رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الزواج في تاريخ الخلاص
الأرشمندريت توما بيطار عظة في يوم الجمعة 3 / 8 / 2007، حول متى 22: 22 – 33 باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. الصدّوقيون، يا إخوة، كانوا حزباً دينياً وهو حزب رؤساء الكهنة. كانوا يقولون بعدم القيامة وبأنّه ليس هناك روح. وكانوا في صراع خفيّ مع أحزاب دينية أخرى كالفرّيسيّين. هنا، في هذا الإنجيل الكريم، يطرحون موضوع الزواج. ماذا يَحدُث في القيامة؟ الذين يكونون متزوجين على الأرض ماذا يحدث لهم إذ ذاك؟... أَيبقون في وضع الزواج أم يحدث لهم شيء آخر؟ كانت عند اليهود عادة، وكانت هذه العادة تُعرَف باللافيرات. بحسب هذه العادة، إذا مات رجل ولم يكن له ولد، فإنّ أخاه يأخذ امرأته ويقيم نسلاً لأخيه. فالولد الأول الذي ينجبه يكون لأخيه، على اسم أخيه، لكي يبقى لأخيه ذِكر في إسرائيل. والأولاد الباقون كانوا، في العادة، للأخ الذي تزوّج ثانية. هذه كانت علامة من علامات تَوق إسرائيل إلى القيامة، وفي آن معاً إشارة إلى أنّ الغرض الأساسي من الزواج هو الإنجاب. الإنجاب فيه شيء من الخلود. الإنسان مخلَّد بالإنجاب. في الأساس، الربّ الإله خلق حوّاء مُعينةً لآدم. فكرة العون فكرة تفيد حاجة الإنسان لأن يكون له شريك مكمِّل له في حياته. لهذا يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته ويصيران كلاهما جسداً واحداً. لم يخلق الربّ الإله في البدء آدم وحوّاء معاً. خلق في البدء آدم، على ما ورد في النصّ. وحوّاء كانت كامنة فيه. ثمّ، بعد ذلك، أخذ ضلعاً من أضلاعه وبَرَأ الضلع امرأة. فلمّا عاينها آدم عرفها، وكأنّها كانت حركة فيه. كانت منه في الأساس. ولكن السؤال بقي: لماذا لم يخلق الربّ الإله آدم وحوّاء معاً منذ البدء؟ هل هذا لأنّ المجتمع كان مجتمعاً ذكورياً وكانت الأهمية الأولى للذكور؟ قد يفكّر الإنسان على هذا النحو، ولكن نحن لا نتعاطى الكتاب المقدّس ككلمة البشر فقط. ربما كان هذا وارداً. ولا شكّ أنّ ذكوريّة المجتمع العبري أثّرَت في تكوينه إلى حدّ بعيد. ولكن يبقى أنّ هناك معنى إلهياً خاصاً مميَّزاً لا يمكننا أن نُغفله. الله يريد شيئاً محدَّداً من موضوع خلْق الإنسان واحداً أولاً في آدم ومن ثمّ إخراج حوّاء منه. نحن عندما نستعيد النصوص، نرى أنّ آدم وحوّاء لم ينجبا إلاّ بعد السقوط. قبل السقوط لم يكن هناك إنجاب. هل هذا يعني أنّ الإنجاب أمر ينتمي إلى السقوط؟ ليس بالضرورة. الله كان قد أعطى آدم وحوّاء القدرة على الإنجاب، وكانت هذه القدرة كامنة فيهما، ولكن لم تتفعّل هذه القدرة إلاّ بعد السقوط. هذا، في الحقيقة، لأنّ آدم وحوّاء في الفردوس كانا مشمولَين بنعمة الله، كانا مُكمَلَّين بنعمة الله. فلما خرجا من كنف الله، لما دخلا في العصيان، إذ ذاك، انحرَما من نعمة الله، وإذ ذاك، بدأ تاريخ جديد لآدم وحوّاء هو تاريخ السقوط. ولكنْ هذا السقوط كان يذهب باتجاه معيَّن. الله لم يكن ليسمح بالسقوط لو لم يكن في قصده أن يكمِّل الإنسان بطريقة أخرى. هذا بالضبط هو ما حرَّك طاقة آدم وحوّاء على الإنجاب. الحقيقة الحقيقة أنّ الغاية الأساسية من الإنجاب ليست التكاثر. التكاثر لا يمكنه أن يكون غاشِماً، أي بلا معنى، بلا هدف. ما هو هدف التكاثر؟ إن لم يكن هناك هدف للتكاثر، فلا معنى له ولا قيمة. التكاثر كان القصد منه مجيء الربّ يسوع المسيح. إذاً، كل البشرية كانت تشترك، في الحقيقة، في الإعداد لمجيء الربّ يسوع. إذاً، موضوع الإنجاب تحرَّك بقصد تحقيق الكمال الذي كان الإنسان قد فقده في الفردوس. ولكنْ، هذه المرّة، من خلال إنجاب والدة الإله، وتالياً من خلال تجسّد ابن الله. إذاً، القصد من الإنجاب هو يسوع. الموضوع هو يسوع، وليس الموضوع مجرّد التكاثر. أما موضوع أن يكون الرجل والمرأة كل واحد منهما عوناً للآخر، فلا شكّ أنّه استمرّ في التاريخ. ولكنْ هذا أيضاً كان له هدف، والهدف كان أن يستعيد الإنسان عون الله، أن يكتمل الإنسان في عِشرة الله. لأنّنا إن اكتفينا بالقول إنّ الرجل والمرأة يعينان أحدهما الآخر، فكأننا نقول إنّ الله إنما أرادهما أن يكونا على نوع من الأنانية المزدوجة. ليس هذا هو الحال أبداً. الغاية ليست لا المرأة ولا الرجل، لا الرجل يعين المرأة ولا المرأة تعين الرجل. في نهاية المطاف ما هو أبعد من ذلك، القصد هو يسوع، القصد هو الله، القصد هو أن نبلغ إلى الله. لهذا يقول المزمور بوضوح: "معونتي من عند الربّ الذي صنع السماء والأرض". معونتي من عند الربّ. الله في النهاية هو الذي يعين، هو الذي يكمِّل الإنسان. لكن يعينه على ماذا؟ يعينه على كل شيء، يعينه على الموت، يعينه على الوحدة، يعينه على التعب، يعينه على المعنى. الإنسان من دون الله لا معنى له. الإنسان يصير إنساناً بالتصاقه بالله، باكتماله بالله. هكذا يكون عونُ الإنسان، في نهاية المطاف، من الله. أما عون الرجل والمرأة فيكون في هذا الإطار، بمعنى أنّ الإثنين يتعاونان حتى يبلغا معاً وجه ربِّهما. لهذا كثيراً ما ذَكر معلِّمونا أنّ الغاية من الزواج المسيحي هي، طبعاً حين يحدُث، أن يمسك الرجل بيد المرأة والمرأة بيد الرجل وأن ينطلقا معاً إلى وجه ربّهما. الغاية يسوع، وليست هناك غاية أخرى. إن لم يكن يسوع هو الغاية لا يكون الزواج قد حقَّق الغاية الكيانية التاريخية منه. نحن لسنا حيوانات. الحيوانات تتكاثر. تتكاثر بالطبيعة. بالنسبة للإنسان، لا يتكاثر، كما قلت، على نحو غاشم من دون معنى. الغاية، إذاً، هي يسوع. هنا طبعاً ينطرح السؤال: لماذا يسوع لم يتزوّج؟ يسوع لم يتزوّج لأنّه كان إنساناً كاملاً. كما كان آدم واحداً في الأساس، ثمّ خرجت حواء منه، هنا نجد في يسوع الإنسان الكامل حاملاً للرجولة وللأنوثة معاً. لهذا خطأ، مثلاً، أن نتصوّر أنّ يسوع كان يمكن أن يتزوّج. هذا خطأ كبير، وأنّه كان يمكن أن يُنجب. يسوع، كإنسان كامل، لم يكن بحاجة لأن يتزوّج ولا كان بحاجة لأن يُنجب، لأنّ الإنسان اكتمل في يسوع، اكتمل في الربّ يسوع. ومنذ يسوع، إلى اليوم، حصل ما هو أسمى من الزواج، زواج الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل. ما هو أسمى من ذلك صار بالضبط أن يكون الإنسان