منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 15 - 02 - 2015, 12:37 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,589

مَثَل الوزنات
مكافأة العبد الصالح والأمين
(مت 25: 14-23)
مَثَل الوزنات

14:25 «وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ».

«وكأنما»:

مَثَل الوزنات
إضافة لربط سياق المثل الآتي بالمَثَل السالف إذ يدور على نفس المحاور. ولكن هنا يتجه المَثَل نحو الأمانة في السهر لحساب السيد.

ويبدأ المَثَل في مشروع رحلة بعيدة لإنسان سيد، وبناء عليه دعا العبيد لتسليمهم أمواله، هنا ترتفع العلاقة التي تربط السيد بعبيده إلى أقصى مستوى من التبعية والأمانة التي تصل إلى حد تسليمهم أمواله ليقوموا بعمله، باعتبارهم حائزين على كل إمكانياته، وعلى ثقته أيضاً. والإحساس هنا يكاد يُنبئ بأنه جعلهم كأبناء، كونه يحمِّلهم مسئولية إدارة أمواله في غيابه، وكأنهم يمثِّلونه شخصياً.

15:25 «فَأَعْطَى وَاحِداً خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً. كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ».

نحن الذين اختارهم الله في المسيح يسوع لملكوته الأبدي قبل إنشاء العالم لنكون قدِّيسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة؛ اختارنا، وكل واحد منا خلقه بإمكانية وطاقة معيَّنة في المواهب وفي القدرة على استخدام المواهب، وبالتالي بإمكانية للخدمة تتناسب مع الطاقة والمواهب. في حين أعطانا فداءً واحداً وخلاصاً واحداً ودعوة مقدَّسة واحدة متساوية في كل شيء للخلاص. وهكذا بمقتضى حكمة الله الفائقة ومعرفته الكاملة المطلقة التي لا يغيب عنها شيء من أمور الخليقة كلها، ودرايته الكاملة المطلقة بدقائق إمكانياتنا وذكائنا وضعفنا، أعطى كل واحد منَّا وزنات تتكافأ تماماً مع طاقتنا ومقدرتنا ومواهبنا للخدمة، نخدم خلاصنا وخلاص الآخرين لحساب ملكوته الأبدي. فلم يُعطِ لأحد من الوزنات أو من الخدمات ما يفوق طاقته، إلاَّ إذا أقحم إنسان نفسه في خدمة أو عمل يفوق طاقته وإمكانياته، فهذا يُسأل عن عجزه ويُلام في تقصيره ولا يُلام الله بسببه في شيء.

ويُلاحَظ في استخدام الاصطلاحات هنا أنها جاءت معبِّرة بدقة، فمثلاً: وزنــــة: وهي هنا تفيد وزنة الفضة كالمعتاد ولكنها بآن واحد توحي بالموهبة، (تالِنْت talent). والطاقة: وهي الطاقة التي تُحسب بها القوة الميكانيكية للآلات والكهرباء، فهو تعبير دقيق للغاية. فالوزنة بالمفهوم المادي ما تساوي عشرة آلاف دينار، والدينار هو في ذلك الزمان ما يساوي أجر العامل في اليوم. فإذا حاولنا تصورها على مستوى أجور اليوم يكون الدينار يُساوي عشرة جنيهات مصرية والوزنة تساوي 100.000 جنيه. ومنها ننتبه جداً إلى ثقة المسيح في الخادم. لأن صاحب الخمس وزنات يكون بهذا الحساب قد استلم من سيِّده نصف مليون جنيه ليتاجر فيها. وهكذا وبحسب ما عوَّدنا المسيح في أمثلته أنها تبدأ رقيقة جميلة محبَّبة جداً للنفس، ذلك بحسب سخائه هو، ولكنها للأسف تنتهي انتهاءً قاسياً رديًّا يصدم النفس، وذلك بحسب جحودنا وسلوكنا الرديء.
وهكذا نخرج بانطباع بديع في حالة الخادم الأول الذي ظهر فيه سخاء المسيح الفائق الذي يعبِّر عن شخصه وحبه للإنسان. كما يلاحظ القارئ أن السيد المسافر هذا لم يأخذ صكوكاً ولا كتب شروطاً ولا حذَّر ولا أنذر ولا أوعى وأوصى، بل بكل ثقة أعطى ماله لعبده الأول على أن يتاجر فيه بقدر ما حباه الله من مواهب. والأمانة المطلقة فُرضت هنا باعتبارها العلاقة الأُولى التي تربط السيد بعبيده.


