|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر الإفخارستيا - ضرورة الاشتراك في الأسرار الإلهية وطبيعتها الخلاصية - دير القديس العظيم أنبا مقار
سر الإفخارستيا إن نوال الشركة في جسد الرب ودمه الأقدسين، هو ضرورة حيوية، وحتمية خلاصية، وفرصة ثمينة لكل مؤمن مسيحي. ويتضح لنا هذا من كلمات المُخلِّص التي نطق بها وهو يتحدث عن الوعود والمفاعيل المترتبة على هذا السرِّ: «الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير» (يو 6: 54،53).- 4 - ضرورة الاشتراك في الأسرار الإلهية وطبيعتها الخلاصية ثمار وآثار سرِّ الإفخارستيا: إن الثمار الخلاصية وآثار سر الإفخارستيا، إن تناولناه باستحقاق، هي كالآتي: 1. الثبات في المسيح: فهي تُتْحِدنا بالرب: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56). والمؤمنون حينما يشتركون في سر الإفخارستيا، إنما يشتركون حقاً في الجسد الحقيقي والدم الحقيقي للمسيح. فهم يتحدون سرِّياً (ميستيكياً mystical) مع المسيح، ويُطَعَّمون فيه، فيصيرون - بحسب الوصف الآبائي الذي شاع على مدى التاريخ - ”جسداً واحداً، دماً واحداً، حاملين المسيح، وحاملين هيكل الله“، وذلك حسب أقوال القديس إغناطيوس أسقف أنطاكية في القرن الثاني. أما القديس كيرلس الأورشليمي فيقول: [باشتراكك في جسد المسيح ودمه الأقدسين، فإنك تصير من نفس الجسد والدم معه. وهكذا نصبح حاملين المسيح في أنفسنا، لأن جسده ودمه ينتشران ويتغلغلان في داخل أعضائنا، وهذا بحسب كلمات المُطوَّب بطرس، أننا شركاء الطبيعة الإلهية](1). فجسد الرب الذي يتناوله المؤمنون، ومن خلال اتحاده بنا، يُحيي ويُقدِّس المتناولين منه. وبدون أن يفقد خصائصه الطبيعية، ينقل إليهم ويغرس فيهم الحياة الإلهية. اتحاد المسيح بالمؤمنين، يؤدِّي إلى غفران خطاياهم، وغفران خطاياهم يؤدِّي إلى عدم الموت والحياة الأبدية، وذلك كما يُصلِّي الكاهن في القداس الإلهي: [يا الله الذي أحبنا هكذا، وأنعم علينا برتبة البنوَّة، لكي نُدعى أبناء الله، نحن وهم وارثون لك يا الله الآب وشركاء في ميراث مسيحك، أَمِلْ أُذنك، يا رب، واسمعنا نحن الخاضعين لك، وطهِّر إنساننا الداخل كطُهْر ابنك الوحيد، هذا الذي نُضمِر أن نأخذه (ويطلب من الله أن يُبدِّد كل الأفكار النجسة والشريرة)... كل فكر رديء أرضي، فَلْيبعد عنا، من أجل الذي صعد إلى السموات. لكي هكذا بطهارة نتناول من هذه الأسرار النقية، ونتطهَّر كلنا، كاملين في أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا؛ إذ نصير شركاء في الجسد، وشركاء في الشكل، وشركاء في خلافة مسيحك]. قداس القديس كيرلس صلاة خضوع قبل التناول(2) وبحسب قداس القديس كيرلس أيضاً، يتناول المؤمن في الإفخارستيا المقدسة الجسد والدم الأقدسين: [... لكي يكونا لنا جميعاً نحن الآخذين منهما... تجديداً للنفس والجسد والروح... ومشاركة سعادة الحياة الأبدية وعدم الفساد، وغفراناً للخطايا]. قداس القديس كيرلس - الرشومات الثانية(3) فإن النفس، أولاً، تتطهَّر وتتقدس، وتتغذَّى روحياً؛ ويتحوَّل الإنسان المتناول سرِّياً (ميستيكياً mystically) إلى عدم الفساد. 