رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس بولس الرسول القمص تادرس يعقوب ملطي حوار في طرسوس في الحيّ اليهودي، جلس الصبي الصغير شاول بجوار والده، وصار يسأله: "يبدو لي يا أبي أن صديقك يحترمك لأنك روماني الجنسية؛ ماذا تعني الجنسية الرومانية؟" أجاب الأب بابتسامة: "أنت تعلم يا شاول أننا عبرانِيَّون، ونعتز بذلك. أنا فريسي، وأنت أيضًا تصير فريسيًّا: تحفظ الشريعة اليهودية، وكل ما تسلَّمْناه من آبائنا، وتسلك في طاعة الله. وفي نفس الوقت أنا روماني، قد اقتنيت هذه الجنسية بثمنٍ كثير لكي تصير كل العائلة رومانية". سأل الصبي شاول: "وما فائدة هذه الجنسية؟" أجاب الوالد: "عندما تكبر يصير لك الحق الاشتراك في مجلس المدينة، ويكون لك حق التصويت بخصوص القوانين التي تصدر هنا". تدخَّلت الأم وقالت: "الجنسية الرومانية لقب يعطينا الكرامة والحماية، يمَكَّنُنَا إن شعرنا بظلم أن نرفع شكوانا إلى قيصر روما... ولا يمكن للجند الرومان هنا أن يستخدموا معنا العنف..." عاش الصبي شاول فخورًا أنه عبراني فريسي، روماني الجنسية، وأيضًا كان نابغة في تعليمه. كانت والدته تروي له كل ليلة قصصًا عن آبائه من العهد القديم، وكان يُسر عندما تُذَكِّره أنه يحمل اسم أول ملك على إسرائيل. في كل سبت كان والد شاول يقرأ فصولاً من الكتاب المقدس، وكان الصبي يحفظ الكثير منها عن ظهر قلب. كان شاول يذهب كل صباح إلى المدرسة الملحقة بالمجمع، أي بالمكان الذي يتعبد فيه اليهود. وبعد الظهر كان والده يعلِّمه فن صُنع الخيام. لقد عرف شاول أن كل أب يهودي صالح يجب أن يُعلِّم ابنه مهنته، مهما كان ناجحًا في دراسته. في الخامسة عشر من عمره ذهب شاول إلى أورشليم ليتعلَّم الشريعة اليهودية على يَدّيْ معلَّم مشهور يدعى غَمَالائيل. شاول مضطهد الكنيسة سمع أنهم يقولون بأنه قام من الأموات، وظهر بعد قيامته لكثيرين، وتحدث معهم، وصعد أمامهم... إنه ابن الله وكلمته. كان شاول في بداية الأمر يسخر بالأمر، ظانًا أنه لن يقبل أحد يسوع مخَلِّصًا... لكنه سرعان ما شاهد الجموع تقبل الإيمان بأعداد وفيرة... ألقى بعض قادة اليهود القبض على الشماس إسطفانوس، وجاءوا به إلى المحاكمة. قال أحدهم: "هذا الرجل ينطق بكلمات ضد الهيكل والشريعة". سأل رئيس الكهنة: "أتُرى هذه الأمور حقيقة؟" تحدث معهم إسطفانوس في صراحة كيف قاوم آبائهم الأنبياء، وقتلوهم، أما هم فصلبوا البار... اغتاظ الحاضرون، وحنقوا عليه بقلوبهم، وصروُّا بأسنانهم غضبًا. أما هو ففي هدوء وبابتسامة لطيفة نظر إلى فوق وقال: "إني أنظر السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الآب". سدَّ الحاضرون آذانهم بأياديهم، ثم هجموا عليه بنفس واحدة، وسحبوه إلى خارج أسوار المدينة. وصاروا يرجمونه بالحجارة. خلع البعض ثيابهم كي يرفعوا حجارة ثقيلة