?الله إختارنا من قبل إنشاء العالم بيسوع لنكون قديسين?
1. إختارنا من قبل إنشاء العالم، منذ البدء
2. إختارنا لنكون قديسين
3. إختارنا بابنه يسوع
4. هوَ الآب.
نحاول أن نفهم مَن هوَ هذا الذي لا يعرفه إلاّ الإبن ومَن أراد ألإبن أن يظهره له.
1- أختارنا:
إختارنا من البدء: عادة عندما نتكلّم عن موضوع الخلق،
عندما نقول أنّ الله خالق. مع الأسف نقع بإشكاليّة كبيرة جدّاً. فبدل أن
نربط الخلق بالله، نربط الله بالخلق. أي، أقول الكون رائع، جميل، منظّم،
دقيق، له غاية، فمثلاً لو كانت الشمس اقوى لماتت الأعشاب، لو كان الليل
أطول ل? أمثلة عديدة? إذاً ربطنا الله بالخلق، أي بدل القول
أن الخلق هو عطيّة الله للإنسان أقول، الخلق علامة وبرهان على وجود الله
وانطلاقاً من رغبتنا بتثبيت وجود الله جعلنا من الخلق وسائل نُشير إلى
الله، مع أنّ الله أراد للخلائق أن تكون للإنسان علامات حبّه ولا لتؤّكد
وجوده.
فلنعمل قراءة مسيحيّة أكثر ممّا هيَ فلسفيّة لعمل الخلق.
- لماذا تمّمَ الله عمل الخلق؟:
الله خلقَ لأنه اختارَ. لم اقل بعد اختارَنا. فعل
الإختيار الإلهي هوَ الذي حقّق فعل الخلق. لأنّه اختار أن يكون موجودات
قباله، خَلَقَ. أي بمجرّد أنّه قامَ بفعل الخلق، أي أنّه قرّر أن لا يكون
مكتفٍ بالعلاقة الثالوثيّة القائمة في ذاتها، مع أنّه مكتف، قرّر أن يكون
أحدٌ ما غريب عنه، يستطيع أن يقول له، انتَ، يدعوه، يتكلّم معه، يوافقه،
يعارضه? . إذاً، قرّرَ الله أن يكون قباله إنسان. وهنا أطرح علامة
استفهام صغيرة. مَنْ يقدر أن يكون مقابل الله غير الله؟ لا أحد. هنا نفتح
باب على اختيارنا بيسوع المسيح. إذاً عمل الخلق هوَ أولاً عمل اختيار.
ثانياً:
هوَ عمل حبّ. لأنّهُ لو كان عمل الخلق نابع من حاجة عند الله لكان امرٌ
آخر. لكن الله ليس بحاجة، لا لأن يُخدَم ولا لأن ينتقم ويتسلّط على أحد،
هو مكتفٍ بذاته وليس عنده أي مبرّر للخلق إلاّ الحب. إذاً فعل الخلق يدلّ
على إختيار وحبّ.
ثالثاً:
فعل الخلق يدل على مواجهة. مواجهة ليس بمعنى معركة، لكن بمعنى، انّكَ انتَ
وجهاً لوجه أمام الله. ليس وجهاً لوجه بما ستبلغ إليه، لكن وجهاً لوجه
بمعنى، بمجرّد عمل الخلق وبمجرّد أنّنا قلنا أنه عمل اختيار وحبّ وليس عمل
مَن هو بحاجة لأن يُخدَم ولا ان يكون حاكماً يتسلّط على أحد.
أنتَ بمواجهة معه أي أن الله قَبِلَ بأن يكون بحوار معك.
إذاً عمليّة الخلق، ليست أبداً
لتدلّ على قدرة الله، وكونه ضابط الكلّ، الغاية الأساسيّة ليست لتظهر
سيطرته على الدنيا، مع أنه مسيطرٌ فعلاً، وهنا كلمة ضابط الكل لها معنى
أنّه لن يمرّ احد خارج الحبّ، والكلّ تحتَ جناح الحبّ. كل إنسان محبوب،
وبمجرّد أن أقول محبوب، يكون مختار وإذاً انتَ في فكر الآب وقلب الآب، وفي
القرار ذاته، قرار الخلق، أي أنتَ مختار منذ الأزل. لم يختار الإنسان
لشكله أو لشيءٍ آخرَ فيه، أنتَ وُجِدْتَ لأنّهُ اختارَكَ. الله لم يختَر
أحد موجود، اختارَكَ وأوجَدَكَ. اختاركَ منذ إنشاء العالم بفعل الخلق
ذاته، وتحقّق هذا الخلق عمليّاً في الزمن. فنحن أتينا في القرن العشرون
واستمرّينا ألى الواحد والعشرين، ولكن لن نبقى اكثر?
