رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ميلاد سيِّدتِنا مَريَم البتول في الترتيب اللاتيني الأخ نوهرا صفير الكرمَلي إنَّكِ سعيدة يا مَريَم البتول القدِّيسَة، ومُستحِقَّة كلَّ مَدح؛ لأنَّهُ أشرَقَ منكِ شمسُ البرّ، المَسيحُ إلهُنا. هللويَا. مقدِّمة تفتتحُ الكنيسَة اللاَّتينيَّة ليتورجيَّتهَا بآيَة الدخول التي تعلن فيه هذا النَّهَار المقدَّس على أنَّهُ بدءُ خلاصِنا، مصدَرَ سَلامٍ أوفرَ لنا قائِلة: لِنحتفِل متهَلِّلين بميلادِ القدِّيسَة مَريَم البَتول، إذ ظهَرَ مِنها شمسُ البرّ، المسيحُ إلهُنا. إنَّ الكنيسة الجَامِعَة المقدَّسَة لم تعيِّد لميلاد أحد من القديسين سِوى ثلاثة وهم: السيِّد المَسيح ( 25 كانون الأوَّل - إحتفال )، القدِّيسَة مريَم البَتول والدة الإله ( 8 أيلول - عيد ) والسابق يوحنا المعمدان ( 24 حزيران - إحتفال ) لأنَّ في ولادتهم تدخل مباشر من قبل الله من خلال ملائكته. والكنيسَة اللاتينيَّة تدخلنا في ليتورجيَّة القراءات إذ تعطينا أهميَّة المعاني السامية والعميقة لهذا اليوم المقدَّس الذي فيه تدعو الكنيسَة لأن نعيِّد لولادة البتول القدِّيسَة مريم بالفرح والحبور مردِّدينَ مزمور القراءات ( المزمور 12 ): إنّي أسَرُّ سروراً في الرَّبّ، وابتهَجَ قلبي بخلاصِكَ، لأرنِّمَنَّ للرَّبّ، لأنَّهُ كافأني. لمحَة عن ولادة البتول القدِّيسَة: كان يعيش في مدينة الناصرة زوجان هما يواكيم وحنة، فيواكيم نشأ من سبط يهوذا من نسل الملك والنبي داود، فأبوه هو فاربافير من سلالة ناثان بن داود، وأما حنة فهي إبنة الكاهن متان من قبيلة هارون وكان لها أختان هما مريم وصوفيا، وقد تزوجت مريم في بيت لحم وولدت صالومي، وتزوجت صوفيا في بيت لحم أيضاً وولدت أليصابات أم النبي يوحنا المعمدان سابق الرَّبّ، وتزوجت أختهما حنة وولدت مريم العذراء أم يسوع المسيح ربِّنا في الناصرة، وبناءً على نقاوة سيرة هذين الزوجين يواكيم وحنة وقداستهما وإحسانهما استحقا أن يكونا أبوي والدة الإله مريم العذراء الكليَّة القداسَة التي هي أقدس من جميع القدِّيسين وأطهر من الشاروبيم، فقد كانا بارين أمام الله نقيي القلب محافظين على وصاياه وقد اشتهرا عند الجميع بتواضعهما كثيراً وقد مضى على زواجهما خمسون سنة فطعنا كلاهما في شيخوخة مسنة ولم يرزقا نسلاً، فبرح بهما الحزن حتى استأصل منهما الرجاء بأن يكونا من أجداد المسيح الموعود به، ثم اشتدت وطأته عليهما بسبب احتقار مواطنيهما وإهاناتهم لهما حسب عادة ذلك الزمان، لأن العاقرين في نظرهم هما خاطئين أمام الرب فلم يرزقهما نسلاً، وعارين على أمتهما. حياتهما كانت طافحة بالمحبة لله والشفقة على القريب، فكانا يفرزان كل سنة ثلثي دخلهما ويقدمان الثلث إلى هيكل الرب ويوزعان الآخر على الفقراء، وأما الثالث فيبقيانه لحاجاتهما، وكانا سعيدين في حياتهما هذه، إلا أن العقر كان يفعم قلبيهما يأساً وحزناً وبؤساً، لأن ذرية داود كانت قد أعطيت رجاءً لأن تكون وسائل خلاص الجنس البشري بميلاد ماسيا المخلص الموعود به منها. لقد كابدا من عار العقر مدة حياتهما الزوجية الطويلة، وكان ليواكيم الحق بموجب الشريعة الفريسية أن يقاضي حنة بالطلاق بسبب عقرها، إلا انه وهو الرجل الصدّيق قد أحب امرأته حنة واحترمها لأجل وداعتها الفائقة وفضائلها ولم يرد أن يفارقها، فعانيا كلاهما ثقل الامتحان باكتئاب قلب تنزه عن التذمر واستمرا يعيشان في الصوم والصلاة والإحسان ويشدد احدهما الآخر بمحبة متبادلة، والأمل بأن الله قادر أن يرحم عباده مالئ قلبيهما. ومن عادتهما أن يزورا أورشليم في الأعياد العظيمة، ففي عيد تجديد الهيكل جاء يواكيم مع بعض مواطنيه ليقدم فيه قرابينه فرفضها رئيس الكهنة ايساخر قائلاً له:
