رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التمييز الروحي في تقليد الكنيسة الآباء يعتبر آباء الصحراء، خصوصاً القديس أنطونيوس الكبير، "التمييز الروحي" أعظم الفضائل. حيث بواسطته تُنظّم الحياة الروحية. ولذلك يُميّز في أعمال الإنسان ثلاثة مستويات: 1- النعمة الإلهية، وهي التي تكشف مشيئة الله. 2- الأعمال الشريرة، وهي التي تتم بتأثير الشرير وفعله على الإنسان. 3- أعمال الإنسان الطبيعية، وهي غالباً ما تحيد، أما لصالح النعمة، أو لعبودية الشر. ويتحدث القديس ايرنيموس أيضاً مميزاً اختبارَين يعيشهما الإنسان: السلام الذي يخصب الفضائل بثمار الروح، والقلق الذي ينزع نقاوة القلب. فعلى الإنسان أن يختار العمل بمشيئة الله، لكي لا يبقى في ?فراغ?، إذ أن ?الشيطان يشغل الأيادي الفارغة?. ويُميّز القديس كاسيانوس عمل الشيطان حين يشعر الإنسان "بالعزلة المقرونة بالحزن واليأس". فمن يقول: "لا أحد يفهمني"، يكون في تلك العزلة كما يقول ايفاغريوس البنطي: "فالشيطان يفصل الإنسان عن جماعته، ليأسره في سجن نفسه المظلم". ويضع الآباء عدة مناهج للسلوك في التمييز الروحي. فيؤكد آباء ?العصر الذهبي? (القرن الرابع)، على أن الحياة الروحية هي حركة نمو مستمرة بين تآزر نعمة الله وعمل الإنسان (Synergie): "من يطلب يجد، ومن يسأل يعطى ومن يقرع يفتح له" (مت7/7). يقول القديس غريغوريوس النيصي: ?أن نجد الله هو أن نفتش عنه.. أن لا نرتوي من الشوق إليه?. ولا بدّ للإنسان من الاستعداد في تمييزه للعمل المشترك بينه وبين الله، فعليه أن يساهم في تحرره من أهوائه، فيتمرّس على التوبة المستمرة. والتوبة عند الآباء ليست الندامة وحسب، بل التغبير الجذري والمستمر: "فتبدلوا بتجديد عقولكم" (رو12/2)، هذا ما تدل عليه كلمة "ميتانيّا" اليونانية (Metanoïa)، يقول اسحق السرياني:" التوبة تليق دائماً، وتليق بالجميع، بالخاطئ والبار، إنها كمال المسيحي الأساسي.. فلا حدّ للكمال.. من يعرف (من يُميّز) خطاياه أعظم ممن يقيم الموتى". ويقول يوحنا السلمي: "النفس الغير المحرّكة بالتوبة غريبة عن النعمة". يؤكد الآباء أنه بعد أن يتحرّر الإنسان من الأهواء تتميّز فيه حالة من "صحو الذهن" أو "اللاهوى" (Apathia). حيث يستديم لديه "ذِكرُ الله"، فيعيش سلاماً حقيقياً، ويتدرج في مسيرة "التألّه" (Théosis)، بعد أن يكون قد تطهّر من أهوائه، واستنار بالروح القدس، وكأنه في حالة "انجذاب نحو الله" (Extasis). فتصبح حركة التمييز لديه حركة تلقائية، وتظهر شيئاً فشيئاً منبثقة كمشيئة الله. وللوصول إلى هذه الحالة لا يبرح الآباء يؤكدون على الكثير من التمرس في حياة الصلاة والتأمل في الكتاب المقدس والصوم وكل الإيقاعات الروحية، التي تساهم حقاً للنمو في حياة بالله. القديس اغناطيوس دي لويولا لقد ابتكر القديس اغناطيوس منهجاً وأسلوباً جديدين للتمرّس في التمييز الروحي وهو "الرياضات الروحية". والرياضات هي عبارة عن "تمارين" تأملية وضعت في الأساس لتكتشف لصاحبها عن مشيئة الله في اختيار الحياة الرهبانية أو العكوف عنها. وسرعان ما أصبحت "رياضات" تسعى بشكل مستمر لتمييز مشيئة الله في مختلف التزامات الحياة ومواقفها. والرياضة الروحية هي الخروج إلى البرية على غرار يسوع، الذي اقتاده الروح القدس إليها لينتصر على إبليس، وينطلق إلى حياته العلنية. ويقوم المتريض مدة أربعة أسابيع بتأملات ومشاهدات مأخوذة من سر التدبير الخلاصي، ويحاول أن يأوّنها في حياته لتظهر من خلال هذا التأوين مشيئة الله. ويتناوب لديه الشعور بـ"الانقباض" و"الإنبساط" مما يساهم في تجديد قواعد التمييز الروحي ليكون ?ممارسة حياة الإيمان المليئة بالرجاء?: ?إيمان متواضع وصبور، إيمان نشيط وحازم وباسل، إيمان يقظ?. ويساهم "التمييز الاغناطي" في تحديد دعوة الإنسان وتوجيه حياته الشخصية في البحث عن عناصر العمل الإلهي الثابت والحركات والدوافع الباطنية فيستطيع رسم الخط الثابت الذي يسير عليه الحضور الإلهي. وهذا الحضور يتجلى بمفاعيله أو ميزاته: السلام والفرح والإنسجام الباطني والشجاعة الباطنية وبعبارة أخرى: ثمار الروح فكل حرية بشرية بحسب التمييز الأغناطي لا يمكن فصلها عن إرادة الله فالاختيار ليس ما أُقرّه أنا أولاً بل هو وعيي، في حرية متزايدة لمشيئة الله الشخصية في شأني. إن التمييز الأغناطي هو دعوة "الانتباه" هذه. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
استنارة الذهن وزيادة التمييز الروحي |
التمييز الروحي القديس أنطونيوس الكبير |
التمييز الروحي... مسيرة مستمرة |
التمييز الروحي في الكتاب المقدس |
كتاب يوم الأحد فى تقليد الكنيسة القديم |