يضربون بها إسطفانوس. ووضعوا الثياب عند رجليْ الشاب شاول. جثا إسطفانوس على ركبتيه، وبفرح صرخ: "أيها الرب يسوع اقبل روحي... يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية". أعمال الرسل 7 التغيُّر العظيم رأى وجه إسطفانوس يضيء كملاك، وسمعه يقول إنه يرى السموات مفتوحة... وفي محبة يطلب سَماحًا لقاتليه. وفي نفس الوقت كان مقتنعًا أن تعاليم إسطفانوس تُضَاد ما في الشريعة المُوسَوِيَّة... في نظره مستحيل أن تكون هذه التعاليم من الله. كان شاول يكره اسم يسوع ولا يطيق أتباعه... وها هم يتزايدون يومًا بعد يوم. لقد وضع في قلبه أن يضع حدًا لهذا الأمر. فكان يدخل البيوت ويَجُر رجالاً ونساءًا ويسلمهم إلى السجن... ومع هذا بقى أتباع يسوع يُبشِّرون به أنه المسيح مخلِّص العالم. قال شاول لرئيس الكهنة: "الأمر لا يحتمل السكوت. هوذا اسم يسوع ينتشر بسرعة حتى خارج أورشليم. اكتب لي عدة رسائل، واطلب من المسئولين في دمشق أن يساعدوني في البحث عن أتباع يسوع. فإني أحضرهم إلى أورشليم موثقين بسلال". كتب رئيس الكهنة الرسائل، وخرج شاول ومعه فرقة من الجند. في الطريق كان يتحدث مع القائد، قائلاً: "وضعت في قلبي أنه لا عمل لي حتى الموت إلا أن أُحطم تلك الأكاذيب التي ينشرها أتباع يسوع المصلوب". وكان القائد يشجعه بالأكثر... الكل يسرعون نحو دمشق ويتصورون كيف يعودون يسوقون أتباع يسوع إلى السجون. فجأة أبرق حوله نور بهي للغاية، وكان ذلك في وقت الظهيرة. ارتعب شاول وخاف، وسقط على الأرض في الطريق. سمع شاول صوتًا من السماء يقول له: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ أنك تؤذي نفسك!" لم يكن شاول قادرًا أن يتطلَّع إلى فوق، وفي ضعف سأل: "من أنت يا سيد؟" جاء الصوت: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده!" حاول شاول أن يفتح عينيه، لكن النور كان قويًا للغاية، فوضع يده على عينيه، وسأل: "يا رب ماذا تريد أن أفعل؟" جاء صوت ربنا يسوع: "قم وأدخل المدينة، فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل". قام شاول وفتح عينيه لكنه لم يبصر شيئًا، لقد فقد بصره تمامًا. قاده الجند إلى مدينة دمشق. أعمال الرسل 9 مع حنانيا - هل شاول الطرسوسي هنا؟ - نعم، لكنه مرهق جدًا. له ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب، وهو يصلي ليلاً ونهارًا. إنه أعمى لا يبصر! - لقد أرسلني الرب. - تفضل فإنه ينتظرك. دخل حنانيا إلى الحجرة التي بها شاول الطرسوسي، الذي شعر به وارتمى عند قدميه: - إني سعيد أن تأتي إلىّ يا حنانيا. - أقول الصدق. لقد ظهر لي الرب وطلب مني أن أحضر إليك، لكنني خفت. لكن الرب طمأنني وكشف لي قصة تحولك. - إنني سعيد جدًا بالسيد المسيح... لقد كنت أظن أنني أخدم الله ولم أدْرِ أنني كنت أضطهده. - لا تخف يا شاول فقد