وهكذا أعطى العبد الثاني ما يتوافق مع طاقاته وإمكانياته، وكذلك الثالث، ولم يلاحظ قط أن أيًّا من الثلاثة استكثر الوزنات أو استقلها، مما يوحي أن التوزيع كان عادلاً بمقتضى طاقاتهم حقـًّا.

ويلزمنا هنا بحسب رأي العالِم برونر( ) أن لا نقتصر في معنى التالنت Talent على وزنة الفضة، فهي في أصلها اليوناني وترجمتها الإنجليزية تُعرف بأنها موهبة فائقة أو قدرة ذكية ممتازة. فهي يمكن أن تعرَّف على أنها فرص امتيازية خاصة تُغطِّي حياة الإنسان. هذه تُعطَى بكيل خاص من الله ليُسأل عن عملها في النهاية.

«وسافر للوقت»:


وكأن اجتماعه بخدمه كان طارئاً لتسليم هذه الوزنات، على أن عودته ستكون للسؤال عن النتائج بقدر الأهمية التي نعرفها نحن عن موهبة الفداء والخلاص التي منحها للجميع بقدر واحد، وكيف أنه سيأتي ليحاسبنا على الدم الذي سفكه من أجلنا، ونعمة الخلاص الذي أكمله بقيامته من أجلنا.


16:25و17 «فَمَضَى الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. وَهَكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضاً وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ».

لم يدَّخر جهداً، بل في الحال قام العبد الذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها وربح خمس وزنات أُخر، فكان عند حسن ظن سيده وأثبت جدارته، كما أثبت أن سيده كان حكيماً دقيقاً عالماً بإمكانياته وطاقته تماماً. كذلك العبد الثاني تاجر وربح وزنتين وأضاف إلى برهان الأول برهانه الخاص أنه كان جديراً بالوزنتين، وأن سيده كان حكيماً ومدركاً طاقته تماماً.

ويُلاحَظ في الأصل اليوناني أنه يوجد في أول الآية كلمة: التي تفيد معنى: ”في الحال“، وقد ألحقها المترجم للعربية بالآية السابقة: «وسافر للوقت»، بينما تخص الآية الحاضرة: ”وفي الحال مضى الذي أخذ ...“ وهي تضيف إلى المعنى مهارة العبدين الأول والثاني وأمانتهما بالنسبة للزمن، وفرص الربح الأوفر في سرعة التنفيذ والغيرة المشدَّدة على أمر السيد وتكليفه؛ بل وهذه الكلمة ”في الحال“ تضيف لحساب العبدين ما هو أكثر من الربح المادي، إذ تكشف عن فرح العبدين بثقة السيد والعمل على حسن ظنه بهما. ويلاحظ أن بمجرَّد تسلُّمهما الوزنات وسفر السيد، مضى كل منهما في الحال. ولكن ”في الحال“ استمرت متصلة بكل الأفعال التالية وهي المتاجرة والربح. لأن كلمة ”في الحال“ لم تأتِ بعد الفعل ”مضى“ بل في أول الآية، أي لابد أن تصير صفة لكل الأفعال الواردة في الآية. ولكن لم يضعها القديس متى في مبدأ الآية إلاَّ لكي ينبِّه ذهننا إلى موضوع العمل في السهر، فهو ليس سهراً عاطلاً متوقفاً على العمل والحركة والربح لحساب صاحب المواهب العامة والخاصة التي منحها لنا بالكيل الموزون والدقيق؛ بل ”في الحال“ هي سمة العمل بكل صوره دون توقُّف بلا معنى أو بلا سبب، بل عمل نشيط متواصل على مستوى فرص الزمن المتاحة. لأنه على أساس العمل ”في الحال“ يتوقَّف الربح الأوفر. وهكذا يلزم أن يكون الانتظار لمجيء الرب والسهر باشتياق وغيرة على مستوى الحركة والنشاط والخدمة، والمتاجرة بلا تسيُّب في وقت أو جهد حسب ”الطاقة“ التي وهبها الله مسبقاً، والتي على أساسها حدَّد كمية الوزنات. أي أن الطاقة هي من عمل النعمة، وعلى أساس عمل النعمة يمنح الله الوزنات. وعلى هذا الأساس اللاهوتي تتم المحاسبة والعقاب. لأن الذي لم يربح يُعاقب لأنه عطَّل عمل النعمة فأوقف عمل الوزنات. أمَّا الربح فقد زكَّى عمل النعمة. وهكذا ترتد النعمة عليه بالطوبى والبركة والمكافأة.

