منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 23 - 09 - 2014, 03:27 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,942

قراءة في حياة

القديس أنطونيوس الكبير(2)
التمييز الروحي



مقدمة

عرضنا في المحاضرة الأولى مراحل حياة أنطونيوس الأربع:
الابتداء (تنسكه بجوار منزله), التعمق (اعتزاله في
قبر), النمو وهبة الأبوة الروحية (ذهابه إلى قلعة
قديمة في الصحراء) وأخيرا الانطلاق إلى أبعد (الصحراء
الداخلية) والرسالة: "دحض بدع الهراطقة". وقد لاحظنا
ما رافق تلك المراحل من صراع في معركته ضد قوى الشر
جعله ينمو شيئا فشيئا في ما نود أن نسميه التمييز
الروحي وهو موضوع بحثنا في هذا المساء .






أولا ما معنى كلمة تمييز؟

بحسب المنجد في اللغة العربية المعاصرة:


مَيَّزَ: عرف الفرق بين شيئين مختلفين, فاضل بين شيئين
وفرَّق بينهما, أقام وزنا صحيحا:


"ميز بين الخير والشر", " ميز بين الضار والنافع"


تمييز: مقدرة على المقابلة وحسن الاختيار بين شيئين
مختلفين بحسب كتاب الرياضات الروحية للقديس أغناطيوس
دي لويولا، يتضمن التمييز عنصرين:


التمييز الروحي: حيث يختبر الإنسان تأثرات روحية
كالانبساط والانقباض وحالات نفسية كالأفكار والمشاعر
والرغبات والميول... فيعي ما يحياه هكذا.


تمييز الأرواح: حيث يتساءل ما هي أسبابها ومصدرها: هل
هي "تصدر عن مجرد حريتي وإرادتي"؟ أم هي "تأتي من
الخارج", أي من الروح الصالح أو الشرير؟ أم من الله
نفسه "بدون سبب سابق"؟.


نود أولا أن نعرض "تكتيك الشيطان".ثم نعرض ثانية قراءة
أنثروبولوجية (علم الإنسان) للتجارب وذلك أخيرا في
سبيل الوصول إلى خاتمة.



تكتيك الشيطان

1 - الأفكار الرديئة و القبيحة

إنها تجارب المبتدئ, وقد رأينا كيف أن الشيطان حاول
إقصاء أنطونيوس في بداية مسيرته عن مقصده بتذكيره
بأملاكه وبوضعه الاجتماعي السابق وأنه قد أخطأ في تركه
أخته. كما ذكّره أيضا بملذات الجسد وبصعوبة الطريق
الذي ينوي المضي فيه قدما. نلاحظ أن بعض هذه الأفكار
هي, ظاهريا, جيدة ولكنها لا تخلو من الفخاخ.


يركّز أنطونيوس هنا على المثابرة والصلاة المتواترة
بدون النظر إلى الوراء، وهو لا يندم على اختياره. في
إرشاده لتلاميذه ينصح "أبو الرهبان" ببدء كل يوم و
كأننا دائما في البداية. في نظره يجب العمل بمشيئة
الله كل يوم, كما لو كنا نباشر العمل كل يوم, ويجب
علينا أن نصلي لننال عطية التمييز,لنكتشف حيل الشيطان.

17
- يا أولادي, يجب علينا ألا نفقد حماستنا ظانين أننا
عتقنا في النسك, أو أننا حققنا شيئاً عظيماً.

18
- فكما لا يجرؤ العبد على القول: إنني اشتغلت في الأمس
فلن أشتغل اليوم, بل انه لا يتوقف عن العمل (...),
هكذا فلنثبت في نسكنا كل يوم.

19
- لننصرف إلى حياة النسك من دون تهامل لأن الرب يتداءب
معنا . 20: بما أننا ابتدأنا بالسير ووطئنا الآن طريق
الفضيلة, فلنزدد جهاداً لنتقدم إلى الأمام, فلا يرجع
أحد منا رأسه إلى الخلف كامرأة لوط."



