رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التمييز الروحي... مسيرة مستمرة 1- قراءة حياتنا على ضوء حضور الرب فيها: نؤمن أن الرب يسوع القائم من بين الأموات هو حي إلى اليوم. وهو، بالروح القدس، يحقق حضور الله معنا (عمانوئيل). ونلتجئ إليه عادة في وقت "الإنقباض" والشدة والتعب والمواقف الصعبة، ونحاول أن نستنبطه الحلول والمخارج، أو أقله نتعزى بحضوره، ولا شك أن هذا جيد، ولكن لا يكفي. هل نكون حاضرين له كما هو حاضر لنا، أم كما نريد أن يكون حاضراً لنا ؟ هل نعي حضوره في كافة لحظات حياتنا ودوريات اهتماماتنا ومواقفنا وآرائنا، في السلام كما في الضيق؟!.. كيف نعي ذلك؟.. أفي مراجعة الحياة اليومية؟ أم في الرياضات الدورية؟.. كثيراً ما كان القديسون يشاهدون مواقفاً في حياتهم كمواقف الإنجيل: فهنا مخلع بحاجة أن ينبش له سقف الإنانية، وهناك سامرية ستفيض منها ينابيع الصدق والأمانة، ذاك غني حزين، وهؤلاء يستقبلون دخول السيد كالأطفال، وحين يأكلون يشكرون كيف أفاض الرب خبز الحياة. وحين يشربون يتذكرون كيف عطش على الصليب، وقت العمل يتعبون كعامل الناصرة، ولا يبخلون على أنفسهم بساعات السهر والصلاة والصوم كما كان يفعل المعلم. هكذا يتأون الإنجيل في حياتنا، وهكذا نعيش حضور الرب. وكما تقول القديسة تيريزيا الأفيلية بعد أن تصف الرب بالحبيب: "إذ أن العاشق الحقيقي لايني يحب ويفكر بحبـيـبه حيثما وُجِد" ( التأسيسات 10/13). وهكذا مع التمرس نسير في تمييز مشيئة الله. 2- التمرس على "غذاء الكلمة": لا نستطيع اكتشاف حضور الرب في حياتنا ما لم نتمرس على منهجيته وأسلوبه في الاعتلان. والكتاب المقدس، وكذلك كتابات القديسين وسيرهم، أُسس نموذجية تُعرّفنا على كيفية هذا الحضور. فحين أقرأ نصاً مقدساً، بعد أن أفهم معانيه ومواقف شخصياته، وأدرس بيانه الأدبي، وأستفيد من شروحات المفسرين، وأتخيل أحداثه إن كان يروي ما يمكن تخيله... الخ، أعود إلى نفسي، وقد حلّ فيها الروح القدس بفعل سخاء الله وصلاتي، وأتسأل: هل أقرأ ما يشبه النص فيها؟ أين أجد الرب؟ هل يفعل في هذا الزمان كما فعل في ذلك الزمان؟.. ومعي بالذات؟! ما هو موقفي من ذلك؟ هل هناك روح شريرة تسلب مني مشيئته؟ أم إنني أُسقِط دوافعي الشخصية (خصوصاً اللاواعية) عليها؟ لا نخف كثيراً، إن الروح القدس، الذي ألهم من كتب النص المقدس، هو نفسه يرافقني في اكتشاف حضور الرب من خلاله.. لا تخف!! علينا أن نثق ونستلم لروح الرب الأقوى من أي تدخل. إن التمرس على غذاء الكلمة يخزن فينا شيئا فشيئاً روح التمييز. إن الإنسان من أجل حياة هذا الزمن يأكل ثلاثاً في اليوم، فكم ينبغي أن نأكل لحياة الزمن الآخر المنهمر منذ آننا نحو الأبد؟. 3- الانتباه الجيد والإصغاء الصحيح: حين نقرأ قصة المجوس، يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي: لماذا ميّز هؤلاء الغرباء، دون غيرهم، إن هناك "نجماً" يؤثر على "المولود الملك"؟ أليس لأنهم كانوا أساساً في حالة انتباه لحركة السماء؟ هكذا مشيئة الله، لا يمكن للإنسان أن يُميّزها ما لم يتدرب أساساً على الانتباه والملاحظة. خصوصاً أن الله لا يكشف مشيئته عادة بطريقة مباشرة، وذلك نظراً لعظمته تعالى التي تفوق إدراك الإنسان. وأيضاً لكي لا يستهتر بها، كما فعل هيرودوس في القصة السابقة. فمن يريد أن يُميّز مشيئة الله عليه أن ينتبه: "إن الله يتكلم في كل شيء". ولكن ليس كل ما نسمعه هو كلام الله. لذلك ينبغي أن نصغي بشكل صحيح. فهيرودس في المثال السابق طلب من المجوس أن يخبروه عن أمر المولود الملك ليقتله. ولكن صوته ليس صوت الخير بل صوت الشر الذي يلبس ثوب الخير، ثوب النور، حين يقول للمجوس إنه يريد أن يسجد له. هل ما ننتبه إليه نفهمه كما هو، أم كما نحن نريد؟ هل هناك أصوات كهيرودس علينا تمييزها ؟ إن الخراف الأمينة تميز صوت الراعي الصالح. لذلك نميّز مشيئة الله بمرافقة الكنيسة الساهرة على إعلان صوت راعيها من خلال كافة وسائلها، خصوصاً الصلاة وإعلان الكلمة والمرافقة والإرشاد. 4- القرار: من القواعد الذهبية في التمييز الروحي، بحسب القديس اغناطيوس، ألا يتخذ الإنسان قراراً، أو يغير اختياراً، في حالة عدم التعزية، أو عدم الاستقرار، أو اضطراب أو أزمة. فحالته هذه لا ترشده إلى الاختيار بموجب إرادة الله، التي تظهر دائماً في التعزية العميقة المستمرة. والقرار هنا ليس بالضرورة أن يكون من إرادة الإنسان: أن أعرف أن هذا ليس إرادتي، ولكن هذه مشيئة الله، فأنا فرح ومسرور!.. لا يعني ذلك أن إبليس لن يتدخل في تنفيذ القرار ويعكر صفو الإنسان. ولكن من قاده الله في تمييز قراره، يقوده أيضاً في تنفيذه بمرحلة جديدة من التمييز. لذلك نقول أن التمييز الروحي هو مسيرة مستمرة. |
|