بتولاً. والدة الإله هي البتول في نهاية المطاف. الربّ يسوع المسيح هو البتول. الرهبانية التي نشأت من بعد الربّ يسوع ما كان يمكن لها أن تنشأ قبل ذلك. قبل ذلك كان الموضوع الزواج. كان الموضوع هو التحضير لمجيء المسيح. لهذا السبب كان عدم الزواج وعدم الإنجاب غير مقبول عند اليهود. عدم الإنجاب كان يعتبر بمثابة لعنة. عدم الزواج كان يُعتبر شيئاً غريباً جداً، في مرحلة ما قبل الربّ يسوع المسيح. أما بعد الربّ يسوع فالأمور تغيَّرت. إذا كان القصد هو مجيء الربّ يسوع فقد جاء الربّ يسوع. وبمجيء الربّ يسوع اتّخذ التاريخ الخلاصي منحى آخر، منحى مختلفاً. القصد، كما قلنا، هو الله. لهذا بتنا نتحدّث اليوم عن زواج آخر، عن زواج المسيح بالكنيسة، عن الزواج السرّي الذي يتمّ في نفس الإنسان، بينه وبين الله. الموضوع صار في هذا المستوى. طبعاً هذا لا يعني أبداً أنّ الزواج قد التغى. كلاّ لم يُلتَغَ أبداً، ولا يمكن أن يُلتغى إلاّ في المجيء الثاني للربّ يسوع. هناك، في الملكوت، لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون. هذا سيحدث فيما بعد، حيث لن يكون هناك زواج بعد. ولكن طالما نحن هنا على الأرض، فنحن لا زلنا في إطار المساهمة في نشر كلمة الله، في نشر البشارة الإلهية. لذلك الغرض من الزواج بعد الربّ يسوع، والزواج مبارَك جداً، الغرض هو العائلة المسيحيّة، هو التنشئة على الإيمان بالربّ يسوع المسيح. الموضوع هو يسوع في كل الأحوال. ولكن حتى المتزوِّجون عليهم أن يسلكوا في البتولية، لا بمعنى أن يتوقّفوا عن الزواج، كلاّ أبداً. ولكنْ البتولية تعني، أولاً وأخيراً، أن يكون الله هو الذي يسكن في حياة الزوجَين. لفظة "بتول" معناها بيت إيل، بيت الله. والزواج مع الربّ يسوع صار زواجاً بتولياً، بمعنى أنّ سعي الإثنين، الرجل والمرأة، هو لأن يكون الربّ يسوع المسيح المقيم في حياتهما بكل معنى الكلمة. ولهذا يصومان ولهذا يصلِّيان ولهذا يسلكان في العفّة في أوقات معيّنة. موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة لم يعد، كما كان قبل الربّ يسوع، للإنجاب وحسب. أحياناً البشر لا ينجبون، وليس هذا نقيصة بالنسبة لزواج الرجل والمرأة المسيحيَّين. طالما الربّ يسوع المسيح هو القصد في سعيهما، وقصدهما أن يسكن الربّ يسوع المسيح في حياتهما، فإنّ زواجهما يكون مخصِباً بكل معنى الكلمة. الإخصاب الحقيقي، بعد الربّ يسوع، صار إخصاباً في الروح ولم يَعُد في الجسد وحسب. في الجسد قد يكون الجسد مِطواعاً وقد يتمكّن الإنسان من الإنجاب، وقد لا يتمكّن من الإنجاب. ليس هذا هو الموضوع. الخصب الحقيقي هو خصب الحبّ الإلهي الذي ينبغي أن يسود بين الرجل والمرأة. وطبعاً هذا يجعل العائلة المسيحيّة بمثابة كنيسة بمعنى الكلمة. هنا تنمو محبّة الله، محبّة الزوجَين لله. وطبعاً لم يعد الزواج ضرورياً كما كان ضرورياً في الفترة التي سبقت مجيء الربّ يسوع المسيح. الآن صار بإمكان الإنسان أن يمتنع عن الزواج لكي يتفرّغ بالكامل لمحبّة الله، لرضى الله. المرأة في العالم، كما قال الرسول بولس، تسعى إلى إرضاء زوجها. أما