أرسلني الرب يسوع لكي تبصر وتمتليء من الروح القدس، حتى تشهد أمام كثيرين بما رأيت وبما سمعت. وضع حنانيا يده على شاول وللحال صرخ شاول: "أشكرك يا رب لأنك فتحت عينيْ قلبي لأراك، وعينيْ جسدي لأخدمك كل أيام حياتي". اعتمد شاول وانضم إلى الكنيسة التي في دمشق. وذهب إلى المجمع ليُخبر اليهود عن السيد المسيح. صار يحدثهم: "لقد كنت أعمى القلب، لم أُدرك أن ما سبق أن تنبأ عنه الأنبياء قد تحقق في ربنا يسوع. لم أكن أفهم الكتاب المقدس، والآن فتَّح ذهني لأفهمه. كنت أضطهد المسيح مخلِّص العالم، لكنه ظهر لي... إنه يحبني ويُحبكم". كم كانت دهشة المؤمنين وأيضًا اليهود عندما رأوا ذاك الذي جاء ليضطهد المسيحيين قد صار مؤمنًا وكارزًا باسم يسوع المسيح المصلوب. انسحب شاول إلى الصحراء العربية شرقي دمشق (صحراء سوريا)، وبقى عامًا يصلي ويخدم الرب... ثم عاد إلى دمشق، وصار يبشر باسم يسوع. أعمال الرسل 9 هروب في المساء في الليل بينما كانت دمشق مظلمة، وكان القمر هلالاً، إذ كان مجموعة من المؤمنين يُصَلون في عُلِّية في دمشق، قال أحدهم: "إن حياة شاول في خطر. هوذا الأعداء يبحثون عنه في كل مكان. إنهم يراقبون أبواب المدينة بكل حرص ليلاً ونهارًا. لقد صمَّمُوا على قتله. إني خائف عليه". أجاب آخر: "لديَّ فكرة خطيرة، لكن على ما أظن ليس أمامنا حلّ آخر غير ذلك. الأعداء يراقبون الأبواب لكنهم لا يراقبون الأسواء. ما رأيكم إن كان شاول يهرب عبر الأسوار؟" قررَّ الكل أنها فكرة صائبة، فجاءوا بسلة ضخمة وقوية وربطوها بحبال من كل جانب. وسار الكل في الظلام إلى أحد البيوت الملاصقة للسور وصعدوا إلى السطح، وجلس شاول في السَلَّة، ودلُّوه ببطء شديد خارج السور. إذ بلغت السَلَّة الأرض قفز شاول منها وهرب وسط الظلام متجهًا نحو أورشليم، إنسانًا قد تغَيَّر تمامًا! أعمال الرسل 9 في أورشليم خارج أورشليم سار بولس بهدوء نحو الجلجثة، وعند موضع الصليب ارتمى يبكي بدموع غزيرة؛ يبكي بحزن لأنه اضطهد المخلِّص، ويبكي بفرح لأن الصليب اجتذبه إلى الإيمان. دخل المدينة، وكان له في كل شارع ذكرى، كيف كان يسوق الرجال والنساء والأطفال إلى السجون. سمع قادة اليهود أن شاول عاد إلى أورشليم، وأنه انضم إلى المسيحيين فلم يعودوا يحبونه. كما وجد شاول مصاعب في الالتصاق بالمسيحيين، الذين لم يستطيعوا أن يصدقوا أنه صار تلميذًا حقيقيًا للسيد المسيح. ففي أحد بيوت المؤمنين وُجِدت جماعة، كانوا يتحاورون فيما بينهم بخصوص شاول. قال أحدهم: "ألم تسمع ما حدث اليوم" أجاب آخر: "ماذا؟" قال الأول: "أراد شاول الطرسوسي أن يدخل إلى مكان اجتماعنا، وكان بمفرده على غير العادة... لم يرافقه جند ولا قُوَّاد... رآه كثيرون، فصاروا يجرون، أما هو فكان يصرخ: "لا تخافوا! لن أفكر في أذيتكم! لقد آمنت بيسوع مسيحًا ومخلِّصًا. إنه بالحقيقة ابن الله وكَلِمَتَهُ!..." قاطعه أحد الحاضرين: "هل صدَّقوه؟ إنه مفترس! لعلَّ بهذا يَنْصُب فخًا ليصطادنا ويقع بنا!" قال الأول: "لا... لقد تقدم الرسول برنابا أمام الحاضرين، وقال لهم: "لا تخافوا! لقد صار بالحقيقة مسيحيًا! اسمعوا له، فَسيَرْوِي لكم عمل السيد المسيح في حياته وخدمته في دمشق... إن اليهود في دمشق يطلبون رأسه! إنه نادم جدًا على ما سبق فصنعه بنا!" تعجَّب الحاضرون لسماعهم هذه الأخبار، واشتاقوا أن يروا شاول ويسمعون له. مارس شاول عمله الرسولي، وأعطاه الله نعمة عند الكثيرين، خاصة الأمم (غير اليهود). شعر اليهود بخطورته فحاولوا أن يقتلوه. عرف المؤمنون ذلك فذهبوا به إلى قيصرية، وأرسلوه في سفينة إلى طرسوس. أعمال الرسل 9 نشأة الكنيسة في أنطاكية جاء البعض من قبرص والقيروان إلى أنطاكية، وصاروا يُبشِّرون الأمم، فآمن عدد كبير بالسيد المسيح. انتشر الخبر في أورشليم فأرسلت الكنيسة القديس برنابا الرسول إلى أنطاكية، الذي فرح بعمل الله هناك. سافر القديس برنابا إلى طرسوس، وجاء بالقديس بولس إلى أنطاكية، وصارا يعملان معًا لمدة سنة كاملة، ولأول مرة دُعي المؤمنين "مسيحيين". أعمال الرسل 11 الجمع لأورشليم أعمال الرسل 11 رحلة الرسول التبشيرية الأولى في أنطاكية صام العاملون في الكنيسة وصلوا، فطلب منهم الروح القدس أن يفرزوا برنابا وشاول لعمل خاص أعدّه لهما. فصاموا وصلُّوا ووضعوا عليهما الأيادي وأرسلوهما إلى حيث دعاهما الروح القدس. ذهبا إلى سلوكية، ومن هناك أبحرا إلى سلاميس بجزيرة قبرص التي سبق أن عاش فيها الرسول برنابا، وكان في رفقتهما الرسول مرقس. استخدم الرسول اسمه الروماني "بولس"، ربما بعدما التقى بوالي الجزيرة الروماني في بافوس، وكان يُدعى سرجيوس بولس. كان الوالي حكيمًا يشتاق أن يتعرف على الله. سمع عن مجيء الرسل فاستدعاهم. اغتاظ الساحر عليم، وكان يُشكِّك الوالي في الإيمان. تَطلَّع القديس بولس إلى الساحر وقال له: "يا ابن إبليس، يا عدو كل البر، متى تتوقف عن مقاومة الحق؟" سقط الساحر على الأرض، وصار يتحسْسَّها، ويطلب من يمسك به لأنه صار أعمى... أما الوالي فدُهش وآمن. سافر الثلاثة إلى برجة، وهناك يبدو أن الرسول مرقس أصيب بمرض فقرر أن يعود إلى أورشليم، الأمر الذي أحزن قلب الرسول بولس، وإن كان فيما بعد عرف أهمية الدور الذي يقوم به مرقس الرسول. أكمل الرسولان برنابا وبولس رحلتهما التبشيرية حتى بلغا لِسْترَه. هناك تحدث الرسولان عن السيد المسيح. رأى بولس الرسول رجلاً مقعدًا لا يقدر أن يمشي، لأنه وُلد هكذا، وكان الرجل ينصت إلى كلمات الرسول. قال له الرسول: "قم"، فقام الرجل في الحال، وصار يمشي على قدميه لأول مرة في حياته. ذُهل كل الحاضرين. قال أحدهم: "مستحيل! إني غير مصدق. إني أراه دائمًا مَحْنى الظهر. ها هو يقف منتصبًا، ويسير