+ «ولكنه لكل واحد يُعطَى (بالنعمة) إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يُعطَى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد.» (1كو 12: 7و8)

+ «ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء.» (1كو 11:12)

وهكذا يثبت القديس بولس من هذه الناحية، ناحية تقسيم المواهب على الأفراد، كل واحد بمفرده كما يشاء الروح أو النعمة، أن جسد الكنيسة أو جسد المسيح يعمل كله بانسجام، كل واحد في مجاله بقدر طاقته الروحية: «كما قَسَمَ الله لكلِّ واحدٍ مقداراً مِنَ الإيمانِ. فإنه كما في جسدٍ واحدٍ لنا أعضاءٌ كثيرةٌ، ولكن ليس جميع الأعضاء لها عملٌ واحدٌ، هكذا نحن الكثيرين: جسدٌ واحدٌ في المسيح وأعضاءٌ بعضاً لبعض، كل واحد للآخر. ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا.» (رو 12: 3-6)

فهنا رؤية القديس متى في إنجيله في مَثَل الوزنات أن واحداً أخذ خمساً والثاني اثنتين والثالث وزنة واحدة، فبالرغم من تفريدهم على المستوى الفردي، جاء القديس بولس وجمعهم معاً كجسم واحد كل عضو له موهبته الخاصة التي يعمل بها ولكن لحساب الجسد الواحد. ويؤكِّد القديس بولس أن الروح هو الذي قَسَمَ لكل واحد من المواهب ما يناسبه، الذي قاله القديس متى: «قدر طاقته».

«وتاجر بها»:

هنا تأتي المتاجرة في مفهومها كعمل work. وهكذا يُبرز إنجيل القديس متى ”العمل“ باعتباره العنصر الأساسي في الاتجاه الروحي المسيحي، في اتجاهه نحو خدمة الآخرين ومعونتهم على الحياة وخاصة في الضيقات. فالعمل بالمواهب الممنوحة لخدمة الآخرين بأي صورة جسدية أو روحية أو نفسية أو صحية هي المتاجرة بالمواهب أو الوزنات: «لكن لكل واحد منا أُعطِيَت النعمة حسب قياس هبة المسيح» (أف 7:4). هذا هو الأساس وعليه يبني القديس بولس كالآتي:

+ «فأطلب إليكم، أنا الأسيرَ في الربِّ، أن تسلكوا كما يحقُّ للدعوةِ (سلَّمهم الوزنات) التي دُعِيتُم بها. بكل تواضعٍ ووداعةٍ، وبطولِ أناةٍ، محتملين بعضكم بعضاً في المحبةِ. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. جسدٌ واحِدٌ، وروحٌ واحِدٌ، كما دعيتم أيضاً في رجاءِ دعوتكم الواحد.» (أف 4: 1-4)

وهكذا نفهم من القديس بولس أن أساس إعطاء الوزنات في مَثَل إنجيل القديس متى هو ”للعمل“، العمل الروحي لوحدة الجسد الواحد وخدمة أعضائه لنمو الجسد وبلوغ كماله المسيحي.

إذن، فمَثَل الوزنات الذي ورد في إنجيل القديس متى ليوضِّح أهمية العمل والمتاجرة بالمواهب، يجعله القديس بولس أساس بنيان الكنيسة وتوحيد الأعضاء في جسد واحد بفكر واحد وإيمان واحد، ينمو حتى يبلغ كماله ومنتهاه في المسيح: «وهو أعطى البعضَ أن يكونوا رُسُلاً ، والبعضَ أنبياءَ، والبعضَ مبشِّرينَ، والبعضَ رُعاةً ومعلِّمينَ (وزنات وزنات)، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمةِ، لبنيانِ جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسانٍ كاملٍ. إلى قياس قامة ملء المسيح.» (أف 4: 11-13)