عمل الخلق إذاً، هوَ أوّل علامة وأعظم علامة على أنّ الله اختارَنا وبحبّ لنكون بحوارٍ معهُ، ?أنتَ وأنا?.
2- إختارنا لنكون قديسين.
أو أختارنا للقداسة: إختارنا وخلقنا قديسين، ما معنى قدّيس.
نحن نستعمل كلمة ?مار? (مور) أي سيّد،
وهي مشاركة في حياة مَن هوَ ?الموريو? ?الكيريوس?
السيّد. وهذه الكلمة لم تستعمل إلاّ في الطقوس الشرقية السريانيّة، ثمّ
تحوّلت بعدها إلى العربيّة. لكن الكلمة الأعمّ والأشمل اليوم:
?القديس? (قاديشو).
ما هوَ القديس:
نحن بمجرّد أن نتكلّم عن القداسة، نتذكّر الله وإذا الله خلقكَ في مواجهة
معه، en face de Lui ، وإذا خلقك بحبّ، خلقكَ قدّيس، خلقَكَ مثله.
هذه الحقيقة بالذات، يعبّر عنها الكتاب المقدّس في رواية
الخلق، عندما يقول ?لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا?
ويتابع، ?وليتسلّط على?? . هذا يعني أنّهُ يريد أن
يتابع معي عمل الخلق ومغامرة الحبّ للنهاية.
بالأساس الله خلقنا قدّيسين.
ثم دخلت الخطيئة، لن ادخل اليوم بتفاصيل الخطيئة.
إذاً، نحنُ مشروع قداسة، ترميم، أو مشروع تعبئة الفراغ الذي
فينا. نحنُ فينا شوق للقداسة، ليس شوقاً لواجب نريد أن نعيشه، لكن شوق
لشيء فقدناه. عندنا شوق لأنّنا نعرف القداسة، منبعنا قدّوس وخُلِقْنا على
صورة هذا القدوس. وإنّ وصيّة ?كونوا قدّيسين?، ليست وصيّة
بمقدار ما هيَ تذكير. أي كونوا ما أرادكُم الله عليه، خلقكم الله عليه
أصلاً، لهذا الشوق للقداسة، يشتاق الإنسان لأنّ القداسة جزءٌ منه، هويّته،
ويعي لهذا أو لا يعي بمقدار معرفته ليسوع المسيح. ?إختارنا لنكون قديسين، لأنّنا أصلاً قدّيسون.?
3- إختارنا بيسوع المسيح:
أي إختارنا بابنه. لنعمل لاهوت كتابي. ?في
البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، والكلمة هوَ الله. هوَ في البدءِ
كان عند الله، به كان كلّ شيءٍ، وبغيرهِ ما كانَ شيءٌ ممّا
كانَ.?? (يو 1: 1-3..)، نصل إلى الآية 14: ?والكلمة
صارَ بشراً وحلَّ فينا?? عن أي كلمة يتكلّم يوحنّا؟ يوحنا
يتكلّم عن يسوع، لأنّه لا يعرف الكلمة الأزلي، ونحن ايضاً لا نعرف الكلمة
الأزلي، نتكلّم على الكلمة الذي صار بشراً. وبهذه الكلمة الذي صار بشراً
كان كلّ شيء. فكل عمل الخلق والإختيار كان بهذا الكلمة يسوع المسيح منذ
الأزل. إختيار الآب الأول هوَ يسوع ابنه، هذا الكلمة الذي صارَ بشراً.
كلّنا نحن مختارين بيسوع المسيح.
الله اختارنا بيسوع، وسفر التكوين قُرِأَ من خلال الآباء في
الكنيسة بهذا المعنى. قول الله الذي أوجدَ النور والذي فصل بين الجلد
والماء? هو بكلمته، بيسوع الله خلق وبيسوع الله اختارَ. وأنتَ
تستطيع أن تصير بمواجهة مع الآب من خلال مواجهة يسوع مع الآب? أنتَ
اصلاً قدّوس لأنّكَ اصلاً مختار بالمسيح يسوع.