على قدميه!" قال آخر: "حقًا إن بولس لرجل عظيم! ألعله هو وبرنابا إلهين نزلا إلى أرضنا؟! ألعلَّ بولس هو الإله هرمس وبرنابا هو الإله زفس؟" أسرع كاهن زفس ومعه آخرون، وجاءوا بثيران، قيَّدوها وانحنوا ليذبحوها أمام الرسولين بولس وبرنابا. صرخ القديس بولس: "ما هذا الذي تفعلونه؟" قلت الجماهير: "نقدم لكما ذبيحة!" مزق بولس وبرنابا ثيابهما، واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين: "أيها الرجال لماذا تفعلون هذا؟ نحن بشر مثلكم، عبيد الله. جئنا لكي نبشركم بالإله الحيّ خالق السماء والأرض، وأن تقبلوا كلمته، يسوع المسيح مخلِّص العالم". هدأت الجموع، لكن جماعة من اليهود جاءوا من أنطاكية وأيقونية هيجوا الجمع ضد الرسول بولس، فرجموه بالحجارة، وجرّوه خارج المدينة، ظانين أنه قد مات. القديس الذي قبلاً راضيًا بقتل إسطفانوس هو نفسه يُرجم من أجل الإنجيل الذي كان قبلاً يقاومه. أحاط به التلاميذ، وأعطاه الرب قوة فقام ودخل المدينة. وفي الغد خرج مع برنابا فرحًا، حيث زارا دِرْبَة وأيقونيَّة وأنطاكية بيسيدِيَّة وبِرْجة بَمْفيليَّة وأتاليَّة، ومن هناك أبحرا إلى أنطاكية بكيليكيَّة. لقد سار الرسول بولس أكثر من 2000 ميلاً في رحلاته التبشيرية. تارة كان يتسلق التلال، وأخرى يسير في طرق خطيرة وعْرة، يحتمل الأمطار الغزيرة، وحرارة الشمس والبرد القارص... أع 13: 14 رحلة بولس الرسول التبشيرية الثانية قرر الرسولان بولس وبرنابا أن يتفقَّدا البلاد التي سبق أن خدموها. ذهب القديس برنابا مع القديس مرقس إلى قبرص، بينما أخذ القديس بولس القديس سيلا وزارا البلاد التي سبق زيارتها في الرحلة الأولى: طرسوس ودِرْبة ولِسْتِرة وأيقونيَّة وأنطاكية بيسيديَّة. سافر الرسولان إلى ميناء ترواس. هناك رأى القديس بولس في الليل رجلاً مَقْدونِيًا يقول له: "أعبر وأعنَّا!" بالفعل عبرا إلى مقدونيَّة في شمال اليونان بأوربا، ومن هناك ذهبا إلى فيلبِّي. التقى بهما جماعة من المؤمنين بجوار النهر، كان من بينهم سيدة بائعة أُرجوان تدعى ليديا طلبت من الرسولين أن يقيما في بيتها. بدأ الرسولان يكرزان في فيلبِّي. هناك أخرج القديس بولس روحًا نجسًا من جارية (عَبْدة) كانت تمارس العِرافة (التنبوء بالمستقبل)، فهاج سادتها، لأنهم كانوا يكسبون كثيرًا من عِرافتها. أمسكوا بالرسولين بولس وسيلا وجرُّوهما إلى الحاكم قائلين: "هذان الرجلان يبلبلان مدينتنا وهما يهوديَّان ويناديان بعوائد لا يجوز لنا أن نقبلها ولا نعمل بها إذ نحن رومانيُّون". هاج الجمع عليهما، ومزَّق الولاة ثيابهما، وأمروا أن يُضربا بكل عنف وقسوة، حتى امتلأ جسماهما بالجراحات وأخيرًا أُلقيا في السجن. وكان الكل يتوقعون أن يسمعوا صراخهما طول الليل من شدة الألم وكثرة الجراحات. لكن على غير ما توقعوا سمعوهما يصليان ويسبحان الله. في