ما معنى الرجوع الى الله
++++++++++++
· ما معني الرجوع إلي الله ؟ معناه بإختصار : تكوين علاقة حقيقية قلبية معه ... أقول علاقة ، وليس مجرد مظاهر خارجية أو ممارسات ... البعض يظن أن الرجوع إلي الله ، معناه برنامج في الصلاة و الصوم و التداريب الروحية ، و القراءات الروحية و الإجتماعات و المطانيات كل هذا حسن و جميل ، و لكن هل فيه علاقة قلبية مع الله أم لا ؟ هل فيه حب لله أم لا ؟ بدون هذه العلاقة القلبية ، و بدون هذا الحب ، لا تكون قد رجعت إلي الله ، مهما كانت لك صلاة و أصوام و قراءات و مطانيات ... إنما بالعلاقة مع الله و بالحب ، تأخذ كل هذه الوسائط الروحية فاعليتها و قوتها ... فالقلب أولاً ، و منه تصدر هذه الممارسات . و لهذا يقول الرب في سفر يوئيل النبي ( 2 : 12 ، 13 ) : " إرجعوا إلي بكل قلوبكم ... " ( يوئيل 2 : 12 ) . يقول " إرجعوا إلي بكل قلوبكم ، و بالصوم و البكاء و النوح " " مزقوا قلوبكم لا ثيابكم ، و إرجعوا إلي الرب إلهكم " إذن الرجوع القلبي هو المطلوب . القلب أولاً . و من هذا القلب الراجع ، المنسحق أمام الله ، يأخذ الصوم قوة ، و كذلك الدموع . عجيب أن كثيراً من الناس ، يتمسكون بالوسائط و ينسون الله . كإنسان كل همه أن يتلو مجموعة من المزامير . إن لم يتلها يكون حزيناً . و إن أكملها يصير سعيداً ، حتي لو لم تكن له علاقة بالله أثناء تلاوتها !! كلا ، ليس الأمر هكذا ... إن المزامير لها قوتها الروحية الجبارة ، و لها بركتها و تأثيرها و فاعليتها ، بشرط أن تكون صادرة من القلب ، بعلاقة مع الله . أما بغير هذه العلاقة ، وبغير مشاعر القلب ، فقد تصلي ، ومع صلاتك يسري الفتور و السرحان و طياشة الفكر . و قد تصلي بلا عاطفة ، وبلا حرارة و بلا إيمان ، و دون شعور بالوجود في حضرة الله ... لقد تحول الأمر إلي مجرد ممارسة ، بدون علاقة قلبية في الداخل تعطي هذه الممارسة وزناً و قيمة ... أو كإنسان يصوم ، و الله ليس في صومه ... كل همه يتركز في فترة الإنقطاع و تطويلها ، و في زهد الطعام و نسكه . ربما لا يأكل شيئاً حلواً ، أو لا يأكل شيئاً مطبوخاً ، أو يقتصر علي الماء و الخبز و الملح . فإن فعل ذلك ، يكون راضياً عن نفسه . شاعراً إنه ناجح في صومه . أما إستخدام الصوم كوسيلة توصله إلي الله ، فربما يكون أمراً لم يخطر علي باله ...! إن القلب هو الأساس . و به نميز بين إثنين : إنسان يصلي المزامير ، فيخرج بها الشياطين . واَخر يصلي المزامير و كأنه لم يصل ، إذ لا علاقة في قلبه مع الله . هناك من يصوم ، فينال مراحم الرب و غفرانه ، كما فعل أهل نينوي . و غيره يصوم فلا يقبل الله صومه ، كما حدث للفريسي . القلب إذن هو الحكم . و الرجوع إلي الله ، نريده بالقلب . كذلك الرجوع إلي الله ، معناه الرجوع الدائم الثابت . الرجوع الذي لا نكسة فيه . لأن هناك أناساً يظنون أنهم قد رجعوا إلي الله ، بينما يحيون مترددين ، يوماً معه و ربما بحرارة شديدة ، و يوماً في شهوات العالم و رغباته . كما قيل في قصة الفلك عن الغراب الذي أطلقة نوح ، إنه " خرج متردداً " ( تك 8 : 7 ) . لا يكون رجوعك إلي الله إذن ، هو رجوع في مناسبات ، أو في أصوام ، أو في تأثرات معينة ، أو فترات تدريبات ، رجوعاً موسمياً ، تعوده بعده إلي خطاياك السابقة ، منفصلاً عن الله مرة أخري ...! خذ درساً - في الرجوع إلي الله - من قصص القديسين ... القديس موسي الأسود مثلاً ، حينما رجع إلي الله ، رجع بكل قلبه ، و لم يعد إلي خطاياه الولي مرة أخري ، بل ظل ينمو و ينمو حتي تحول إلي مرشد روحي و قدرة لكثيرين و مريم القبطية ، و بيلاجيه ، و أوغسطينوس ، و غيرهم . كل أولئك رجعوا إلي الله ، و لم ينفصلوا عنه مرة أخري ، إنما تقدموا بإستمرار في النمو الروحي ، من حياة التوبة إلي حياة القداسة ... و الرجوع إلي الله معناه الرجوع بقلب جديد ... و الله نفسه يقول في ذلك ... أ‘طيكم قلباً جديداً ، أجعل روحاً جديدة في داخلكم " ( خر 36 : 26 ) .و القديس بولس الرسول يقول " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم " ( رو 12 : 2 ) ، أي بفكر جديد ، يزن الأمور بميزان غير ميزانه السابق . فكر أصبحت للروحيات عنده قيمتها ، و فقدت الخطية تأثيرها عليه ... و يكون الرجوع إلي الله بالصوم و التذلل ... كما رجع إليه أهل نينوي . سمعوا إنذار النبي إنه بعد أربعين يوم تنقلب المدينة ( يون 3 : 4 ) . و لكنهم لم ييأسوا من مراحم الله ، و رجعوا إليه بالصوم و التذلل . فماذا فعلوا ؟ " نادوا بصوم . و لبسوا مسوحاً من كبيرهم إلي صغيرهم . و بلغ الأمر ملك نينوي ، فقام عن كرسيه و خلع رداءه عنه ، و تغطي بمسح ، و جلس علي الرماد " . و هكذا تغطي جميع الناس بالمسوح ، و صرخوا إلي الله بشدة ، و رجعوا عن طريقهم الردية .... فرجع الله إليهم . نفس الصوم و التذلل ، نراه في سفر يوئيل ( 12 : 15 - 17 ) . حيث قال : قدسوا صوماً ، نادوا بإعتكاف . إجمعوا الشعب ، قدسوا الجماعة ... ليخرج العريس من مخدعه ، و العروس من حجلتها . ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق و المذبح . و في نفس الوضع نراه في صوم دانيال النبي و تذلله . يقول : " فوجهت وجهي إلي الله ، طالباً بالصلاة و التضرعات ، بالصوم و المسح و الرماد . و صليت إلي الرب إلهي و اعترفت ( دا 9 : 3 ) " كنت نائحاً ثلاثة أسابيع أيام ، و لم اَكل طعاماً شهياً ، و لم يدخل في فمي لحم و لا خمر ، و لم أدهن " ( دا 10 : 2 ، 3 ) . و الرجوع إلي الله ، يتميز بالحرص و التدقيق و الجدية ... الذي يرجع إلي الله ، يكون فرحاً جداً برجوعه ، حريصاً علي هذا الصلح الذي تم بينه و بين الله . لذلك يكون مدققاً جداً لئلا تصيبه نكسة فيسقط كما كان ... لقد جرب من قبل مشاكل التساهل مع الخطية . و كيف أنه إذا تساهل مع الفكر ، يتحول إلي شعور في القلب ، ثم إلي شهوة تشتعل داخله ، و تبدأ الخطية تسيطر عليه . و يصبح من الصعب أن يفلت منها . لذلك يدقق مع كل فكر ، و مع جميع الحواس ... يدقق مع الخطايا التي تبدو صغيرة ، مثلما مع الخطايا الواضحة الخطأ .و يقول مع النشيد : " خذوا لنا الثعالب ، الثعالب الصغار المفسدة للكروم " ( نش 2 : 15 ) . و يقول للخطية و هي في أولها " طوبي لمن يمسك أطفالك ، و يدفنهم عند الصخرة " ( مز 137 : 9 ) . و هكذا يكون أمينا في القليل ... بهذا التدقيق تختبر أمانتك في الرجوع ... لأنك إن تساهلت مع الخطية ، لا تكون أميناً في رجوعك إلي الله . و يكون قلبك ضعيفاً من الدخل ، يسهل سقوطه . و الرجوع الحقيقي إلي الله ، هو رجوع بقوة ... رجوع يمنحك فيه الله قوة تلمسها في كل نواحي حياتك الروحية :قوة في الإنتصار علي الخطية ، و قوة في النمو الروحي ، و في الإرتفاع إلي فوق . و كما قيل عن ذلك في سفر أشعياء النبي " يعطي المعيي قدرة ... يجددون قوة . يرفعون أجنحة كالنسور . يركضون و لا يتعبون . يمشون و لا يعيون " ( أش 40 : 29 : 31 ) . شمشون الجبار فقد قوته لما أخطأ ، لأن نعمة الله فارقته . لكنه لما رجع إلي الله ، عادت إليه قوته ... أطلب من الرب إذن أن يعطيك قوة ترجع بها ، و أن يعطيك قوة تلازمك في رجوعك إليه ، قوة من روحه القدوس ... قوة تحسها في كل عمل تمتد إليه يدك ، كما قال في المزمور الأول عن الرجل البار " و كل ما يعمله ينجح فيه " ( مز 1 : 3 ) . كإنسان كان مريضاً جداً ، ثم نقلوا إليه دماً ، فتقوي ... بنقل الدم ، عاد إليه نشاطه ، و عادت إليه حيويته ، و دخلت فيه قوة ... هكذا ايضاً التائب الراجع إلي الله ، حينما تدخله قوة من عمل روح الله فيه ... و لهذا كلما تجد نفسك ضعيفاً ، أرفع نظرك إلي فوق ، و قل للرب في صراحة تامة : لماذا هذا الضعف في ؟ هل تخلت عني نعمتك بسبب خطاياي ؟ ... ارددنا يا الله . أنر بوجهك علينا فنخلص ... ما أجمل هذا المزمور ، الذي جعلته الكنيسة لحناً ترتله لله قائلة له في تضرع : إيها الرب إله القوات . إرجع و اطلع من السماء أنظر و تعهد هذه الكرمة التي غرستها يمينك ( مز 80 :14 ، 15) . فهل يرجع الله و يتعهد هذه الكرمة ؟ و هل يريد لنا الله أن نرجع إليه ؟