الإنسان العفيف فيسعى إلى إرضاء الله، همُّه الأساسي هو إرضاء الله. طبعاً في الحالتَين، في حالة الزواج وفي حالة عدم الزواج، الغرض هو إرضاء الله. ولكن عندما يتفرّغ الإنسان بالكامل لحياة البتولية، فإنّه، إذ ذاك، تكون له فرصة أن يعطي نفسه بالكامل لله، أن يحقِّق نفسه بالكامل كإنسان على صورة الإنسان الكامل الذي هو الربّ يسوع المسيح. إذاً، كل موضوع الزواج نَما وتغيَّر عبر التاريخ. نحن لم نعد ننظر إلى موضوع الزواج اليوم كما كان اليهود ينظرون أو كما ينظر الذين لا يعرفون المسيح اليوم. لهذا مهمّ جداً أن ندرك، بعد المسيح، أنّ زواج المسيحي من غير المسيحي هو زواج غير موافق وغير مساعد على الخلاص لأنّه يصعب جداً على الزوجَين أن يعيشا للمسيح إذا لم يكن لهما فكر واحد وإيمان واحد وقصد واحد في هذا الاتجاه وعبادة واحدة. لهذا، الموضوع فيما يختص بالرجل والمرأة ليس فقط أن يؤسِّسا وحدة إجتماعية وحسب. ليس الموضوع أن يعيشا وفقاً لسُنّة الطبيعة. نحن مع الربّ يسوع دخلنا في سنّة الروح، روح الربّ القدّوس. لماذا أُعطي الروح القدس إذا لم نكن نحن لندخل في سنّة الروح، ما المنفعة؟ إذاً، نحن لا نتزوّج بعد لأسباب إجتماعية أو لأسباب عاطفية. أنا لا أقول أبداً إنّ الأحاسيس والمشاعر والعواطف لا تؤخذ في الحسبان. هذه أمور إنسانية. ولكنْ هذه الأمور الإنسانية ينبغي إخضاعها للروح، ينبغي إخضاعها لإيمان الإنسان، لإيمان الإنسان بالربّ يسوع. الموضوع الأساسي هو يسوع. إنْ عشنا فللربّ نعيش وإن متنا فللربّ نموت. كل موضوع الزواج بات مطروحاً باعتبار يسوع لا باعتبار التناغم والتكافؤ والتكافل بين الزوج والزوجة. هذه كلّها أمور تأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة من الأهمية. هذه أمور ثانوية. الموضوع الأساسي هو يسوع، الموضوع الأساسي هو موضوع إيماني، هو موضوع روحي، هو موضوع أن يقتني الإنسان روح الله، أن يمتلئ الإنسان من روح الله، أن يحقِّق الإنسان هذا الزواج في المستوى الروحي بالدرجة الأولى. لهذا كل موضوع الزواج بات يُطرَح عندنا بطريقة جديدة، بطريقة مختلفة، بطريقة روحية. لم يعد الموضوع وفق سنّة الطبيعة. صرنا نعيش في زمن جديد، في زمن الروح، في زمن الملكوت، في زمن يسوع المسيح. لهذا السبب علينا أن نحسب أنّ كل ما يربطنا بأيّ أمر من الأمور، بأيّ موضوع من الموضوعات في حياتنا كبشر، ينبغي أن يكون يسوع. ما نفعله لا نفعله لأنّه ذو قيمة بحدّ ذاته. ما نفعله نفعله لأجل يسوع. إن أكلتم أو شربتم أو لبستم أو فعلتم أي شيء آخر، فهذا كله ينبغي أن يكون لأجل مجد الله. الموضوع هو يسوع. هذا هو وجدان الإنسان المؤمن، الإنسان الذي جعل حياته متمحورة في يسوع المسيح، في الحياة الجديدة في الإيمان الجديد. فإنْ كان لنا مثل هذا الفهم، فإنّنا نكون، إذ ذاك، قد أخذنا على عاتقنا أن نحيا وأن نموت لأجل يسوع ولأجل أن يصير كل واحد منا هيكلاً للربّ يسوع. أنتم هيكل الروح القدس. ملكوت السموات في داخلكم. هذا هو الموضوع، اطلبوا أولاً ملكوت السماوات وبِرَّه وكل ما عدا ذلك يُزاد لكم آمين |
|