منتصف الليل اهتز السجن كله، وسقطت السلاسل، وانفتحت الأبواب. اضطرب السجَّان جدًا، وظن أن المسجونين قد هربوا. أمسك بالسيف ليضرب نفسه، لكن الرسول صرخ: "قف! لا تصنع بنفسك شيئًا رديئًا: جميعنا موجودون". سقط السجَّان عند قدميهما وقال: "ماذا أفعل يا سيدَيَّ لكي أخلص؟" تحدث الرسولان مع السجَّان عن السيد المسيح فآمن، وأخذهما معه إلى بيته حيث آمن الجميع وغسلوا جراحاتهما ونالوا العماد... في الصباح أُطلق الرسولان بولس وبرنابا، واعتذر لهما الحكام. عادا إلى بيت ليديا، وصليا لله وشكراه. ذهبا إلى تسالونيكي، وكرزا بالسيد المسيح المخلِّص، فأمن كثير من اليونانيين، فغضب بعض اليهود، وقالوا: "هؤلاء الرجال قد قلبوا العالم رأسًا على عقب، وها هم قد جاءوا هنا" هناك التقى الرسولان بالقديس تيموثاوس الذي صار تلميذًا محبوبًا للقديس بولس، وبالقديس لوقا الرسول. بقى الرسولان تيموثاوس وسيلا في مقدونيَّة بينما أبحر القديسان بولس ولوقا إلى أثينا عاصمة اليونان ومركز الثقافة في الشرق والغرب في ذلك الحين. كانت أثينا مركزًا للعلم والفلسفة... كان الرسول بولس يبشر بالسيد المسيح في المجمع اليهودي وأيضًا في الأسواق حيث مراكز العلم، وكان يحدثهم عن المسيح القائم من الأموات. فكانوا يسخرون بالقيامة من الأموات. دعاه بعض المتعلمين لكي يتحدث معهم في مجمعهم في أريوس باغوس. هناك قال لهم أنه رأى مذبحًا مكتوبًا عليه: "الإله المجهول". قال لهم: "هذا الإله الذي تعبدونه ولا تعرفونه، أُخبركم عنه"، ثم حدثهم عن السيد المسيح والقيامة من الأموات. استهزأ البعض بالحديث، وآخرون صاروا مترددين، بينما آمن قلة بالسيد المسيح، منهم ديوناسيوس الأريوباغي. ذهب القديس بولس إلى كورنثوس، وهناك كان يمارس حرفته التي تعلمها منذ صبوَّته، أي صنع الخيام، لكي يكسب القليل فينفق على نفسه. أقام مع أكيلاَّ وزوجته بِرِسْكِلاَّ اليهوديين صانعي الخيام. وكان الرسول يتحدث في المجمع كل يوم سبت، وقَبِل الكثيرون الإيمان. أقام الرسول في كورنثوس عامًا ونصف يكرز ويكتب رسائل إلى المؤمنين في مدن أخرى سبق أن زارها. سافر الرسول في البحر إلى سورية، ومنها إلى أفسس. أعمال الرسل 15-18 الرحلة التبشرية الثالثة ذهب إلى أفسس حيث كان يوجد مجموعة كبيرة من المؤمنين. بقى هناك لمدة عامين يعلم ويصنع آيات وأشفية. تزايد عدد المؤمنين فثار الصُيَّاغ صانعي التماثيل الذهبية للإلهة أرطاميس التي كانت تُباع في الهيكل العظيم، إذ كسدت تجارتهم جدًا. حدثت مظاهرة ضخمة وظل الشعب يصرخ لمدة ساعتين، قائلين: "عظيمة هي أرطاميس التي للأفسُسيين". وسحب الوثنيُّون جماعة من المؤمنين إلى الساحة. حاول القديس بولس أن يتدخل لكن المؤمنين خافوا عليه وألزموه ألا يظهر على الساحة. تدخل كاتب المدينة وتحدث معهم وهدَّأ من توتُّرهم وصرف