2 - الرؤى الوهمية و التخيلات أو خداع الحواس

حين كُشفت لأنطونيوس حيل إبليس الذي قاومه بالأفكار,
لم ييأس عدو الخير، بل هاجم الناسك بطريقة أخرى. يتحدث
أنطونيوس عن التجربة التي تحمل الرغبة في الملذات
الدنسة والرؤيات والصور الرهيبة, كالتي هاجمته في
القبر. ولا يحتاج المتروض إلى الخوف منها, لأنه يستطيع
أن يطردها برسم إشارة الصليب وتجديد إيمانه بالله.
وهناك خطة يحاول الشيطان أن يستخدمها, وهي زعمه أن
يتنبأ بالمستقبل. هنا الإيمان ورجاء التوبة يهزمان
العدو. وبعد أن تفشل الشياطين في تلك المحاولات كلها
يستنجدون برئيسهم(23) وهو يحاول أن يلقي الخوف في
الذهن. لكن أنطونيوس يؤكد أن الشيطان ليس له, في
الواقع, أي قدرة على تحقيق تهديداته. فعلينا أن نحتقره
لأن جميع أعماله قضى عليها المسيح بنعمته. يؤكد
أنطونيوس أن مزاعم الشياطين كاذبة فيما يختص بالتنبؤ.
فيقول إن التنبؤ هو عطية من الله, يهبها لمن يريد.

22
- ينبغي أن نعرف أولا أن الشياطين لم يُخلقوا شياطين,
لأنهم يحملون هذا الاسم, فالله لم يخلق أي شر.

خلقهم
الله صالحين, لكنهم سقطوا وابتعدوا عن الحكمة الإلهية,
فأخذوا يدبون في الأرض. والآن هم يحاولون خداعنا, إذ
يحسدون المسيحيين.إنهم يريدون أن يعيقونا عن الارتفاع
إلى السماوات, لكي لا نرتفع إلى المكان الذي سقطوا
منه. (...) وهكذا نحتاج إلى الصلاة الكثيرة والنسك,
لكي نحصل من الروح القدس على موهبة تمييز الأرواح,
وعلى معرفة خصائصها: أي روح أقل شراً وأي روح أكثر
شراً؟ ما هو سعي كل واحد منها؟ وكيف يطرد ويهزم؟ (...)
يجب على كل واحد منا أن يصلح الأخر وفقا لخبرته مع
الشياطين".



3. ملائكة نور

أخيرا, كلما تقدمت النفس, تأخذ الشياطين شكل أشخاص
أتقياء و كأنها ملائكة. في أحد الأيام, وقد كان
أنطونيوس صائما, أتى إليه المخادع في شكل راهب حاملا
إليه خبزا وهميا :

40
- (...) وكنت مرة أخرى صائما فأتى إلي ذلك المخادع
كراهب يحمل في يديه خبزا خياليا ونصحني قائلا: كل وكف
عن العذابات الكثيرة, أنت إنسان وسوف تمرض. لكنني
أدركت حيلته, ولذلك نهضت للصلاة." أو على العكس من
ذلك, فقد يشجع المخادع على أصوام وصلوات مبالغ فيها,
هدفها خوار قوى المتروض وإحباط عزيمته. ومن الممكن
أيضا أن يقول أشياء صحيحة وكذلك, كملاك نور, إسداء
النصح بهدف إبعاد من انتهج طريق الفضيلة عن الطريق
الصحيح. يبين لنا القديس أغناطيوس في قواعد الأسبوع
الثاني رقم 332 المقصود بهذه التجارب:


"من شأن الملاك الشرير - وهو يتحول إلى ملاك نور - أن
يسير في جهة النفس الأمينة, وأن يأتي بها أخيراً إلى
جهته,أي أن يعرض أفكارا صالحة و مقدسة تنسجم مع النفس
الصالحة هذه,ثم يحاول شيئاً فشيئاً أن يبلغها غايته,
جاذبا إياها إلى خدعه المستورة و نياته الفاسقة".


يحدد أنطونيوس هنا معيارا في منتهى الأهمية للتمييز :

35
- من السهل تمييز مظاهر الأرواح الشريرة من الأرواح
الصالحة, لأن الرب يعطينا قوة هذا التمييز. ما ظهور
الأرواح الصالحة مرعبا, لأنها لا تجد في ظهورها من
تتصارع معه ومن يصرخ يسمع صوتها. ظهور هذه الأرواح
هادئ وصامت, ويخلق فرحاً في النفس وشجاعة. فالرب معها
وهو فرحنا و هو قوة الله الأب. أما الأفكار التي
تخلقها هذه الظهورات فتبقي النفس غير متزعزعة إلى أن
تنيرها من هذا الفرح. 36. أما هجوم الأرواح الشريرة و
ظهورها الخيالي فيرافقه جلبة وضربات وأصوات وصراخ
ويسيطر على النفس الرعب والاضطراب وتشويش الفكر والحزن
وفوق ذلك رغبة في الشر وكسل في اكتساب الفضيلة (...)
فلنعرف أن هذا هجوم أرواح شريرة".


