نفوس مريحة وأخرى غير مريحة
+++++++++++++++
النفوس المريحة هي التي تريح غيرها
وهكذا قد يجلس إنسان معك فتستريح لوجوده معك. وتود لو أن جلسته تطول مهما مرّ الوقت. بينما يجلس إليك آخر، فتظل تعدّ الدقائق متمنيًا لو أنه رحل عنك، وبسرعة. ذلك لأن الشخص الأول مريح، والثاني متعب..
فإنسان يمرّ عليك، كالنسيم الهادئ أو النسيم العَطر..
وآخر يمرّ بك، وكأنه عاصفة هوجاء..!
فما هي إذن النفس المريحة؟ وما هي صفاتها؟
ولماذا تكون نفوس بعض الناس متعبة وغير مقبولة؟
هذا ما نود أن نتحدث عنه في مقالنا هذا:
أول نفس مريحة في حياة كل إنسان، هي أمه:
يرى الطفل راحته في صدرها الدافئ، وفي إرضاعها له، وفي نظراتها الحانية، وفى ابتسامتها، وفي استجابتها لاحتياجاته... ومعها يشعر دائمًا بالاطمئنان والأمن.
والطفل الرضيع، الذي نظن أنه لا يدرك شيئًا، من العجيب أنه يستطيع أن يميز أمه أو مرضعته عن أية امرأة أخرى... فهي حين تحمله تبسّ له، ويبتسم هو لها في فرح وبشاشة. بينما تحمله امرأة أخرى فيصرخ...
الطفل حسّاس جدًا من جهة ملامح الناس:
هو لا يتضايق مطلقًا من أي كلام فيه انتهار أو غضب، لأنه لا يفهم معنى الكلام. لكنه يفهم الملامح، ويميز النظرة المريحة من النظرة المتعبة. ويميز الملامح البشوشة من الملامح المزعجة. فيطمئن إلى النفس المريحة، من نوع النظرة، وشكل الملامح، ونبرة الصوت. ويميز النفس المريحة التي تداعبه وتلاعبه وتلاطفه.
لذلك، احترسوا باستمرار، واضبطوا ملامحكم حينما تقابلون الأطفال احترسوا من جهة الانتهار والتوبيخ، لأن الملامح فيه لا تكون مريحة..
وصدّقوني، نفس الأمر يكون أيضًا في معاملة الكبار:
هم أيضًا يحتاجون إلى التعامل مع النفوس المريحة، فيريحهم كذلك شكل الإنسان وملامحه وأسلوب معاملته. وربما الواحد منهم يرى شخصًا لأول مرة فلا يستريح إليه بسبب تعبيرات وجهه، أو نبرة صوته وحدته، أو حركاته. وملامح ذلك الشخص توحي إليه بعدم الاطمئنان وعدم الثقة به..!
ويحدث هذا أيضًا في اختيار الأصدقاء: فهناك من تنجذب إليه وتشعر من أول لقاء، كما لو كنت تعرفه منذ زمان، بينما آخر تنفر منه تلقائيًا!!
نفس الكلام نقوله عن الأطباء:
هناك طبيب يستريح إليه المريض، في بشاشته من جهة، وفي شرحه للمرض وللعلاج من جهة أخرى. وأيضًا في ما يعطيه من بريق الأمل والرجاء مهما كان المرض خطيرًا. ويشعر المريض بالاطمئنان إلى أنه في يد أمينة مخلصه تعمل على الاهتمام بصحته، وأنه في رعاية طبية مع قلب عطوف..
وأيضًا نقول نفس الكلام عن المرشد الروحي:
المرشد المريح الذي يعرف نفسية وظروف من يطلب منه الإرشاد، ويعرف الحروب الروحية التي يتعرض لها. كما يدرك تمامًا ما هي الإرشادات التي يمكنه تنفيذها، وما مدى قدرته على السير في الحياة مع الله بطهارة وبرّ، ومقدار النعمة الممنوحة إليه... لذلك يقابله في حنو وإشفاق، مهما كانت خطاياه، ويقوده في التدرج الممكن حتى يصل...
وبهذا يفتح المسترشد قلبه، ويتكلم بصراحة، دون أن يخشى قسوة من المرشد أو انتهارًا له بسبب ضعفاته...
من صفات النفوس المريحة
الإنسان البشوش هو صاحب نفس مريحة:
طبيعة الناس أنهم يحبون البشاشة، ويستريحون إلى الوجه البشوش، الذي من فيض سلامه القلبي يفيض بالسلام وبالراحة على كل من يقابله...