المحفل، طالبًا الالتجاء إلى القضاء في محفلٍ رسمي إن كان لأحد شكوى، بدلاً من الشغب. رغم هذه الثورة كان عدد المسيحيين في تزايدٍ مستمر. بعدما انتهى الشغب دعا الرسول بولس التلاميذ وودعهم وسافر مع القديس لوقا إلى مقدونية ثم توجه إلى اليونان حيث قضى ثلاثة أشهر. ومن هناك توجه إلى ترواس... تحدث في المساء مع جمهور المؤمنين في العُلِّية، وكان شاب يدعى أَفْتيخوس يجلس على قاعدة النافذة، تثقَّل بالنوم جدًا وبالتدريج مال وسقط من الدور الثالث. صرخ الكثيرون إذ أنه مات. نزل الرسول بولس وانحنى نحوه وقال لهم: "لا تضطربوا، إنه حيّ" فأمسك به وأقامه. قدموا خبزًا للفتى فأكل، وتكلم الرسول بولس حتى الفجر ثم خرج. في الصباح أبحر الرسول متجهًا إلى فلسطين. في قيصرية جاء نبي اسمه أغابوس، أمسك بمنطقة الرسول بولس وربط يديْ نفسه ورجليه، وتنبأ بأن صاحب المنطقة سيربطه اليهود ويسلمونه إلى الأمم. طلب المسيحيون من الرسول ألا يصعد إلى أورشليم، لأن حياتُه في خطر. فقال لهم: "إني مستعد أن أموت لأجل يسوع المسيح". صعد الرسول من قيصرية أورشليم، وفي اليوم السادس رآه بعض اليهود القادمين من آسيا، فأمسكوا به وأثاروا الجمهور ضده. جرُّوه خارج الهيكل وحاولوا قتله لولا تدخل الجند الرُّومان. طلب الرسول من القائد أن يسمح له أن يتحدث مع الجموع. أخبرهم كيف كان غيورًا مثلهم وكان يضطهد أتباع المسيح، لكن ظهر له السيد المسيح في الطريق إلى دمشق، ودعاه للخدمة وسط الأمم. لم تصدقه الجماهير، بل كانت تصرخ: "أقتله أقتله ينبغي ألا يعيش". قبض عليه الرومان ووضعوه تحت التحفظ خشية قتله. نذر أربعون يهوديًا أنهم لن يأكلوا ولن يشربوا حتى يُقتل الرسول بولس. خططوا أن يختفوا بجوار الطريق الذي سيعبر فيه فيقتلوه. لكن ابن أخت الرسول بولس سمع عن الخطة وأبلغ خاله، الذي أرسله إلى القائد. شكر القائد ابن أخت الرسول وطلب منه ألا يُخبر أحدًا. كان الرسول روماني الجنسية لهذا لم يكن ممكنًا أن يُسجن بدون محاكمة. وكان يَلزَم إخراجه من أورشليم في أمان، لهذا قرَّر القائد إرساله إلى الحاكم الروماني في قيصرية، وطلب أن تقوم في الساعة الثالثة من الليل قافلة قوامها 70 فارسًا و200 جنديًا لحراسته حتى يَذهبوا إلى فيلِكس الوالي. سمع فيلكس القضية، وقد أجَّل قرارُه. كان مقتنعًا أن الرسول لم يصنع شيئًا يستحق الإدانة، لكن لكي يرضِي اليهود أبقاه مسجونًا لمدة عامين. وصل حاكم جديد يُدعى فستوس، كان قد سمع عن قضية بولس الرسول، وأدرك الرسول أن الحَاكم الجديد أيضًا يريد إرضاء اليهود، لهذا رفع شكواه إلى قيصر في روما. بعد أيام جاء الملك أغريباس وأخته برنيكي إلى قيصرية ليسلِّما على فستوس. سمع الملك عن القديس بولس وطلب أن يستمع إليه. في الغد تكلم القديس بولس في دار الاستماع أمام أغريباس الملك وبرنيكي... تأثر الملك