رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر الكهنوت – أب الإعتراف يبدأ القديس كيرلس الأورشليمي "عظاته التعليمية للموعوظين عن التوبة ومغفرة الخطايا" بوصف بسيط للخطية: [الخطية أمرٌ مخيف، وأكثر الأمراض وجعاً للنفس هو التعدِّي. إنه يُمزِّق أوصالها، وتصبح الخطية هي السبب في النار الأبدية، إنها اختيار الإنسان للشر بمحض رغبته، إنها ثمرة الإرادة الشريرة. وعن أننا نخطئ بمحض إرادتنا الحُرَّة يتكلَّم النبي بوضوح في الآيات التالية: «أنا (الله) قد غرستُكِ (شعب إسرائيل) أجود كرمة، وزرعتُكِ كلك أفضل زرع، فكيف تحوَّلتِ إلى كرمـة تنكَّرت لي» (إرميا 2: 21)](1). من هذا النص يتبين لنا وصفٌ صادقٌ للخطية: 1 - الخطية فعل رهيب. 2 - وهي مرض موجِع جداً للنفس. 3 - وهي نتيجة إرادة الإنسان الحُرَّة. ولابد لكل أب اعتراف أن يُعلِّم أبناءه المعترفين هذه الحقائق عن الخطية ويقبلها هو وهم كأساس للدخول في عملية الاعتراف. فإن فَعَلَ هذا فيمكنه أن يكون أب اعتراف ناجحاً ويمارس أيضاً خدمته كأب روحي لرعيته. وهو في عملية تلقِّي الاعتراف يستطيع أن يُعلِّم، ويرشد، ويحلَّ من الخطايا؛ بينما المعترف يعترف بخطيته أو بخطاياه ويطلب التوجيه الروحي والحِلَّ ومغفرة خطاياه. فعلى المعترف أن يعرف ويعترف أنه خاطئ، ويعرف أنه مسئول عن خطيته، ويحس بحزن وبذنب لأنه عصى الله وصار متغرباً عن أبيه السماوي (كما في مَثَل الابن الضال: لوقا 15). لذلك فهو محتاج حقاً أن يعرف أن الله قَبِِلَ توبته، وأنه سوف يغفر له خطاياه إن كان حقاً تائباً. ثم في النهاية يجب أن يعرف أن نفسه التي مرضت بسبب الخطية يمكن أن تُشفَى بنعمة الله، وأنه سيرجع، ويُصالَح ويتحد مرة أخرى بأبيه السماوي. مواجهة الواقع الذي يعيش فيه المؤمن التائب: الراعي لا يجد صعوبة في هذا الأمر ما دام التائب القادم إليه معترفاً يعرف ويعترف بذلك، ولكن الراعي والرعية الذين يعيشون في العالم يتواجهون بواقع مخالف يجب أن يتواجهوا معه ولا يتجاهلوه. فالعالم يضغط على الحياة الروحية في الكنيسة وأعضائها. لذلك فالأمر يتطلب أولاً انتباهاً مستمراً تجاه كل وسائل الاتصال الحديثة التي تحيط بالمؤمن. والمسيح - له المجد - يصف بوضوح حقيقة الوضع الروحي للمؤمنين وهم في العالم وذلك في صلاته الشفاعية: «أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم كما أنى أنا لستُ من العالم. لستُ أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أنى أنا لستُ من العالم» (يو 17: 14-16). وقبل ذلك بقليل قال الرب يسوع في حوار مع تلاميذه عن آلامه المزمعة أن تأتى: «هوذا تأتى ساعة، وقد أتت الآن، تتفرَّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي. قد كلَّمتكم بهذا ليكـون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنـا قـد غلبتُ العالم» (يو 16: 32-33). ويجيب القديس يوحنا على سؤال الإنسان المؤمن عن محنة معاناته في ”العالم“ المنساق وراء الخطية: «نعلم أن كل مَنْ وُلد من الله لا يُخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسُّه... ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية. أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام» (1يو 5: 18 - 21). أما الإجابة فهي واضحة: في الرب يسوع المسيح تكون لنا القوة وتتاح لنا الوسيلة اللتين بهما نتغلَّب على قوة العالم الذى بلا إله، الغارق في الخطية. الحق لا يمكن أن نجده إلاَّ في الرب يسوع المسيح الذى هو ”الحق“ والإله الحق. كلمات القديس يوحنا الأخيرة في رسالته الأولى في منتهى الأهمية: «احفظوا أنفسكم من الأصنام». لذلك يجب دائماً أن نحفظ أنفسنا من الأوثان، أي الآلهة الكَذَبَة، التي في العالم، أي تلك التي تُقدِّم لنا بدائل زائفة لرؤية ”الحق“ ورؤية ”العدل“ و”الخير“ و”الجمال“ و”الحب“، إنها بدائل وثنية في العصر الحديث. وأساس هذه البدائل هي أنها تنكر تعليم المسيح والكنيسة عن الله والإنسان والعالم. هذا العالم اليوم مُغلَّف بأجمل الأغلفة وأكثرها إغراءً ولكنه - كالسم في العسل - يُخفي وراءه قوى خفية غير منظورة تتحكَّم في مصيرنا الأبدي: عالم العروض والأزياء والآراء والأفكار وطرق المعيشة وأساليب المعاملات اليومية وأنماط التفكير والتخطيط؛ والمقدَّمة لنا من خلال وسائل الاتصال السهلة ”المحيطة بنا بسهولة“ أينما كنا ووقتما نكون! مجرد مفتاح أو زر نضغط عليه ونجد أنفسنا تحت وطأة قوى العالم البعيد عن الله! ولكن لا حيلة لنا أمامها إلاَّ قوة المسيح. وكل هذه البدائل التي يُقدِّمها العالم بديلاً عن المسيح هي فاسدة ومُميتة وتؤكِّد تحذير الوحي الإلهى لنا: «لأن أُجرة الخطية هي موت» (رو 6: 23)، وهى لا تقدر أن تدفع عنا هذه الأجرة، بل تتركنا ندفعها صاغرين! والإنسان الذى يقبل هذه البدائل وهو مجرد من الإيمان يصبح عبداً للشيطان وفريسة للخطية. أما المؤمن المسيحي، فبكلمات القديس بولس يؤمن بأنه: ”أُعتق من الخطية، وصار عبداً لله“ (رومية 6: 22)، وهذا يجعله قادراً أن يُجاهد لينال «حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا» (رو6: 23). لذلك فإن حرية الإرادة التي وهبها الله لنا يمكنها، بنعمة ربنا يسوع المسيح، أن تختار طاعة الله وترفض عصيانه. والله في عِظَم جوده وفضله خلق الإنسان حُرَّ الإرادة وهو يعلم أن هذه الحرية قد تقوده إلى الخطية، لكنه أراد أن يجعل من الإنسان صورة له فيفعل الخير والصلاح بنفس هذه الحرية. وهذا ما حقَّقه رجال الله القديسون، ويُحقِّقه كل مؤمن بالمسيح في كل جيل وفي كل زمان ومكان. لذلك أصبح الإرشاد الروحي مقترناً بممارسة الاعتراف بالخطية وضرورياً له. المرشد الروحي، ومحاذير استخدامه مبادئ علم النفس دون وعي: من أخطر الأمور أن يسعى بعض رجال الدين إلى استخدام بعض مبادئ علم النفس Psychology دون دراسة حقيقية له، ودون معرفة الفرق بين هذا العلم الحديث وبين علم طب النفوس الروحاني الذى يُمارسه آباء الكنيسة الروحانيون منذ 20 قرناً. ومن أخطر ما يجب أن يعرفه الكاهن أن علم السيكولوجي الحديث يحاول أن يستخدم الأسماء الإنجيلية المسيحية لعلم طب النفوس الروحاني ليُطلقه على المفاهيم العلمانية لهذا العلم. فمثلاً ”النفس“ في مفهوم علم النفس ليست