلى الأبد، أما أولئك الذين مازالوا خاضعين للخطية لا يخدمونه، بل بدلاً من ذلك يمكن تشبيههم بالعبيد الأردياء المتمردين على سيدهم. فأولئك الذين مازالوا مضطربين بالأهواء يشبهون أناساً في حالة حرب بشكل مستمر، مثل أناس يتصارعون أو يقاومون الأعداء. أولئك الذين لم يكتسبوا الفضائل بعد، لكنهم يكافحون لأكتسابها، يشبهون أناساً أجسادهم مشوهة أو مثل الفقراء الذين يفتقرون لضرورات الحياة، ولذلك هم يحتاجون إلى الأطراف الصحيحة والمتطلبات التي تنقصهم، وبالتالي لا يستطيعون أن يزودوا الآخرين بما يحتاجوه هم أنفسهم، ولا يقدروا على الخدمة بدون أجر. بحسب كلمة الرسول، نحتاج أن نحصل حالاً على كل فضيلة لكي نُحقق الإنسان الكامل الذي بحسب الله، أي الإنسان الذي لا يفتقر إلى أي فضيلة، وأن نحصل على نعمة الروح من الملك السماوي، مثلما يحصل الجنود على حصصهم من الإمبراطور الدنيوي. وبعد ذلك، بعد أن نصير هكذا أناس كاملين، وقد إرتفعنا إلى قياس قامة ملء المسيح، وتم تسجيل اسمائنا مع جنوده وخدامه، سوف نقوم بحملة ضد أعدائنا المعادين لنا. يقول القديس بولس الرسول "من تجنَّد قط بنفقة نفسه" (1 كو 9)، ماذا تعني كلمة "نفقة"؟ تعني الحصَّة أو الطعام الملكي. لأنه إذا كنا لا نستلم أيضاً من الله هذا الخبز النازل من السماء الذي يعطي حياة للعالم أي نعمة الروح - فهذا هو الطعام الملكي الذي يتغذى عليه أولئك الذين يتجندون مع المسيح، والذي به يكتسون روحياً بدلاً من الأسلحة - فكيف يمكننا إذن أن نتقدم مع جيش الله؟ وكيف يمكننا أن نُصنّف من بين خدامه؟! هلم إذن نستيقظ، ونسعى للهروب من عبودية الأهواء، ونركض نحو المسيح، السيد الحقيقي، حتى نستحق الحصول على لقب "خدامه"، ولنجاهد أيضاً حتى نصبح على مثال هؤلاء القديسين الذين ذكرناهم قبلاً. ليتنا لا نزدري بخلاصنا، ولا نخدع أنفسنا ونقدم أعذار لذنوبنا قائلين: "أنه أمر مستحيل بالنسبة لإنسان يعيش في هذا الجيل الحاضر، أن يصير قديساً"، ويجب أن لا نتفلسف بكلام ضد خلاصنا الخاص، ولا نتجادل ضد صالح أرواحنا ذاتها. لأنه حقاً شيء يمكن تحقيقه، إذا أردنا ذلك، إذ أن إرادتنا الحرَّة وحدها يمكنها أن تحملنا نحو هذا الإرتفاع. لأنه حيثما تكون هناك إرادة مستعدة لا شيء يمكن إعاقتها، كما يقول القديس باسيليوس الكبير. الله يريد أن يجعل منّا نحن البشر آلهة، لكن فقط بموافقتنا، وليس بطريقة غير إرادية، فهل ننسحب هكذا رافضين إحسانه؟ ما أصعب هذه الغباوة، ألا يُحسب هذا التصرف جنون وحماقة شديدة؟ ابتغى الله هذا الأمر جداً، لدرجة أنه جاء إلينا - دون أن يغادر حضن أبيه المبارك – من أجل هذا السبب، وهبط ونزل إلى الأرض. لذلك، إذا كنا نحن أيضاً نرغب فيه ونريده، لا يوجد شيء يمكنه إعاقتنا بأية حال. فقط لنشرع في تقديم التوبه لله بغيرة قلب، وهو من جانبه سوف يوقد مصابيح أرواحنا بإقترابه منّا ولمسه لقلبونا بأصبعه النقي، ولن يسمح للنار بالإخماد والإنطفاء إلى إنقضاء الدهر وإلى مدى الحياة الأبدية، الذي له المجد والكرامة والعبادة الآن وكل أوان وإلى إنقضاء الدهر. آمين. |
|