2. الاتحاد بالله والاتحاد بالآخرين: ينال المشترك في نفسه بتناوله من الجسد والدم الأقدسين بذرة عدم الفساد، والقيامة، وعدم الموت، والحياة الأبدية. و”الجسد الحقيقي والدم الحقيقي اللذين للمسيح“ (حسب نداء الكاهن) يقودان المؤمن نحو التقديس باعتباره عضواً في الجسد السرِّي للمسيح (أي الكنيسة)، إذ يرتبط به وبكل مؤمن من خلال الشركة المقدسة، حسب قول القديس بولس الرسول: «فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحد (مفرد: أي خبزة واحدة)، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد (الخبزة الواحدة)» (1كو 10: 17). وكما في أيامنا الحاضرة كذلك في الكنيسة الأولى، كانت كل كنيسة تشترك في قربانة واحدة وكأس واحدة، واللتين من خلالهما ينال المؤمنون المتناولون الحياة الإلهية والتقديس. ويشرح القديس يوحنا ذهبي الفم هذه الآية قائلاً: [كما أن الخبزة تتكون من حبات قمح كثيرة ثم صارت خبزة واحدة، فلا تعود حبات القمح تظهر فيما بعد، بل هي موجودة فعلاً، ولكن كثرتها وتعدُّدها لا يظهران بسبب عجنها؛ هكذا نحن نلتئم معاً كل واحد مع الآخر وكلنا مع المسيح، فلا يكون لك أنت جسد واحد وقريبك جسد آخر، بل هو جسد واحد نتغذى منه جميعنا ”لأننا كلنا نشترك في الخبزة الواحدة“](4). وبحسبما ذكرنا، فالمؤمنون في سرِّ الإفخارستيا يتَّحدون ويتطعَّمون في ابن الله المتجسِّد، إذ ينالون هذا الطعام الإلهي الضروري لتقديسهم(5). 3. الحضور الحقيقي للمسيح في سرِّ الإفخارستيا: وتؤمن الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بالحضور الحقيقي للمسيح في الإفخارستيا المقدسة، وذلك كنتيجة للتغيُّر الذي حدث للعنصرَيْن الخبز والخمر، اللذين تحوَّلا (أو انتقلا أو صارا) ”الجسد الحقيقي“ و”الدم الحقيقي“ للمسيح، بطريقة يكون فيها المسيح بشخصه حاضراً في الأسرار الإلهية. لذلك يصرخ الكاهن قائلاً: [هوذا كائنٌ معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا، حَمَلُ الله الذي يحمل خطية العالم كله (ويؤكِّد حضوره الشخصي فيقول الجالس على كرسي مجده. الذي تقف أمامه جميع الطغمات السمائية، الذي تُسبِّحه الملائكة بأصوات البركة، ويخرُّ ويسجد له رؤساء الملائكة](6). كما يُعلن الطقس الكنسي هذه الحقيقة، إذ بعد حلول الروح القدس، يتنحَّى الكاهن من أمام الذبيحة التي على المذبح ليكون ”عمانوئيل“ نفسه هو الذي يُبارك متواجهاً مع الشعب: ”سلامٌ لجميعكم“. كما أن الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة تؤمن بالحضور الشخصي للرب في كل ذرة من عنصرَي الذبيحة، وكذلك في كل مكان تُقدَّم فيه الذبيحة في العالم أجمع. 4. حلول الروح القدس على المؤمنين وعلى القرابين، يُحقِّق هذا الحضور الحقيقي: كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن هذا السرَّ يُجريه الكاهن أو الأسقف على خبز مختمر وخمر ممزوج بالماء، والتحوُّل يأخذ مجراه من خلال استدعاء الروح القدس، كما يصلِّي الكاهن والجميع سجوداً: [وأَرسِلْ إلى أسفل من عُلُوِّك المقدس، ومن مسكنك المستعد، ومن حضنك غير المحصور، ومن كرسي مملكة مجدك؛ الباراقليط، روحك القدوس الكائن بالأقنوم، غير المستحيل ولا متغيِّر، الرب المُحيي. الناطق في الناموس والأنبياء والرسل. الحالَّ في كل مكان، المالئ كل مكان، ولا يحويه مكان. الفاعل، بسلطة، بمسرتك، الطُّهر على الذين أحبهم وليس كالخادم. البسيط في طبيعته، الكثير الأنواع في فعله، ينبوع النِّعَم الإلهية. المساوي لك، المنبثق منك، شريك كرسي مملكة مجدك، وابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومُخلِّصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح؛ علينا نحن عبيدك وعلى القرابين التي لك، المُكرَّمة، السابق وضعها أمامك. على هذا الخبز وعلى هذه الكأس، لكي يتطهَّرا وينتقلا. وهذا الخبز يجعله جسداً مقدَّساً للمسيح، وهذه الكأس أيضاً دماً كريماً للعهد الجديد الذي له](7). 5. التناول يكون من كِلاَ العنصرَيْن، وضرورة تناول الأطفال منهما: إن أهمية هذا السرّ ”الإفخارستيا المقدسة“ لخلاصنا عظيمة جداً مساوية تماماً في أهميتها لسرِّ المعمودية. ولهذا السبب فإن عموم الشعب المسيحي الأرثوذكسي، إكليروساً وشعباً بالمساواة، الكل يتناول هذه الأسرار بكِلاَ العنصرين، حسب الأصول المرعية. والتناول من كِلاَ العنصرين قائم على ما ورد في إنجيل متى (26: 26-28) وباقي الأناجيل عن تسليم المسيح سرّ جسده ودمه الأقدسين لتلاميذه القديسين مساء خميس العهد. وحتى الأطفال فلهم الحق في تناولهما حسب إنجيل يوحنا (6: 54،53) لينالوا نعمة الحياة الأبدية والثبات في المسيح بعد نوالهم سر المعمودية مباشرة، وذلك من حيث إن معمودية الأطفال مؤسَّسة على كلام المسيح - له المجد - أنها تؤهِّل المعمَّد لدخول ملكوت الله (يوحنا 3: 5). 6. الإفخارستيا ذبيحة شفاعية من أجل الجميع: كما يجب أن يكون واضحاً لأذهاننا من كل ما تقدَّم، أن الإفخارستيا المقدسة ليست مجرد سر، بل هي ذبيحة أيضاً، كما أوضحنا في المقال الماضي(8). هي ذبيحة غير دموية، وتقدمة شفاعية إلى الله ”من الكل ومن أجل الكل“، عن كل العالم، وعن سلام الكنيسة كلها، ”الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، كنيسة الله الأرثوذكسية“، وعن كل المسيحيين الأرثوذكسيين، عن الأحياء منهم وعن الذين رقدوا على رجاء القيامة للحياة الأبدية، وعن الرؤساء المدنيين، وعن الخليقة والطبيعة وحتى الأعداء والمقاومين. وبالطبع، ومن المفهوم أن كل ما قلناه هنا ليس إضافة إلى ذبيحة الصليب من جهة ثمار الخلاص التي نتجت عنها، والتي ينالها المتناولون بتناولهم من الإفخارستيا، كما أنها ليست تكراراً لموت الفادي على الصليب؛ بل هي تناول سرِّي mystical من نفس ذبيحة الصليب القائمة أمام عرش الله على المذبح في السماء، كما رآها القديس يوحنا الرائي: «خروف قائم كأنه مذبوح» (رؤ 5: 6)، الذي هو «حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29). 7. الإيمان بغير فحص هو ضمان سريان مفاعيل سرِّ الإفخارستيا: ولابد أن يفهم الكل أن حضور المسيح - له المجد - في الإفخارستيا، وعمله وعمل الروح القدس في هذه الأسرار الإلهية هي كلها أفعال سرِّية (ميستيكية mystical)، ليست خاضعة للفحص العقلي، بل تؤخذ بالإيمان كما يصلِّي الكاهن ليُعطينا الله ”إيماناً بغير فحص“، فالمؤمن يقبلها كما هي بالإيمان لينال مفاعيلها وثمارها في حياته وينتفع بها بعد مماته على رجاء القيامة والحياة الأبدية |
|