رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يونان والعودة إلى الرسالة عاد يونان إلى الرسالة التى هرب منها ، وذهب إلى نينوى ، لا ليعلن لها فحسب ، بل للأجيال كلها - الحقائق العظيمة التالية : أولا : إن أبوة اللّه ومحبته وإشفاقه ، لا تقف عند حدود اليهود فقط ، بل تمتد إلى جميع الناس ، إذ الكل خليقته وأبناؤه وذريته ، ... كان يونان من الحماقة حتى كان يهرب من امتيازه الأعظم فى كل التاريخ ، إذ أنه هو المرسل الأول إلى الأمم ، أو فى لغة أخرى ، أبو المرسلين القدامى والمحدثين فى كل التاريخ ... كان وليم كيرى رائد المرسلين فى التاريخ الحديث ، وكان شاباً إسكافياً فقيراً لا يملك مالا أو نقوداً أو علماً ، ومع ذلك فقد امتلأ قلبه حباً وغيرة على تبشير العالم الوثنى ، وقد تحدث فى ذلك الشأن إلى بعض رجال الدين ، فلم يجد منها تأييداً أو معونة ، بل وجد على العكس تعطيلا وتحقيراً ومقاومة ، كان يضع فى دكانه خريطة العالم وقد كتب عليهــا : « لأنه هكذا أحب اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » " يو 3 : 16 " ... كان يحمل معه الكتاب المقدس وكتاب « الأجرومية » "علم النحو والصرف " ، وقد تعلم عدة لغات وذهب إلى الهند . وعندما نذكر أنه فتح الباب أمام جيش المرسلين فى التاريخ الحديث ، علينا أن نذكر يونان المرسل الأول فى كل التاريخ ، إلى نينوى !! كان يونان وهو لا يدرى أول من تعلم الدرس أنه لا فرق عند اللّه بين اليونانى واليهودى والعبد والحر ، والذكر والأنثى ، والأسود والأبيض - أو كما قال الرسول بطرس فى بيت كرنيليوس : « بالحق أنا أجد أن اللّه لا يقبل الوجوه بل فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البر مقبول عنده » " أع 10 : 34 و 35 " . أشرنا فى دراسة سابقة إلى دكتور أجرى الذى عاش يدافع عن الملونين ويهاجم التفرقة العنصرية ، ولم يكن يضيق بلونه الأسود ، بل قال : لو ذهبت إلى السماء وهناك سألنى اللّه عما إذا كنت أرغب فى العودة إلى الأرض كرجل أبيض فإنى أجيبه : إن عندى عملا كرجل أسود أكثر مما يستطيع رجل أبيض أن يؤديه ، أرجوك أن ترسلنى ثانياً أسود حتى يمكنى أن أؤدى عملى » . ثانيا : تعلم يونان ما كان يجهل أو مالم يكن يعلم حق العلم ، أن النفس البشرية غالية جداً عند اللّه ، : « الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون » " 1 تى 2 : 4 " .. وأنه إذا كان يونان قد خرج بيقطينة ظللته ، ولكنها إذ ذوت وهى بنت ليلة ولدت ، وبنت ليلة ضاعت ، فامتلأ غيظاً وهماً وقلقاً ، فكيف يكون الأمر بالنسبة لقلب اللّه ، كخالق ، وهو يرى مدينة عظيمة تهوى إلى قاع الهاوية والجحيم ؟ ... آه ! لو نعلم كم يتألم قلب اللّه على النفوس الضائعة ، لعشنا حياتنا كلها ، ولا هم لنا إلا إنقاذ النفوس الهالكة ، ... لا لأنها خليقة اللّه فحسب ، بل ، أكثر من ذلك ، لأن المسيح مات من أجلها على هضبة الجلجثة !! .. والأمر الثالث الذى أدركه يونان ، هو بركة الألم فى الحياة ، لقد أعاده الألم إلى اللّه والرسالة التى هم بأن يهرب منها ، ... وجاءت نينوى إلى التوبة عندما هددت بالانقلاب !! ... ومع أنه شئ محزن وتعس أن يلجأ اللّه إلى أسلوب الشدة مع الإنسان ، وكان من الممكن أن يستمع إلى نداءاته الكثيرة بالخير والبركة والجود والمراحم ، ... لكنها الصفة فى النفس البشرية ، التى تجعل اللّه يرحم الإنسان بالتأديب والتهديد والآلام ، وربما نعمة فى نعمة طويت .. الأمر الرابع : أن التوبة الشاملة الصادقة ميسورة لأى شعب أو فرد أو جنس ، متى اتجه إلى اللّه من كل قلبه وفكره ، حتى كانت توبته عملية بالرجوع عن الطرق الرديئة والظلـــــم الذى فى يديه ، وأنه ليس فى حاجة إلى كهانة أو وساطـــة أو شروط ، ماخلا الاتجاه إلى اللّه الحى الحقيقى !! .. على أن القصة تعلمنا آخر الأمر غرابة النفس البشرية ، وقد تكون من أفضل النفوس على الأرض ، إذ هى النفس السريعة التذبذب ، الغريبة الأطوار ، تفرح وتكتئب ، وتتسع وتضيق ، دون فاصل زمنى ، وتغتاظ مرات كثيرة بالصواب ، ... ومن الغريب أن نجاح يونان كان فشلا فى تصوره ، وأن وقوفه فى وجه الكارثة ، كان كارثته الشديدة ، ... والسر الحقيقى كما ذكر كلفن ، أن يونان كان مهتماً بالذات أكثر من اهتمامه بخلاص المدينة أو مجد اللّه !! .. كان يونان ، كما دعاه الكسندر هويت ، الأخ الأكبر الذى غضب لمجئ أخيه ، ولم يرد أن يدخل البيت ، فخرج أبوه يطلب إليه الدخول ... فى الحقيقة أن رجاءنا دائماً فى خلاص النفوس لا يرجع إلينا ، بل يرجع إلى قصد اللّه الأبدى ومحبته التى لا تتغير ولا تتبدل !! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يونان النبي | وقد كان يونان أحد أنبياء إسرائيل (يونان 1:1) |
الرسالة الثالثة إلى نسطور (الرسالة 17) |
يونان والعودة إلى الرسالة |
يونان والعودة إلى الرسالة |
باتريك والعودة الى ارض العبودية |