وقال له رجل من سبط راؤبين:
فثقل على يواكيم أن يسمع هذه الملامات وخجل ولم يرجع إلى بيته بل هام على وجهه إلى البرية مغتماً جداً وانصرف إلى رعاية قطيع غنمه وهو يبكي العقم والعار، هناك بكى الشيخ البار وصام وصلى أربعين يوماً رافعاً اكتئابه بدموع الاستعطاف والدعاء إلى الله ليرفع عنه العار، ويمنحه ولداً في شيخوخته وطالباً منه الرحمة الإلهية والعزاء الذي ناله صفيه إبراهيم وقال:
وفي الوقت ذاته عرفت حنة بإهانة زوجها وبأنه قد هجرها إلى البرية، فسالت دموع عينها سخية ومضت إلى البستان إخفاءً لحزنها عن أهل البيت، وبينما كانت جالسة تبكي تحت شجرة الغار وتصلي بإيمان لا يتزعزع ليجعل الرب القادر على كل شيء غير الممكن ممكناً، وإذ رفعت عينيها في ذلك الحين إلى السماء، وشاهدت من بين أغصان الغار عشاً لأفراخ العصافير عارية، فزادت دموعها غزارة وعظمت صلاة التشكي في قلبها فهتفت قائلة:
فظهر أمامها فجأة ملاك الرب وقال لها:
فسجدت حنة للرب وهتفت وهي ممتلئة فرحاً تقوياً:
وأمَرَ الملاك حنة بأن تذهب إلى أورشليم بعد أن تنبأ لها بأنها ستلتقي بزوجها عند الباب الذهبي، فأسرعت وهي تلفظ هذا النذر إلى أورشليم لتحمد العلي وتشكره في الهيكل على رحمته الإلهية. وفي الوقت ذاته ظهر الملاك ليواكيم الصدّيق وهو واقف في البرية يصلي وقال له:
فلما التقيا قدما معاً قربان حمد في الهيكل، وعادا إلى بيتهما وإيمانهما وطيد بأنهما سينالان ما وعدهما به الرب فحملت حنة في اليوم التاسع من كانون الأول وولدت في اليوم الثامن من أيلول مريم الفائقة النقاوة والبركات بدء خلاصنا وشفيعتنا التي فرحت بميلادها السماء والأرض، وقدم يواكيم إلى الله تقادم عظيمة وقرابين وضحايا، ونال بركة رئيس الكهنة والكهنة واللاويين والشعب، وهيأ وليمة حضروها وباركوا الله مبتهجين. لم ترد في الإنجيل المقدَّس رواية ميلاد العذراء مريم، وإنما حُفظت عنه كتابات مسطرة في مؤلفات القديس ابيفانيوس أسقف قبرص، ومؤلفات المغبوط إيرونيموس وغيرُهم مِن القدِّيسينْ الذين كانت لمريم العذراء المكانة الكبرى في حَيَاتهم المكرَّسَة. تاريخية عيد ميلاد البتول القدِّيسَة: تعود تاريخيَّة هذا العيد إلى إيمان المؤمنين وتكريمهم لولادة أمّ الله القدِّيسَة إذ نجد تكريم ميلاد البتول في التقويم الكنسي للكنيسة الأولى في 8 أيلول وهو التاريخ الذي تحتفل به كنيستنا الجامعة المقدَّسَة اليَوم. وهذا يدل على أنه كان موجودا قبل انعقاد المَجمَع المسكوني الرابع. إذ كانت الكنيسة المسيحية في أورشليم تعيده منذ القدم ، ففي القرن الرابع الميلادي شيَّدت القديسة هيلانة كنيسة على شرف ميلاد العذراء القدِّيسَة وسمِّيَت: " كنيسة القديسة مريم حيث ولدت ". إذ انتشَرَ هذا العيد وعمِّمَ في القرن الخامس الميلادي ووضِعَت لهُ الصلوات والتراتيل