رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القداسة.. صحراءٌ في قلب العالم لقد أكد القديس أنطونيوس الكبير على ضرورة النزوح إلى الصحراء المكانية لتحقيق ذروات في حياة القداسة. ليأتي بعده القديس أفرام السرياني (373- 306) ليطوّر هذه الحقيقة. فيعتبر أن حياة التأمل هي ضرورة ملحة للالتزام العميق بالمسيحية. ويطلق قولاً للمسيح غير موجود في الإنجيل: "حيث يكون متوحد فأنا أكون".. ويضيف: "إن المسيح هو معنا.. هو فرحنا". ولكن التوحد والتأمل لا يتنافى مطلقاً مع الالتزامات الإنسانية الأخرى. فمع القليل من قوة الروح، يمكن عيش الشهادة في زحمة الحياة، فلا ضرورة، برأي القديس أفرام، للهرب من العالم. ويتكلم أفرام عن البتولية وعن إمكانيتها في حياة المجتمع، لا بل يشدد على ضرورتها لتعلن للمؤمنين رؤى الحياة الأبدية. ويتكلم أيضاً عن ضرورة ممارسة حياة الفقر والصوم والسهر والصلاة المستمرة ليتمكن المؤمن من إعلان حضور الله في حياته. لقد كان أفرام شاعراً فرتل في قلب العالم ما تمجد به أباء الصحراء. ويأتي أيضاً القديس باسيليوس الكبير (330- 370) ليؤكد أن للالتزام بحياة القداسة في عمق التأمل لا يتكرّس إلا "بالعمل" و"المشاركة". فنراه ينظم الحياة الرهبانية ويدعمها بالمشاريع الاجتماعية التي تنسجم مع اندماج يسوع باخوته الصغار الذي فيهم يكون جائعاً وعطشاناً ومريضاً وغريباً.. (مت25). فلا يمكن الفصل في حياة القداسة بين التأمل والخدمة، بين الصحراء والمجتمع. وتأخذ الصحراء في قلب العالم بُعداً مميّزاً مع القديس فرنسيس الأسيزي (1182) حيث تبدأ خبرته الروحية بلقاءه مع المسيح المصلوب، ومن خلال مسيرة داخلية طويلة أخرجت فرنسيس من بيئته البرجوازية. لتنطلق به وتضعه في نور الرب مقدماً له ذاته في أعمال فقير وأخ صغير للفقراء والبرص والهامشيين. ففي كنيسة سان داميان طلب المصلوب من فرنسيس: "يا فرنسيس، اذهب وأصلح كنيستي التي تنهار". لم يفهم مباشرة معنى هذا النداء. ولكنّه شعر برغبة عميقة للتخلي. فترك كل شيء له وتوجه للتأمل بالمصلوب ملتزماً بحياته بكل ما تحمل من فقر وتواضع ووداعة ومحبة، وعلاقة الخالق بالخليقة. إن الإقتداء بالمسيح والتشبّه بحياته وخصوصاً بفقره وتواضعه هو أساس بناء الروحانية الحقة. والمؤمن الذي يتخلى عن كل شيء وعن ذاته إقتداء بالمسيح يغتني بالمسيح في آخر المسيرة. فالله يؤلهه متقبلاً تقدمة ذاته. إن تنازل الله نحونا يرفعنا ويمنحنا الكرامة الحقة. وكان القديس فرنسيس يرجع دوماً إلى "التوبة"، وحتى، وهو على فراش الموت، يتذكر كيف قاده الله إلى التوبة. فالتوبة هي حركة مستمرة في حياة المؤمن. وتأخذ حياة التأمل المندمجة فيقلب العالم وجهاً معاصراً مع الأخ شارل دو فوكو (1858- 1916) فتمنح النور الأوفر لحياة يسوع في الناصرة. فقد شعر بأنه مدعو إلى أن يكرز بالإنجيل لا بالكلام والنشاطات الخارجية، بل بالحياة: "يهتف بالإنجيل بحياته". بحسب عبارته الشهيرة. ولا ننسَ كم غرف هذا الأخ ليسوع قبل اهتدائه من ينابيع القوة العبثية واللهو والمجون. لقد كان ابن عائلة غنية وحاكمة في الجيش الفرنسي آنذاك. يترك كل شيء ليعيش حياة الاندماج بالمجتمع متخفٍ كيسوع العامل البسيط في الناصرة، كل ما لديه من غنى هو فقط يسوع. يقول الأخ شارل في يومياته: "يجب أن تكون رسالتي رسالة صلاح. ينبغي أن يقول الناظر لي.. بما أن هذا الرجل صالح، لابد أن يكون إيمانه حسناً. وإذا ما طُلب إلي لماذا أنا لطيف ووديع علّي أن أقول.. لأنني خادم لسيد يفوقني جداً بصلاحه، فيا ليتكم علمتم أن سيدي يسوع هو صالح.. وأني لأتمنى أن أكون صالحاً بالكفاية كي يقال.. إن هذا العبد هكذا، فماذا عن السيد.. علّي أن أكون كلا للكل.. أضحك مع الضاحكين وأبكي مع الباكين.." |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الصلاة هي ان نلبس ثوب القداسة ونخلع ثوب العالم |
من أعداء القداسة العالم |
معزية العالم مريم الكلية القداسة |
يا من ارسلت الى العالم كلمة الحق وروح القداسة |
القداسة.. صحراءٌ في قلب العالم |