جدًا، وارتعب أمام الأسير بولس. قال له القديس بولس: "كنت أصلي إلى الله أن جميع الذين يسمعونني اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما عدا هذه القيود". قال أغريباس الملك لفستوس: "كان يُمكن أن يطلق هذا الإنسان لو لم يكن يرفع دعواه إلى قيصر". إلى روما عرف الرسول بولس أن الإبحار خَطَر فحذَّر القائد من الإبحار. لكنَّ القائد قرر أن يُبحر إلى ميناء أفضل في نهاية كِرِيت غير مُبالٍ بكلمات بولس الأسير. ما انطلقت السفينة حتى هاجت الأمواج، وكانت العَاصفة عنيفة للغاية، ففقد البحارة السيطرة على السفينة، وصاروا يَلقون كل الأمتعَة التي بها... استمرت حوالي أسبوعين، لم يأكل خلالها أَحَد، وفَقَدوا رجاءُهم في الخَلاص. تشَّجع الرسول بولس بالله ووقف يسندهُم، قائلاً: "لا تضطربوا لقد وعدني إلهي إنه لن تُفقد نفس واحدة حتى إن فقَدْنا السفينة كلها". بالليل لاحظوا أن البَر قريب، وإذ كانُوا يترقبون النهار، تحَدَّث معهم الرسول ثانيةً، قائلاً: "أطلب إليكم أن تأكلوا، فإنه لن يُفقَد أحدًا". وبدأ يأكل خبزًا ويشكر الله، عندئذ صار الكلُ يأكُلون. في النهار بَدأت السفينة تنكسر، وقفزَ الكُل في البحر وسبحوا، والذين لم يستطيعوا أمسكوا بألواح خشبية أو بقطع من السفينة حتى بلغوا البَرّ. وهكذا تحقق وعد الله للقديس بولس ولم يهلك أحد. أسرع سكان جزيرة مالطا إلى الشاطيء، وأوقدوا نارًا لكي يستدفيء طاقم السفينة وركابها. صار الرسول يجمع حطبًا ويلقيه في النار. خرجت أفعى ضخمة ولدغته في ذراعه. قال أحد الحاضرين: "حتمًا إنه يموت". قال آخر: "لابد أن هذا الأسير خاطيء، فإنه أُنقذ من الغرق لكن العدالة الإلهية اقْتَصَّتْ منه". أما القديس بولس فنفَض الوحش إلى النار، ولم يُبالِ بتعليقات الحاضرين ونَظراتهم بل جلسَ يستدفيء في هدوء وابتسامة، ولم يَمُت. قال الشعب: "كيف لم يصبُه سُم الحية؟ إنه إله!" بدأ الرسول يبشرهم بالسيد المسيح الذي يُخلص الخطاة، كما شفى والد بوبليوس رئيس الجزيرة الذي كان مصابًا بحمى ونزف دم، وشفى كثيرين باسم ربنا يسوع المسيح. بعد ثلاثة أشهر أبحر الكل إلى روما حيث سُمح له أن يُقيم في منزل تحت الحراسة. تعَجب العسكر إذ لم يروا قط سجينًا كهذا دائم الفرح، يهتَم بهم وبالزائرين، يُسبح ويُرتل ويُصلي ولا يشكو قط، يَبعث رسائل. التقى الرسول بعبدٍ يُدعى أنسيموس سرقَ مالاً من سيده فليمون وهرب. تحدَّث معه فآمن بالسيد المسيح وصارا كارزًا بالإنجيل. كتب القديس بولس رسالة إلى فليمون يطلب منه الصفح عنه كأخ له، وقد أوضح له أن أنسيموس صار نافعًا في الخدمة، هو ابن بولس في القيود ونَظيرُه وأحشَاؤه. بقى الرسول في روما سنتين، وأخيرًا أحضره الإمبراطور الذي أمر بقتله بالسيف، فاستشهد وهو متهلل، لأنه يلتقي بالسيد المسيح الذي خدمه بأمانة وقد اشتهى أن يراه. |
|