الليتورجيَّة والعظات الخاصَّة بهذا اليوم المقدَّس. ويرجح بعض العلماء أن القديس رومانوس الحمصي أيضاً قد ألف خدمة العيد ومن المحتمل أيضا انه أدخله إلى كنيسة روما قبل البابا سرجيوس الأول الذي كان يونانيا من جنوب إيطاليا ( صقلية ) والقديس يوحنا الدمشقي ويوسف الستوذيتي ألفوا ترانيم وصلوات لا تزال الكنيسة تمجد بها العذراء مريم واقام له البابا انوشنسيوس الرابع خدمة له لثمانية أيام، كما أقام له القديس غريغوريوس الحادي عشر تقدمة أو بارامونا في القرن الرابع عشر كمَا وأنَّنا نجد في الكنيسَة البيزنطيَّة طروبارية الميلاد تحمِلُ أجمَلَ المَعَاني الخاصة بهذا اليَوم إذ تقول: ميلادكِ يا والدة الإله العذراء قد بشر بالفرح كل المسكونة، لأن شمس الحق المسيح إلهنا قد أشرق منكِ، فنقض اللعنة ومنح البركة وأبطل الموت، ووهبنا الحياة الأبدية. إن يواكيم وحنة من عار العقر أطلقا، وآدم وحواء من فساد الموت أعتقا بمولدك المقدس يا طاهرة فله أيضاً يعيّد شعبكِ إذ قد تخلص من خصومة الزلات صارخاً نحوكِ: العاقر تلد والدة الإله مغذية حياتنا. كمَا وأنَّ كنيسَتنا اللاتينيَّة أغنت هذا النهَار بليتورجيَّة خاصَّة وأعطتهُ طابعاً مريمياً كصلاة الجمَاعَة، الصلاة على القرابين، المقدِّمَة الخاصة بمريم العذراء... نذكر هنا صلاة الجَمَاعَة التي تردِّدُهَا الكنيسَة مَعَ المؤمنين في هذا اليوم المقدَّس إذ تقول: نسألكَ، أيُّهَا الرَّبّ الإله، أن تُمِدَّنا نحنُ عبيدُكَ بهبَةِ النِّعمَة السَّمَاويَّة + فيَكونَ ميلادُ البَتول القدِّيسَة، وهو بَدءُ خلاصِنا، مَصدَرَ سَلامٍ أوفر لنا. بربِّنا يسوع المسيح الإله الحيّ المَالِك إلى دهر الدّهور. آمين. لا يستند هذا العيد إلى الكتاب المقدس إنما إلى مؤلفات القديس أبيفانوس القبرصي والقديس إيرونيموس وغيرهما من القدِّيسين الذين تكرِّمهم كنيستنا والذين نقلوا إلينا رواية ميلاد والدة الإله، لكن التقليد الكنسي حافظ على المعلومات التي تساعد في كشف الحقيقة الكتابية والعقائدية. وهي أن مريم والِدة الإله هي من نسل داود وأنها أيضا حظيت بولادة عجائبية إذ حلت والدتها من العقر فأنجبت العذراء المختارة التي ستقدم الطبيعة البشرية لكلمة الله. الإطار الليتورجي: إنَّ الكنيسَة اللاتينيَّة من خلال قراءاتِهَا الليتورجيَّة لهَذا النَّهَار تتوقَّف على نسب يَسوع لِتعلن مع متَّى الإنجيليّ، إيمَانهَا بأنَّ يَسوع هو المَسيح الرَّبّ، وأنَّهُ ابنُ الإنسان، مرتبط بالأجيَال السَابقة، وبالأجيَال اللاحِقة، كمَا يَقول لنا القدِّيس بولس في مطلع رسَالتِهِ إلى كنيسَة روما (1: 10 ?13). يسَ في العهد الجديد جدول نسَب إلاَّ لشخص واحِد هو الرَّبّ يَسوع. وهذا النسَب مذكور في إنجيل القدِّيس متَّى ولوقا. وفرادة متَّى تتجلّى في نهَايَة السلالة، فيَقول: " يَعقوب ولدَ يوسف رجل مَريَم التي وَلدَت يَسوع..." هنا تتوقَّف السلالة فجأة ونفهَم أنَّ يوسف ليسَ الوالِد الطبيعي ليَسوع، إنَّمَا الشرعيّ. إنَّ الإنجيليّ متى، يَعرض علينا قراءة صحيحة للتاريخ، ولكن ليسَ بمعناه الحَدثيّ ولكن في أبعَادِهِ كلِّهَا. فهو يَسعى إلى أن يعرض علينا مسيرة تاريخيَّة واقعيَّة كمَا يَفهَمُهَا إنسان يؤمِن بأنَّ التاريخ الحقيقيّ هو الحوار ما بين الله والإنسَان في