رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
راهب من المسرح _ باخوميوس الكبير سلوانس الراهب تلميذ أنبا باخوميوس الكبير كان هناك فتى اسمه سلوانس، كان أبونا باخوميوس قد أعطاه وصايا قبل أن يقبله في الدير. وكان أصلاً ممثّلاً، وفي بداية حياة تجرّده كان ساهراً جداً على نفسه، يقضي كل وقته في الصوم والصلوات المتواترة بكل اتضاع. ولكنه بعد ذلك صار مهملاً ممتٍّعاً نفسه بحياة رخوة، وكثير المزاح والضحك. فدعاه الأب باخوميوس وقال له: "ما هي الوصايا التي أوصيتك بها؟ ألا تعلم أنه أمر عظيم أن تصير راهباً؟ لقد أوضحت لك عند الباب أن تتبصر لنفسك لعلك لا تقدر أن تصير راهباً، وقد وعدت أمام الله أن تكون كذلك. والآن، إن كنت ترغب حقاً في الحياة الأبدية، فلماذا لم تهتم بنفسك بدلاً من أن تطلق العنان لقلبك؟ ولكن إن كنت لا تريد أن تبقى في مخافة الله فقُم واذهب إلى والديك ولا تمكث ههنا بعد الآن" ثم أمره الأب في حضور الأخوة أن يخلع زيّه الرهباني ويُعطى ملابس علمانيين ويُطرد من الدير. فلما سمع ذلك انطرح عند قدمي الأب وبكى بكاءً مرا، لأنه لم يشأ أن يعود إلى الحياة العلمانية، وتعهد بتوسل كثير أن يصير راهباً حقيقياً قائلاً: "إذا سامحتني يا أبي هذه المرة ولم تطردني فستجعلني أصنع توبة عما تهاونت فيه، لكي تفرح بتجديد حياتي" فقال له الأب: "أنت تعلم كم احتملتك وحذرتك، بل وكنت أضربك في حين أنني لا أريد أن أمدّ يدي على أحد، ولما كنتُ أضطر أن أفعل ذلك كنت أعاني في نفسي من التأثر أكثر مما كنت أنت تعانيه من الضرب. وقد ظننت أنني بذلك يمكنني أن أصلح خطأك. وأنت إلى الآن لم تتغير، فكيف أسامحك؟" فضاعف سلوانس من توسلاته ووعد بتغيير سلوكه. فرقّ له الأب باخوميوس، ودعا راهباً فاضلاً يُدعى بسينامون، وقال له في غياب الفتى: "نحن نعلم أن لك زماناً طويلاً في جهاد النسك، أما الآن فمن أجل الله خذ هذا الفتى واشترك معه في التعب والجهاد في كل شيء حتى يخلص، فانت تعرف كم أنا منشغل بأمور كثيرة بخصوص الأخوة". وهكذا ظل بسينامون مع سلوانس يعملان الحصر معاً ويتممان صومهما وصلواتهما كما ينبغي. وكان الفتى يطيع بسينامون في كل شيء كما أخذ وصية بذلكن حتى إنه لم يكن يأكل ورقة خضروات دون ان يسأله. وهكذا صار متواضعاً متقدماً في الفضيلة ووديعاً، ضابطاً لفمه، وما كان يتعجل في رفع عينيه نحو أحد، وكان صارماً في نسكه. وكان يقف منتصباً سراً في صلوات السهر حتى أنه إذا تعب من الصلاة كان يجلس ويضفر طوال الليل، وفي هذا الوضع كان يأخذ حاجته من النوم. وباختصار فقد صار رجلاً تائباً حياً بالروح، وصار مثالاً لكل فضيلة أمام جميع الأخوة. وقد حقق سلوانس فضائل أهمها الإتضاع المتناهي والدموع التي كانت تنهمر من عينيه بلا توقف. وكان عندما يأكل مع الأخوة لا