نلاحظ هنا كيف أن تعليم أنطونيوس يطابق قواعد إغناطيوس
في التمييز في ما يتعلق بالأرواح الصالحة و الأرواح
الشريرة ( القاعدة السابعة 335)

"
إن الذين يسيرون من حسن إلى أحسن, يمس الملاك الصالح
أنفسهم بلطف وخفة وعذوبة, كنقطة الماء التي تتشربها
الإسفنجة. وأما الملاك الشرير, فإنه يمسها بحدة و ضجيج
واضطراب, كنقطة الماء التي تقع على الحجر."


تأتي هنا أهمية دور الشيخ القديم أو ما نطلق عليه
اليوم " المرافق الروحي" فهو يساعد المتروض على تمييز
الأرواح. إن القول 38 من أقوال أنطونيوس يبرز لنا دور
هذا المرافق:

38
- و قال أيضا: "على الراهب أن يطلع الشيوخ - قدر
الإمكان- على عدد الخطوات التي يخطوها و قطرات الماء
التي يشربها في قلايته ليتأكد أنه على صواب"


هذا القول يُظهر أهمية الانفتاح على المرافق الروحي,
وفي ذلك ضمان للمتروض حتى يساعده من هو متمرس في سير
أفكاره وما يعيشه على مستوى الانبساط والانقباض, وبهذا
يكتشف أسباب تلك المشاعر التي يمر بها ومصدرها. كلما
انفتحت لمرافقي الروحي أكتشف معه إرادة الله في حياتي
وازددت تمييزا لما هو من الروح الصالح وما هو من الروح
الشرير. هذا يُظهر ضرورة الثقة المتبادلة بين المرتاض
والمرافق. كذلك, للوصول إلى مساعدة مفيدة, يطلب
المرافق من المرتاض التعبير الصادق والوفي عما يتم في
التأمل وخارجه, وعلى المرافق أن يصغي إليه بقلب رحب.
ولذلك لابد من قبول مبدئي متبادل على أساس إيماني, حيث
يرى المرتاض في المرافق الشخص المختار من الله
لمساعدته. مما يتطلب لدى المرافق روح الصلاة والتواضع
والتجرد من روح كل امتلاك لينقاد فقط بالروح القدس
بعيدا عن انفعالاته الشخصية أو أفكاره المسبقة. على
هذا الأساس يقدر المرافق أن يساعد المرتاض للوصول إلى
الوعي بما يريده الله منه. وموقفه هنا موقف صديق
العريس كما وصفه القديس يوحنا المعمدان.

إن
أنطونيوس, وقد اختبر في مراحله الأربع تكتيك العدو,
أصبح مُمَيّزاً بارعا لحيله وعليه فهو ينقل لنا هذه
الخبرة حتى نعي كيف نتسلح ضد قوى الشر ونتقوى بالرب
طالما نقوم بما يجب علينا أن نفعله (راجع ليترجيا
الطقس اللاتيني لهذا اليوم أفسس 6/ 10-20, لوقا 13/
31-35).


رغم أن هناك سبعة عشر قرنا تفصلنا عن أنطونيوس ما زال
تعليمه يكلمنا في عالمنا اليوم. إنه لا ينكر ما للخوف
من دور في حياة الإنسان فقد مر به. انه في نقله لخبرته
يسترجع ما عاشه واختبر وهو ما نطلق عليه حسب المصطلح
الإغناطي "مراجعة الحياة", فتدوين "يوميات" يساعدنا في
إعادة قراءة حياتنا حتى نشكر الرب على ما عشنا ونطلب
نعمته لنتقدم نحو الأفضل.

55
- أخيرا إليكم الملاحظة التالية من أجل أمانكم الروحي,
وهي أن يكتب كل واحد منكم أعماله ورغبات نفسه و كأنه
سيعلنها للآخرين. تأكدوا بأننا سنخجل من أن تكون
أعمالنا مشاعة".