علاقة حرَّة. الفصل الأوَّل في إنجيل متى يُظهِر لنا يَسوع بمظهَر الإله الإنسَان، وهو يُقسم إلى قسمين: الأوَّل يدلّ على أنَّ يَسوع المنتظر هو من نسلِنا، والثاني يوضِح أنَّهُ حُبِلَ بهِ من الروح القدس، وقد أدخلهُ يوسُف في سيَاق تاريخِنا بعدَمَا أطلقَ عليهِ الإسِم، وأعطاهُ كذلِكَ كيَانهُ الإجتماعيّ. إنطلاقاً من أهميَّة الموضوع، تظهر كنيسَتنا اللاتينيَّة الرومانيَّة أهميَّة ليتورجيَّة هذا العيد وقد اختارت هذا النص من إنجيل متى لتدخِلنا في عمق سرّ المَسيح، أي في فهم شخص يسوع الذي هو إبن الله باللاَّهوت وابن البَشَر بالناسوت، أي أنَّهُ يَنتمي إلى العَائِلة البَشريَّة إنتِماءً كامِلاً. القراءات الثلاث لهَذا العيد تدور حول نقطة أساسيَّة؛ مخلِّص إسرائيل الموعود بهِ، سوف يأتي وسيكون هو الملك المنتظر والمولود من مريَم العَذراء القدِّيسَة. ممَّا يَعني أوَّلاً، أنَّهُ المنتظر الذي يمثِّل كلّ الأمَم، وثانياً، أنَّهُ سَيَحكُم بالعَدل لأنَّ بهِ تمَّت كلّ المَواعيد والنبوءات. روحَانيَّة عيد ميلاد البتول القدِّيسَة: إن ذكرى القديسين مجيدة، لكن لا شيء يعادل مجد احتفال اليوم كمَا يقول القدِّيس بروكلّس رئيس أساقفة القسطنطينية. تكريم العذراء القدِّيسَة هو من صميم الروحانيَّة الغربيَّة لأنَّهُ يعبِّر عن الهدَف الذي يتوقُ إليه كلّ مسيحيّ. فتكريمهَا في مختلف طرقِهِ وعبَاراتِهِ، هو دائِماً التسبيحُ الذي يَرفعُهُ المؤمن لله الذي يَعمَل العَظائِم. لقد كانت مَريَم قائِدَتنا إلى القداسَة، إذ أصبَحَت والِدة الإله وأمُّنا أجمَعين. إنَّ يوم ميلاد البتول القدِّيسَة هو يوم البَهجَة والسرور لكلّ الجنس البشري لأنها هي التي ولدت المسيح الإله مخلص العالم وفادي الإنسَان. بميلاد والِدة الإله مريم الدائِمَة البتوليَّة قد انحلَّ عقر يواكيم وحنة وأيضا انحل عقر طبيعتنا باعتبارهما شأنا واحد، بميلاد الطوبَاويَّة مريم نجونا من الموت وبها تألهنا. إنَّ ابتهَاجَنا وسرورنا بميلاد البتول القدِّيسَة مريم هو ابتهاجٌ وسرورٌ بالمسيح الإله. لذا تحيا الخليقة إذا أصبحت مكانا للمسيح على مثال سكنى الرب يسوع في أحشاء مريم .إذ تبقى رسالة مريم العذراء هي أن تنمي فينا محبة يسوع المسيح ربِّنا. وعليه لنصرخ مَعَ القدِّيس بروكلّس رئيس أساقفة القسطنطينية إلى القديسة العذراء مريم قائلين: مباركة انتِ في النساء أنت وحدك شفيت أحزان حواء. أنت وحدك مَسَحتِ دموع الباكية. أنت وحدكِ حملت ثمن فداء العالم، وأخذتِ الكنز الذي لا يُثمَّن لتحفظيه. وحدك حبلتِ بلا رغبة، وولدتِ بلا ألم، وحدك ولدت عمانوئيل كما شاء هو. فمباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك. خاتِمَة: نرى في ميلاد العذراء القديسَة الدائِمَة البَتوليَّة، مثالاً لانفِتاح العينين والأذنين والقلب على أنوار الروح وكلِمَاتِهِ، ومَواهِبِهِ. لذلِكَ كانت "الممتلِئة نعمَة" و"الرَّبُّ مَعَهَا" و"المبَارَكَة بينَ النِّسَاء". لقد بدأت العنصَرَة بهَا، في البشارَة، وفاضت عليهَا في العليَّة فأصبَحَت بدورهَا، في قلب الكنيسَة، وفي قلب حَيَاتِنا، "كرسيّ الحِكمَة" و "بابَ السَّمَاء" و "سلطانة الأنبيَاء". وَمَن كانَ لهُ أن يُصبحَ هيكلاً للروح، أصبَحَ هو بدورهِ، على مثالِهَا. |
|