يستطيع أن يضبط دموعه التي كانت تختلط بطعامه. ولما كانوا يطلبون منه أن يكف عن ذلك أمام الغرباء كان يؤكد لهم بشدة أنه حاول كثيراً ولم يستطع. فقالوا له: "نود أن نعرف ما هو الفكر الذي يجعلك مبللاً بالدموع بلا توقف حتى أن كثيرين حينما يرونك هكذا يتوقفون عن الأكل". فأجابهم: "ألا تريدونني أن أبكي أنوح على نفسي أنا الآتي من المسرح عندما أرى أناساً قديسين يخدمونني على المائدة وأنا لا أستحق تراب أرجلهم؟ إنني أبكي يا إخوتي خوفاً من ان ابتلع مثل قورح وداثان وأبيرام (عدد16)، ولا سيما لأنني لما جئتُ من الجهالة إلى المعرفة لم أهتم بخلاص نفسي حتى تعرضت لخطر طردي من الدير. لهذا السبب فأنا لا أخجل من هذا البكاء، فأنا أعرف خطيتي التي بسببها إن بذلت نفسي فليس لي فضل!" وفي أحد الأيام، بينما كان الإخوة جالسين بدأ الأب باخوميوس يخاطبهم قائلاً: "يوجد بيننا إنسان لم أرَ مثله قط منذ أن صرت راهباً. فكما يُصبغ الصوف الأبيض بالبرفير الكريم الذي لا يبهت لونه أبداً، هكذا اصطبغت نفس ذلك الإنسان بالروح القدس. وهو إذا سمع شهادتي هذه وتحقق أننا نتكلم عنه فلن يُسرّ بذلك، كما أنه إذا وُجٍّه إليه اللوم فلن يحزن، بل يظل كما هو بغير اضطراب" فظن البعض أنه أبّا تادرس وآخرون أنه بترونيوس أو أورسيزيوس. ولما ألح الأخوة الكبار متوسلين إليه أن يعرفهم من هو قال الأب: "لو علمت أنه سيتملك عليه الغرور من مدحي له لما أثنيت عليه، بل إنه إذا مُدح سيتضع ويزدري بنفسه بالأكثر، لذلك فسأدعوه أمام الكل مباركاً حتى تقتدوا به. أنه أعظم منك أنت يا تادرس والذين يجاهدون مثلك! فمن جهة السن والنسك والمعرفة أنتم آباء له، إلا أنه باتضاعه العميق ونقاوة ضميره هو أعظم. أنتم قيّدتم الوحش الذي يثير الحرب عليكم وطرحتموه تحت أقدامكم، وإن تهاونتم فإنه ينفك ثانية ويقوم ضدكم. أما سلوانس الذي تعرض للطرد بسبب استهتاره فقد أخضع إبليس تماماً وذبحه، حتى أن إبليس لن يستطيع بعد أن يقترب منه لأنه قد هزمه تماماً بتواضعه العظيم!" "فأنتم حينما تتضعون تفعلون ذلك مثل أناس لهم أعمال برّ ويعملون على ازدياد فضيلتهم معتمدين على ما عملتموه قبلاً. أما هذا الرجل فإنه كلما جاهد أكثر كلما اعتبر نفسه لا شيء من كل قلبه، وأنه جدير بالازدراء. وهذا في الحقيقة هو سبب انسكاب دموعه الدائم. إنكم تتفوقون عليه في معرفتكم واحتمالكم وقتالكم ضد الشيطان بلا قياس، أما هو فقد تفوق عليكم في الاتضاع، ولا شيء يبطل قوة الشيطان مثل التواضع الذي ينبعث بقوة من داخل النفس" وبعد أن جاهد سلوانس على تلك الحال ثماني سنوات انتقل من العالم وفرح به أبّا باخوميوس فرحاً شديداً. وقد شهد لرحيله بأنه رأى حشداً من الملائكة يأخذون نفسه بفرح عظيم وتسابيح، وأنهم أحضروها لله كذبيحة مختارة وتقدمة بخور فائقة. |
|