إن
علم النفس يشدد كثيراً في أيامنا على أهمية المخيلة
والكتابة للشعور على وجه أفضل بما يجري في الشخص.
أهمية "اليوميات" إذن هي أنها مرآة لضميرنا, إنها
تساعدنا على فهم حالاتنا النفسية ومشاعرنا وما يعترينا
من ميول ورغبات. عندما أسجل أستطيع أن أجد بعض الأجوبة
لتساؤلاتي أو أقله تتوفر لي مادة أشارك بها مرافقي
الروحي الذي معه أميز لا بين خير وشر، بل بين ما هو
حسن وأحسن فأختار دائما الأفضل و الأسمى.

إن
التمييز فرز وفصل وغربلة, ولنا في مثل الزؤان (متى 13/
24-30, 36-43) وشرح يسوع له تعليم يساعدنا على أن نفهم
ونزداد تمييزا لما هو من الله وما هو من الشرير.
لكننا, ربما لا نفهم, كالتلاميذ, من المرة الأولى,
فنحتاج إلى شرح. يساعدنا يسوع على أن نفصل ونفرز بين
ما هو من الله وما هو من الشرير. إن يسوع يشرح لأن
التلاميذ قد طلبوا منه تفسيرا هو دائما مستعد, إن
أردنا لأن نتتلمذ له، أن يشرح لنا الكتب فنميز, نحن
أيضا, بين ما هو من الله بين ما هو من الشرير. التمييز
تشخيص وتحقيق أيضا, فكما يشخّص الطبيب مرضاً ويتحقق
منه, كذلك يبحث الإنسان فيكتشف أين هو الداء في سبيل
إيجاد الدواء. فالمرافق يساعد المتروض في إيجاد الداء
وعلى الأخير بمعونة الرب البحث عن الدواء والجد في
طلبه. فالتمييز بحسب التقليد المسيحي هو اختيار لنور
المسيح ورفض لظلام الشرير في عملية تشخيص النور
والظلمة والفرز بينهما. إن اختياراتنا لا تكون حقيقية
إلا باصطدامها بأرض الواقع فهي المحك الحقيقي الذي
يعطي صلابة وقوة للاختيار.



قراءة أنثروبولوجية للتجارب

على مثال يسوع الذي جُرِّب, فقد جَرَّبَ الشرير
أنطونيوس ونحن معه التجارب الثلاث: "تجربة الخبز", و"
تجربة المجد الباطل", و" تجربة السجود للشيطان".


رأينا أن أنطونيوس قد جرّبه الشرير في بداية نسكه
بالطعام والمال والجنس وهذه كلها تتماشى مع تجربة يسوع
الأولى, فالخبز يرمز إلى غريزة الامتلاك (Avoir), إذ
إن الخبز رمز لكل ما هو مادي. (كيف أن الشعب العبراني
كان يجمع المن والسلوى لا لحاجته اليومية فقط بل كضمان
للمستقبل).


جرب الشرير أنطونيوس بالمجد الباطل مثلما جرب يسوع
عندما حرضه على إلقاء نفسه إلى أسفل فيضطر الرب إلى أن
ينقذه. إنها ترمز إلى غريزة الشهرة والنجاح والمجد
الباطل (Valoir), ذلك بأن الرغبة في حمل الملائكة من
يلقي نفسه هي رغبة في الظهور و السمعة الطيبة و مديح
الناس.

56
- كان الرب يستجيب (لزائري أنطونيوس) من أجله. ولكن
أنطونيوس لم يفتخر إذا استجاب الرب لطلبه, ولم يتذمر
إذا لم يستجب له، بل كان يشكر الرب دائماً. (...)
والذين نالوا الشفاء تعلموا ألا يشكروا أنطونيوس وإنما
الرب"

هكذا لم يقع أنطونيوس في فخ المجد الباطل الذي يهدد
جميع البشر, بل أصبح مثالا لجميع المسيحيين, إقتداءً
بالمسيح الذي تحمل جميع ألوان الإهانات والاضطهادات.


وعلى مثال يسوع في التجربة الثالثة ُجِّرب أنطونيوس في
الكبرياء (56) فكان متواضعاً جداً:

58
- ما هذا العمل عملي (...) فالشفاء عمل المخلص الذي
يفعل رحمة في كل مكان"


فالتجربة الثالثة ترمز إلى غريزة التسلط على الآخرين
لإخضاعهم (Pouvoir).