هي ”النفس“ في المفهوم المسيحي، وتغيير مفهوم ”النفس“ في علم النفس يُرينا كيف أن هناك فرقاً شاسعاً بين علم النفس وبين علم طب النفوس الروحاني. فعلم النفس هو ”علم العقل والذهن بكل أوجهه“، وهو يُعرِّف "النفس Psyche" بأنها ”نظام التحكُّم في الذات حيث الوعي واللاوعي يتبادلان المواقع والتأثير على الإنسان، حيث يتغلَّب اللاوعي في النهاية على الوعي في التحكُّم في الإنسان"(2). أما النفس في المسيحية، فهي كيان روحي، وهى كما عبَّر عن ذلك أحد العلماء الأرثوذكس: ”الموضع حيث فيه يستقر الله“(3). ويقول أحد المتصوِّفين واصفاً النفس هكذا: ”الله خلق الإنسان ليكون مدينته الخاصة ومكان سكناه. فنفسنا جُعِلَت لتكون مسكن الله. الله لا يمكن أن يكون خارج النفس التي فيها سيجعل سكناه للبركة إلى مالانهاية“(4). لذلك فلابد للإنسان أن يحفظ ويصون هذه الكرامة التي منحها الله للنفس: أي كرامة سُكنى الله فيها، ويظل على شركة دائمة مع الله متأملاً فيه وحده، موشِّحاً نفسه بالمحبة الحارة والشديدة نحوه. ولأن النفس عاقلة فهي متوشِّحة بقوة العقل والتعقُّل والثبات في الله. لكن النفس تنكسر بالشهوات والخطايا. لذلك فإقامتها من هذا الانكسار تكون بإعادة تقديمها لله، بالصلاة النقية الطاهرة، وبوضع وصايا المسيح موضع التنفيذ في حياة الإنسان، وباستدعائه لاسم الله والمناداة باسم يسوع دائماً (الصلاة الدائمة)، وبالندم على الخطايا والاتضاع والمحبة نحو الله وكل الناس. ومرض النفس(5) يأتي حينما تتشتت قُوَى النفس، والتي هي التعقُّل وتركيز التأمل في الله، بانغماسها في الشهوات والخطايا. وشفاؤها يتم حينما تتحد قُوَى التعقُّل في النفس مرة أخرى وتركِّز تأمُّلها ومحبتها نحو الله. أما موت النفس فهو يحدث بالعبودية للخطية والعيش فيها. أما رجوع الحياة للنفس فأمرٌ شاق، ويتحقق بالتوبة الجادة الشديدة والحاسمة. والنفس متحدة بالجسد ومتغلغلة بطاقاتها في كل ذرة فيه، لكنها تظل متميزة عنه، وهى التي تُعطي الحيوية والنشاط للجسد وتوجِّهه بكل أعضائه. لذلك فيُقال إن القلب هو المركز الأول لحركة النفس ونشاطها وحيويتها، و”القلب“ هنا ليس المقصود به العضو وكأنه وعاء يحوى النفس، بل باعتباره العضو الذى يضخُّ الدم في كل أنحاء الجسم ويحفظ حيوية كل عضلاته وأعصابه وأجهزته ويُجدِّدها ويحييها؛ هكذا النفس فهي متغلغلة في كل ذرة من الجسم من خلال ”القلب“، وتبث فيه الحياة والحركة. ويختص علم الطب الروحاني بكشف أمراض النفس وأسباب موتها، وأدوية شفائها، وعلاقة الشهوات والخطايا بمرضها وموتها وأثر التوبة والحياة الروحية مع الله في دوام صحتها وثباتها، وفاعلية الأسرار الكنسية في منح هذه الصحة والثبات لها. وهذا العلم يحتاج إلى دراسة وفحص وتمحيص في كتابات آبائنا القديسين النساك ليُستخرج منه أصول وفروع عملية صحة النفس وشفائها وثباتها في الحياة الأبدية. لعل أحد الباحثين المجتهدين المختبرين يُحرِّكه روح الله ليُقدِّمه للكنيسة، رعاة ورعية، ليُنعم الله عليهم بمعرفة أسرار حياة النفس وشفائها، ويكون عوناً للراعي وأب الاعتراف في خدمته لنفوس الرعية |
|