سيلفي وأنا

[Haia]

سيلفي وأنا - الأب باسيل تودورا

«يقولون- وأرغب في تصديق ذلك- أنه من الصعب أن "تعرف نفسك"، ولكنه صعبٌ أيضاً أن "ترسم نفسك ». "فنسنت فان جوخ، رسالة إلى أخيه، سبتمبر 1889.

ظهر التصوير الذاتي (The self-portrait genre) منذ بدايات ظهور الفن. فقد كان يُستَخدَم للتعريف بالفنان،لم يكن حينها معروف بعد التصوير الفوتوغرافي. وفي بعض الأحيان كان يستخدم لسرد قصة أحدٍ ما بطريقة مرئية، أو لوصف الصراع الوجودي لأحد ما. وبعضهم استخدمه لأسباب غامضة كمثل الفنان الذي رسم نفسه بعد تعاطيه أدوية مختلفة.

في أيامنا هذه، تغير مجال استخدام هذا النوع من التصوير الذاتي، من مجال الفن إلى عالم التواصل الاجتماعي، معلناً ولادة ال " selfie" في قاموس أوكسفورد سنة 2013.

مواقع الصور الاجتماعية مثل Instagram دفعت بهذه الظاهرة إلى مستوى مختلف. الجميع يأخذون selfies حتى العائلة المالكة والرؤساء. وحتى أنه لدينا selfies للركاب بعد أن تم إجلاؤهم من الطائرة التي تحطمت في المحيط.

لماذا الجميع مهووسون بالـ "selfie"؟ هناك بعض الدراسات العلمية الهامة التي بحثت في هذا المجال. وأحد الأمور التي توصلت إليها هي " أن علة وجود الـ "selfie" الذي تتم مشاركته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتم أخذه لفائدة المستخدم أو لتأملاته". لم تعد ال selfie تدور بالحقيقة حول فن التصوير. فالعديد من صور ال selfie بالواقع يتم أخذها بشكل فقير للغاية، وأغلبها يدور حول مشاركة شيء ما مع العالم ومع الآخرين. "كنتُ هناك في ذلك الوقت والمكان المميزين"، "فعلتُ هذا الشيء المجنون"، "كنتُ مع هذا أو ذاك الشخص المهم"، و"أريد من جميع أصدقائي أن يعلموا هذا الآن".

ال " selfie" يضعنا في الإطار العام وفي الوقت والمكان المناسبين. لا يهم من هو الشخص حقيقةً، وإنما نسعى من خلالها إلى تقديم صورة مثالية عن ذواتنا للآخرين. نريد أن يُدرك الجميع أنه لدينا الكثير من الأصدقاء الذين يحبوننا.

السيلفي هو خلق مشترك بين حاجتنا و مواقع التواصل الاجتماعي، حاجتنا في أن نعيد تقديم صورتنا بطريقة مثالية، وهذه المواقع تزودنا بوسائل النشر في محيطنا. لا تسيئوا فهمي. مواقع التواصل الاجتماعي عظيمة، فأنا استخدمها يومياً كطريقة للبقاء على تواصل مع زملائي وعائلتي وأصدقاء العمر. لكن سوء استخدامها أو المبالغة باستخدامها، أصبح بديلاً للحياة الاجتماعية الحقيقية التي باتت مفقودة، لابل في بعض الأحيان أصبحت هذه المواقع طريقة "لبيع" أنفسنا للعالم.

يُعلّم آباء الكنيسة أن كل شخص يحوي بداخله الصورة والمثال. الصورة أُعطيت، فجميعنا مخلوقون على صورة الله، ولكننا مدعوون للعمل على المثال، لملء الصورة مع المضمون. الصورة الخالية من المثال هي كصنج يرن أو نحاس يطن (1 كو 13: 1) التي تعطي صوتاً عالياً يمكن سماعه من بعيد، ولكنها خالية من المعنى. يمكن لحياتنا أن تصبح ذات معنى فقط إذا امتلأت بالمسيح، الكلمة الإلهي.

أن نكون قلقين حول مظهرنا وصورتنا الخارجية أو انتمائنا الاجتماعي المثالي، يدفعنا لأن ننسى إنساننا الداخلي وذاتنا الحقيقة. يمكننا أن نخفي أنفسنا عن العالم وراء صورة سيلفي مُعَدّة بعناية، ولكن لا يمكننا أن نخدع الله، " لأَنَّهُ لَيْسَ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ مَكْتُومٌ لاَ يُعْلَمُ وَيُعْلَنُ " (لو 8: 17)

في زيارتي الأخيرة لجبل آثوس، لاحظت أن الأديار لا تمتلك مرايا. هذا يؤكد أن المسألة ليست كيف نرى أنفسنا في المرآة، أو في رأي الآخرين. مايهم حقاً هو كيف يرانا الله. الأيقونات الأرثوذكسية هي مثال جيد لنبدأ في فهم هذا. نرى فيهم رؤية مختلفة، فالأيقونات بحق: كيف يرى الله العالم، وليس كيف نرى نحن الله. كيف ينظر إلى كلٍ منّا- خاطئين كما نحن- كأيقونات، قديسين محتملين.

هذه أفضل صورة سيلفي يمكن أن نعمل عليها، أن نحقق مثال الله، محاولين أن نكون كل يوم بجانب المسيح، وأن نربط أنفسنا بدائرته الاجتماعية أي الكنيسة. حتى على مثال القديس بولس يمكننا أن نقول: " مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. " (غلا 2: 20)