فالغرائز الثلاث هذه يستخدمها الشرير ليجرب الإنسان في
علاقته بالأشياء, وأيضا بنفسه, وكذلك بالآخرين, فإنه
يعرض عليهم قيماً ثلاث يبنون ويعتمدون عليها في
حياتهم. وهنا نجد مادة للتمييز بين قيم الله وقيم
الشرير.

لا شك أن ما كتبه القديس أثناسيوس في "سيرة أنطونيوس"
لا يعني فقط حياة الراهب , بل يعني اختبار كل مسيحي,
أيّا كان.



خاتمة

لقد تعمق أنطونيوس في قراءته كلمة الرب فساعدته حتى
يفصل ويغربل بين ما هو من الله وما هو ليس منه. إن
موهبة التمييز التي اكتسبها هي النعمة التي طلبها, على
مثال سليمان, "هب عبدك قلبا فهما يميز بين الخير
والشر" ( ملوك 1/ 9). أثناسيوس يعرض لنا تمييز
أنطونيوس لا كفن نظري يجب درسه, بل كعطية من الروح
القدس لابد من ابتغائها بالصلاة وترويض النفس. إن
أنطونيوس ترك كلمة الله تلهمه وهي التي وهبته القوة
لمحاربة إبليس. لقد تعلم كيف عليه أن يتعلق بالواهب
أكثر من تعلقه بالهبة فلم يتركه الله في صراعه، بل
قاده في مسيرته. لا نستطيع أن نستفيد من هذه الخبرة إن
لم نطبق بدورنا, نحن أيضا, هذه الروحانية يوما بعد
يوم.

إن
التمييز يعني البحث عن الفروق ومن ثُمَّ الاختيار
واتخاذ القرارات. واختياراتنا هي استجابتنا لما تقدمه
الحياة لنا, وهي تعطي شكلا لحياتنا ويعكس هذا الشكل
نوعية القرارات التي اتخذناها. وتتفاوت هذه الاختيارات
في مدى جديتها, ومن البديهي أن يكون لبعضها ثقل أكبر
من الأخرى. وأهم هذه الاختيارات هي التي تعني لنا
الكثير لأنها تمثل فعلا اللحظات الحاسمة في حياتنا,
تلك اللحظات التي تضفي على حياتنا شكلا جديدا وتوجهها
اتجاها جديدا. ومن البديهي, أننا نحتاج إلى التمييز في
مثل هذه اللحظات الحاسمة, لكن التمييز, كما يقول
أوليفر-برج - أوليفييه,لا يقتصر على هذه اللحظات.
فالتمييز المسيحي يعني أن نحياه بحيث يصبغ جميع
قراراتنا واختياراتنا ويحكمها كوننا أولادا لله الأب
واخوة ليسوع وفي شركة الروح القدس.


ولكي نقوم بتمييز حقيقي, يلزمنا علاقة حية يومية مع
الله, فالتمييز ليس عملية آلية أو حسابية نطبق فيها
سلسلة من القواعد بدون أساس, والأساس, أكرر, هو
العلاقة الشخصية مع الله. صحيح أن التمييز المسيحي
يتبع منهاجا محددا وخاصة عندما يتعلق الأمر بقرارات
هامة ولكن هذا المنهاج لن يثمر إلا إذا استند على حياة
منفتحة للروح العامل فينا. لا بد من استخدام العقل
والقلب في عملية التمييز: "هبني قلبا فهما". هنا تأتي
أهمية الصلاة وفيها أقدم للرب اختياري حتى يثبته إن
كان موافقا لخدمته وتسبيحه الأعظم. إن غاية التمييز هو
الاختيار وأخذ قرار حر. أنبه أن الاختيار الأول في
التمييز المسيحي هو لله و أمام حضرة الله تأتي
الاختيارات الأخرى


رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القديس الأنبا أنطونيوس| أن يعطيكم الله روح التمييز
فضيلة الإفراز أو التمييز (διάκρισις) القديس أنبا أنطونيوس
القديس أنطونيوس الكبير
القديس أنطونيوس الكبير
لقاء القديس إيلاريون الكبير مع القديس أنطونيوس


الساعة الآن 11:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024