نصلي لأب واحد لآلاف الملايين
"أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ." (متى 6: 9)
لدى الكثيرون من البشر مفهوما خاطئا عن الصلاة، فالبعض يعتقدون أنه يجب أن نصلي صلوات معينة ومحددة ونكررها مرة ومرات... والبعض يصلون فقط في وقت الصعاب والشدة... ولكن الصلاة الحقيقية هي الإلتجاء إلى شخص الله في كل حين وإعلان حاجتنا واحتياجنا إليه، لذاته هو، ولشخصه المبارك، وللعلاقة والتواصل معه قبل طلب أية حاجة منه، فنحن لا نعطيه الكرامة والمهابة المناسبة إذا ما اعتبرناه مجرد مصدر أو بنك لتغطية وتوفير طلباتنا.
كما أن علاقتنا بالأب الأرضي من المفروض أن لا تكون مبنية على المصالح والمنفعة، وعلاقتنا به لا تقتصر على فترة وأوقات الحاجة، بل هي متأصلة ومتجذرة في صلب تركيبتنا وكياننا، هكذا ينبغي أن تكون علاقتنا بالآب السماوي...
فالصلاة هي حديث بيني وبين الله، مبني على حبي ومعرفتي لشخصه المبارك. لذلك أتوجه إليه لأنه الآب السماوي، وبما أنه هو أبونا السماوي مالئ السماء والأرض، وكل ما في الوجود هو صنعه، فهو يحفظ حياتنا ويرعانا. وبما أنه أبونا، فنحن إخوة مهما اختلفنا في الرأي، الجنس، اللون، القومية والعقيدة، هكذا ينبغي أن ننظر لعلاقتنا مع بعضنا البعض، فنصلي بروح نقية وقلب محب، ونتأمل بكلمات الكتاب، نطلب مجده وملكوته علينا، نعترف بزلاتنا وخطايانا، إن كانت بالفعل أو القول أو الفكر أو الإهمال، نتوجه إليه عالمين عظم قدرته، معلنين إيماننا به، ومعترفين بضعف طبيعتنا البشرية، مهما كانت مراكزنا ومراتبنا وإنجازاتنا، فنصلي على أساس المثال الذي تركه لنا الرب يسوع المسيح:
"أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة بل نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين." (متى 5: 9- 12)
عندما نتأمل هذه الصلاة، نستطيع أن نستدل منها على توجهات أساس في علاقتنا مع الله، فنبدأ بتسبيحه وشكره، ثم نتقدم باعترافنا بحاجتنا إليه. وفيما يلي بعض اللمسات والتأملات مبنية على كتاب "التفسير التطبيقي للكتاب المقدس" (1997).
• "أبانا الذي في السموات": تدل على أن الله ليس عظيما وقدوسا فقط، بل إنه إله شخصي ومحب أيضا.
• "ليأت ملكوتك": تشير إلى ملك الله الروحي، وهو قائم بملك المسيح على قلوب المؤمنين.
• "لتكن مشيئتك": نحن لا نسلم أنفسنا للأقدار، ولكننا نصلي كي يتحقق غرض الله الكامل في هذا العالم كما في العالم الآتي.
• "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم": نعترف أن الله هو معيننا والمتكفل بنا، نتكل عليه كل يوم ليمدنا بكل ما يرى أننا في حاجة إليه.
• "إغفر لنا ذنوبنا...": طلب الغفران فيه اعتراف بأننا خطاة. من السهل أن نلتمس المغفرة من الله، ولكن من الصعب أن نغفر للآخرين. عندما لا نغفر للآخرين، فإننا ننكر أننا خطاة مثلهم وفي حاجة إلى غفران الله. وغفران الله لخطايانا ليس نتيجة مباشرة لغفراننا للآخرين، ولكنه يقوم على أساس إدراكنا معنى الغفران.
• "لا تدخلنا في تجربة...": ليس المفهوم هنا أن الله يدخلنا في تجربة، بل بكل بساطة نطلب أن ينجينا من الشيطان وخداعه، فالله لا يدعنا نجرّب فوق ما نحتمل.
إذا عندما نصلي، مهما كانت وجهتنا وتوجهاتنا، من كنا، علينا أن ندرك أننا نتحدث مع أب سماوي واحد لآلاف الملايين من البشر الذين تربطهم بعضهم ببعض علاقة الإخوة الإنسانية.