البشاشة هي فرح ينتقل من نفس إلى نفس. لذلك فإن غالبية الناس يحبون النفوس المريحة التي تدخل البهجة إلى القلب. ومن هؤلاء: الفنانون المتخصصون في التمثيل الكوميدي، والفنانون ذوى المواهب في الرسم الكاريكاتوري characatures المصحوب بفكاهة لطيفة، طالما أن الفكاهة تكون بريئة ولطيفة ولا خطأ فيها...
ولأن البشاشة والفكاهة تريح النفس، لذلك فإن بعض المصورين قبل أن يلتقطوا الصورة يطلبون إلى الناس أن يبتسموا أولًا، لأن الوجه المبتسم يكون مريحًا لمن يراه.. على أن البعض -بطبيعتهم- لهم وجوه مبتسمة بشوشة في كل المناسبات. وهؤلاء لهم نفوس مريحة...
كذلك الإنسان الوديع الهادئ هو من النفوس المريحة:
إنه بهدوئه يُدخل الهدوء إلى قلب الآخرين. ومهما كانت الأمور صعبة، تعمل النفس الهادئة على تهوينها وتخفيف وقعها. وبهذا تريح الغير. وفي جو من الطمأنينة تبحث تلك الأمور معهم، لكيما تعمل في هدوء إلى حلّ..
وأيضًا الإنسان الوديع الهادئ هو إنسان مريح في معاملته. لأنه يأخذ الأمور ببساطة، فلا يُغضب أحدًا، ولا يغضب هو من أحد. بل يتعامل مع الكل في سهولة وبساطة ويسر. وهكذا لا تتعقد الأمور أبدًا في التعامل معه.
أيضًا المبشرون بالخير، هم من أصحاب النفوس المريحة:
إن الناس يسعدون بمن يبشرهم بخبر طيب... ويعتبرونه بشارة خير، ويرون كلامه فًالًا حسنًا.
إن الأخبار التي تنشر في الصحف، والتي تذاع من القنوات الفضائية، تختلف من واحدة إلى أخرى، فمنها ما تريح الناس بما تعلنه ومنهم ما تزعجهم وتخيفهم. وطوبى للمبشرين بالخير. لأنهم مريحون..
كذلك صانعو الخير هم من أصحاب النفوس المريحة:
وطبيعي أن الناس يستريحون لمن يعمل خيرًا معهم، ويحبونه. وهكذا فإن الذين يعملون على إنقاذ الآخرين، والذين يتصرفون بحنو وإخلاص في الجمعيات الخيرية، وكل من يتطوعون لإنقاذ الآخرين، ومن يتبرعون بدمائهم للمرضى في المستشفيات، كل أولئك وأمثالهم من النفوس المريحة...
النفوس غير المريحة
إنهم على أنواع كثيرة للأسف الشديد:
منهم أصحاب الدم الثقيل، غير المقبولين في كلامهم، ولا في تصرفاتهم ولا يستريح أحد إلى معاشرتهم ولا إلى الخلطة معهم. إنهم منفرون.
ومنهم أصحاب النفوس المتطفلة، الذين يحشرون أنفسهم فيما لا يعنيهم والذين لا يعترفون بخصوصيات أي إنسان وإن اقتربوا من أحد، يريدون أن يعرفوا ليس أخباره فقط، وإنما صميم أسراره. بل يسألونه أيضًا عما يريد أن يعمله وعن نواياه وأفكاره. وإن أحجم عن الإجابة، يتهمونه بعدم الإخلاص وعدم الحب وعدم الثقة بهم... إنهم نفوس غير مريحة.
ومن النفوس غير المريحة، أولئك الذين يتصفون بالإلحاح الشديد، غير مقدرين ظروف من يلحون عليه، ويضغطون على فكره وأعصابه. ويريدون بإلحاحهم أن يحصلوا على غرضهم والى الوصول إلى طلبهم، مهما تعب الذي يلحون عليه... إنهم نفوس غير مريحة.
ومن النفوس غير المريحة أيضًا: القوم المتشائمون، الذين ينظرون إلى الحال الراهن وإلى المستقبل بمنظار أسود قاتم, وينشرون ما عندهم من تشاؤم في كل موضع يكونون فيه. وحيثما يسيرون يصطحبون معهم النحس والشؤم. وكأنهم بوم ينعق... إنهم غير مريحين.
ومن النفوس غير المريحة, أولئك الذين يجادلون لمجرد حب الجدال. فلا يعتمدون على منطق, ولا يخضعون لكلام منطقي. ويصرّون على فكرهم بجدال هو مضيعة للوقت وتعب للأعصاب...
ومن النفوس غير المريحة: الأنانيون, والذين يطيلون الكلام في ثرثرة بدون معنى, والذين يتصفون بالنكد والوجوه المتجهمة باستمرار, والذين لا يبالون بغيرهم, والذين يتصفون بالبرود في معاملاتهم... وأمثال هؤلاء من أنواع أخرى.