أمَّا الربح بالنسبة للوزنات فجاء مساوياً لعدد الوزنات: الخمس ربحوا خمساً والاثنتان ربحتا اثنتين. فهنا تقييم الربح جاء بالوزنة. وهكذا لا يتسع الربح هنا لربح النفوس ولكن يتَّسع لأمر هام قصده المسيح من المَثَل كله، وهو الأمانة التي حاسبهم وجازاهم بمقتضاها: «نِعِمَّا أيها العبد الصالح والأمين». فهنا المثل يقوم على الأمانة بالنسبة للمواهب التي أعطاها الله لعبيده لكلٍّ قدر طاقته، وهو يحاسب على مستوى قدر هذه الطاقة تماماً. لا يطالب بأكثر مما في مقدرة الإنسان في استيعاب المواهب والخدمة بها. والنقطة الحرجة في المَثَل هي ”الطاقة“ التي على قدرها أخذ العبد الوزنات، وعلى قدرها تاجر وربح، وعلى قدرها أخذ المكافأة. إذن، فتعامُل الطاقة مع عدد الوزنات هو أساس الاختبار والمجازاة، لأن صاحب الوزنة الواحدة كانت طاقته على قدر العمل والربح لوزنة واحدة. فلمَّا أخفاها في الأرض ولم يعمل أو يتاجر بها وضح أنه بدَّد طاقته وحبس موهبته معاً. وهكذا جوزي بالرفض.

18:25 «وَأَمَّا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي الأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ».

إخفاء الوزنة أو الفضة في الأرض يقابلها تعطيل أو إبطال عمل الموهبة أو المميزات الروحية التي أعطاها الله للمؤمن. وهذا يتم عند الذين، إمَّا فقدوا الإحساس بقيمة الموهبة، أو صار لهم استهتار وازدراء بصاحب الموهبة، وبالتالي عدم اهتمام بمجيئه والحساب الذي سيحاسب به كل إنسان عمَّا وهبه إيَّاه. وهنا يتركَّز المَثَل في عدم السهر ورفض العمل وفقدان الإحساس أو الأمانة بالمسيح.

وفي نظر القديس بولس يكون مِثل هؤلاء عالةً وثقلاً على الجسد، وهم الذين وضع من أجلهم قانونه المعروف بخصوصهم: «إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً» (2تس 10:3). أمَّا المسيح فاعتبرهم مفسدين للجسد ويتحتَّم بتـرهم (لو 7:13).

19:25و20 «وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا».

هنا تحديد الزمان الذي غابه السيد بأنه طويل يوضِّح تأخُّر المجيء الثاني، وهذا ردٌّ على الذين كانوا يظنون أنه سيأتي سريعاً. وأمَّا الحساب فهو ضرورة قصوى كمبدأ إيماني ثابت أن الإيمان بالمسيح هو عمل وحساب على العمل، وإلاَّ انقلب الإيمان المسيحي إلى فوضى. ومرَّة أخرى نفهم الإيمان المسيحي أنه قائم على عطايا ومواهب وامتيازات تحمل قيمة فائقة داخلها لا يكشفها ويستمتع بها إلاَّ الذي يعمل ويجتهد ويتاجر بها. وفي نفس الوقت فإن هذه المواهب والامتيازات الإيمانية سيُطلَب ربحها في حياة كل مؤمن في حساب الدينونة العتيدة. ومثل هذه الوزنات هنا سواء في الخمس أو الاثنتين أو الواحدة هي مجرَّد عيار للمواهب توزن في مقابلها الأعمال. ويتحتَّم أن تكون هذه المواهب قد قدَّمت ما يساويها من أعمال وإلاَّ يُحسب الإنسان أنه اختلس أموال السيد.

21:25 «فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ».

«نِعمَّا أيها العبد الصالح والأمين»:

أمَّا كونه حسن ”eâ“ أو جيد فلأنه أثبت أن ما قدَّمه من ”عمل“ يساوي ”طاقته“ تماماً، فهنا يكون قد نجح وزن الشخصية روحياً. وأمَّا أنه صالح فلأنه أثبت أمانته للسيد نفسه تماماً، فحَسَب ما استأمنه عليه من عمل شخصياً وُجِدَ أميناً فيه لشخص السيد، فهو صالح. وأمَّا أنه أمين فلأنه قدَّم خمس وزنات مقابل خمس وزنات استلمها، فهو أمين في مال سيِّده.