أنتَ مشروع قداسة، لأنّ يسوع المسيح الذي انتَ أُخْتُرتَ به
حملَ خطيئتَكَ وصار خطيئة ولكن لم يُخطئ. أنتَ مُختار بيسوع المسيح وإذا
كنتَ مختار بيسوع فلا يمكن أن تكون إلاّ ابناً وبالتالي، هنا نصل إلى
النقطة الرابعة:
4- الله الذي لا تعرفه هوَ آبُ يسوع المسيح.
لأنّ إذا قلنا فقط هوَ آب، فمن الممكن أن نأخذ هذا بالمفهوم
المجازي، أي أنّه كونه خالق فهو آب. لا! هوَ أبانا كونه أب يسوع المسيح،
الآب لم يخلق يسوع المسيح، فيسوع (نقول في النؤمن) مولود غير مخلوق.
ونحن أبناء في الإبن الذي هوَ فعلاً إبن: إذاً نحنُ فعلاً أبناء وإن كانت بنوّتنا بالتبنّي?
التبنّي على الأرض يعطي أبوّة وبنوّة شرعية، ويرث الإبن ما
للأهل ولا يرث ما هم الأهل. بينما بالتبنّي الإلهي ترث ما لله وترث من
الله وتصير شريك فعلاً إذا صحّ التعبير في الحياة الجارية في الله.
ومَن يقول بعد، لما القدّاس؟ وما أبشع القول انّ القربان هوَ
مجرّد رمز. هل أنتَ تُشارك رمزيّاً بحياة الآب. لا! أنتَ تأكل على مائدة
الثالوث وانتَ تتعذّى إذا صحّ التعبير بحياة الثالوث.
إذاً هذا الإله الذي اختاركَ منذ الأزل، الذي اختاركَ بابنه هو أبوك.
ما معنى الأبوّة:
الله أبوك، بهذا المعنى ممكن أن نخطئ فمثلما ربطنا الله
بالخلق، ممكن أن نعمل الخطأ نفسه ونربط أبوّة الآب بأبوّتنا البشريّة.
أنتبهوا يسوع يدعونا لنصوّب أبوّتنا على صورة أبوّة الله. فهوَ يقول:
?مَن منكم إذا سأله ابنه رغيفاً اعطاهُ حجراً أو سأله سمكة أعطاه
حيّة، فإذا كنتم أنتم الأشرار تحسنون العطاء لأبنائكم، فكم بالأحرى ابوكم
الذي في السماوات يعطي الصالحات أو الروح القدس (حسب متى أو لوقا) للذين
يسألونه?.
أنتبهوا أنتم تعلّموا الأبوّة من أب يسوع المسيح.
الفكرة:
في النهاية هذا الأب يُطلع شمسه على الأخيار والأشرار، ويهطل غيثه على
الأبرار والفجّار?. هذا الأب لا يعامل أولاده بعاطفة لكن بحبّ
وبمجانيّة. حبُّهُ يقودُهُ وليست عاطفته ولا ينتظر إي إرضاء شخصي?
وبالمقابل نحن كبشر ننتظر إرضاء أنفسنا، حتى محبّتنا لأولادنا فيها مصلحة
شخصيّة، نضجٌ ما أعيشه، وهذا ايضاً مهمّ لكن انتبهوا حبّ الله شيءٌ آخر.
حرّروا عاطفتكم بحبّكم، تشبّهوا بأبوّة الآب لا لتقتلوا العاطفة لكن لا
تقتلوا الأبوّة والأمومة الحقيقييّن على حساب العاطفة.
ختام: إذا كنتُ أنا مختاراً منذ الأزل،
إذا كنتُ أنا مختاراً بحبّ
إذا كنتُ أنا مختاراً لأكون قديساً
إذا كنتُ أنا مختاراً بيسوع المسيح.
إذا كنتُ أنا ابناً للآب? ماذا يعني كل ذلك: أسئلة للعيش والتأملّ.
أسئلة:
1-أترذُلُ
نفسكَ بعدَ ان أختارَكَ الله؟ أتَكرَه ذاتَكَ وقدّ أحبّكَ
الله؟ أتيأس من ذاتِكَ وقد أعطاكَ الله من
قداسته؟ أتستقبح ذاتكَ وقد اختاركَ الآب بابنهِ الأوحد
والأجمل؟ هل تُهَمِّش ذاتكَ بعد أن جعلَكَ الآب ابناً ووارثاً؟
2- أنتَ تعمل، تتعب، تبني تغيّر? هل تنسى أو تذكر في كل ذلك أنّك شريك في عمل الخلق؟
3- بعد أن تأملتَ بالموضوع والأسئلة. ما
يكون جوابُكَ لو سُئلتَ: ?مَن
أنتَ?؟
وشكراً.