«كنت أميناً في القليل»:


القليل هنا هو كل العطايا والمواهب التي تُعطى للإنسان المؤمن ليتاجر بها، ويفرح ويفرِّح الآخرين، مهما كانت قوتها وقدرتها وعظمتها. لأنها هي بوضعها الحالي صورة لعطايا الله في السماء التي لا يمكن أن توصف أو يدركها عقل. وواضح من هذا الكلام أن المسيح إنما يهب لنا هذه المواهب والعطايا لنتاجر بها لحساب الملكوت، فهي الطريقة الوحيدة التي يدرِّبنا بها لكي نرتقي إلى ما هو أعلى وأعظم وأمجد. وما الدينونة الأخيرة أو الوقوف أمام المسيح إلاَّ لكي نسمع منه هذا الصوت الذي سوف يملأ أسماع السمائيين: «نِعمَّا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك».


«فأُقيمك على الكثير»:


واضح أن في السماء تنتظرنا أعمال كبيرة تكاد تكون من نفس أعمال مواهبنا التي أخذناها على الأرض، ولكن يتَّسع مداها في الروح والحكمة والفرح والمجد إلى ما لا نهاية. وأوضح ما فيها بحسب هذا التقرير أن فرحها يفوق العقل: «فرح سيدك»: «وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي. والفاهمون (الصالحون) يضيئون كضياء الجَلَد، والذين ردُّوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور.» (دا 12: 2و3)


22:25و23 «ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا.قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ».

وبهذا الإجراء يظهر تماماً منهج الرب يسوع المسيح في توزيع المواهب، والحكم النهائي على أداء الأعمال والمهام التي سلَّمها لمختاريه. إذ وضح أن التوزيع للمواهب والعطايا الروحية يتبع نظاماً دقيقاً للغاية مربوطاً بالطاقة التي يحوزها الإنسان، والقدرات الشخصية في مجملها الروحية والنفسية والجسدية. فكل مَنْ هو قادر على احتمال المسئوليات يُعطَى من المواهب والنعمة ما يساوي قدرته تماماً. وهكذا تأتي محاكمته أيضاً عادلة للغاية ودقيقة للغاية، حيث تكون محاسبته على الأمانة والجهد والاهتمام الذي أدَّاه في مسئوليته، ولا يدخل فيه الكثرة أو القلة في المواهب. فصاحب الخمس وزنات نال من المديح والمكافأة ما ناله صاحب الوزنتين تماماً وبالحرف الواحد.

علماً بأن بولس الرسول امتد بهذا المَثَل ليجعل من العمل هدفاً ومن أداء المسئولية غاية مشتركة واحدة. فكلٌّ من المؤمنين يُبنَى في جسد الكنيسة التي يستمد منها وجوده وكيانه، كل منهم بحسب مقدار مواهبه ونوعها. ولكن لابد في الأداء أن يُكمِّل الواحد الآخر. فإن كان قد وضح في مثل المسيح أن الأمانة والصلاح تَعَادلا في الاثنين، كذلك المكافأة بحسب الأداء. إلاَّ أن القديس بولس أضاف أن فوق المواهب والأمانات كلها عقلاً إلهياً مدبِّراً يجعل من الطاقات المبذولة والمواهب الفعَّالة هدفاً واحداً إلهياً: «وهو أعطى البعضَ أن يكونوا رُسُلاً، والبعضَ أنبياءَ، والبعضَ مبشِّرينَ، والبعضَ رُعاةً ومعلِّمينَ، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمةِ، لبنيانِ جسد المسيح ... صادقينَ في المحبة، ننمو في كل شيءٍ إلى ذاك الذي هو الرأس: المسيح. (ولكن بحسب الترجمة الدقيقة يمكن أن تُكتب هذه الآية هكذا: ”... صادقين في المحبة، ننمو فيه إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، من جميع الوجوه). الذي منه كل الجسد مركَّباً معاً، ومقترِناً بمؤازَرةِ كُلِّ مفصلٍ حسب عملٍ، (ويمكن تعديل الترجمة أيضاً هنا كما يلي): بلياقة تجعل الجسد ينمو ويُبنى في المحبة» (أف 4: 11-16). وبهذا يكون بولس الرسول قد أدخل مَثَل المسيح الخاص بالوزنات في صميم طبيعة الكنيسة وفكرها وعملها وغايتها.

الأب متى المسكين

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مَثَل الوزنات (ع 14-30)
مَثَل الوزنات | الحساب
مَثَل الوزنات | إشارة للمواهب
مَثَل الوزنات | العبيد
مَثَل الوزنات هو المثل الثالث


الساعة الآن 06:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024