رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مسيح العالم كله - الأب متى المسكين فنبدأ رسالة الميلاد الجديد لهذا العام بأنشودة بولس الرسول، اللاهوتية في معناها، الإنسانية في معناها، ذات الشموخ الذي يمتد بمعرفتنا للمسيح، ليرسبوها علي قواعد جديدة عالية إلهية وإنسانية معاً، ممتدة حتي السماء وفي الأرض كلها، ولا حدود لإمتدادها. القديس بولس الرسول يتجاوز هنا في وصفه للمسيح كل معرفتنا التقليدية وألفاظنا المألوفة التي طالما تغنَّينا بها عن المسيح المولود في بيت لحم. كلمات الرسول هنا لازمة لنا هنا وفي هذه المناسبة لتهز أساسات التفكير المنطقي، ولتوقظ وعي الإنسان المسيحي، حتي يتعرف أكثر علي مسيحه المولود في بيت لحم، مسيح العالم كله!! الرسالة إلي كولوسي الأصحاح الأول من عدد 15-20: 15- "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليفة(1). 16- فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين(2) الكل به وقد خلق(3). 17- الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل(3). 18- وهو رأس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة بكر من الأموات(4) لكي يكون هو متقدماً في كل شيء. 19- لأنه فيه سر أن يحل كل الملء(5). 20- وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه(6) بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات". أفيقوا أيها السامعون، نحن هنا أمام أب البشرية كلها ورأسها الجديد، آدم الثاني الذي لا بداية أيام له ولا نهاية، الذي تحت أُبوَّته ينطوي آدم الأول وينحني مع كل ذريته، وكل الخلائق تستقي من حنان أُبوَّته حتي نهاية الدهور. لقد حان الوقت أن نتعرف علي مسيح العالم كله. كلنا عرفنا مسيح الاسرة الملتئمة حول أب تقي وأم تقية، كلنا عرفنا مسيح الجمعية ومسيح الكنيسة المجتمعة حول كاهن صالح. وقد حان الوقت أن نعرف مسيح الشارع، مسيح الناس، الناس كل الناس الذين عرفوه والذين لم يعرفوه، مسيح الأشرار والأبرار، الصالحين والطالحين، في كل مدينة وقرية، في كل شعب وأمة، في كل انحاء العالم... مسيح العالم كله. المسيح أكبر من ركن الصلاة في البيت، المسيح أكبر من صالة الجمعية وصحن الكنيسة والكنائس كلها. المسيح لا يرضي بأقل من العالم كله. - المسيح رفض أن يبقي سجين اسرة: "من هي أمي ومن هم إخوتي، ثم يمد يده نحو تلاميذه وقال ها أمي وإخوتي، لأن كل من يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو أخي واختي وأمي." (مت48:12و49) - المسيح رفض ان يكون سجين تلاميذه، وحِكراً علي تابعيه ومريديه: "يا معلم رأينا واحد يُخرج الشياطين باسمك فمنعناه لأنه ليس يتبع معنا. فقال له يسوع لا تمنعوه لأن من ليس علينا فهو معنا." (لو49:9) - المسيح رفض أن يكون سجين مبادئ وأفكار وآراء وأسماء: "كل واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لأبُلوس وانا لصفا وأنا للمسيح. هل انقسم المسيح؟ ألعل بولس صُلب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم؟" (1كو12:1و13) - المسيح رفض أن يبقي سجين أماكن ومقدسات: "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه. قال لها يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب... الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق..." (يو20:4-23) - المسيح رفض أن يبقي سجين شيعة أو طائفة، كما أوضح في مثل السامري الصالح. (لو30:10-36) - المسيح رفض أن يبقي سجين وطن أو شعب أو تخوم بلاد أو أجناس أو لون: "وتكنون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلي أقصي الأرض... اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم!!" (أع8:1، مت19:28) فالآن وقد عرفنا مسيح بيت لحم مسيح اليهودية وأورشليم، فهل آن الأوان أن نعرف مسيح بلاد الدنيا كلها؟ المسيح الكامل مسيح جميع الأمم بلا استثناء ولا تمييز ولا تحيُّز بين شيعة وأخري أو طائفة وأخري أو شعب أو تخوم أو أجناس أو ألوان؟ "حيث ليس يهودي ولا يوناني (اختلاف الأجناس) – ليس ختان وغرلة (اختلاف طقوس) – ليس بربري وسكيثي (اختلاف ثقافة وحضارة) – ليس عبد وحر (اختلاف اجتماعي وطبقي) – ليس ذكر وانثي (اختلاف جنسي) – بل المسيح الكل في الكل." (كو11:3) مسيح العالم كله وُلد من أجل العالم كله لأنه أحب العالم كله، ومن أجل كل العالم سفك دمه: "وهو كفارة ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يو2:2)، فدمه لا يمكن أن يساوي أقل من العالم كله. فلماذا نحصر حب المسيح ونكتمه، ونحكم أنه لا يكفي إلا لنا ولمن يتبعنا فقط؟ لماذا نحتكر دم المسيح لأنفسنا فقط، ونمنعه عن الآخرين الذين لا يتبعوننا وكأننا اشتريناه بتقوانا أو بمبادئنا وحكمتنا؟ لماذا نري خطايانا تُغتسل في دم المسيح مجاناً وبسهولة، وننكر علي الآخرين باعتداد وعناد هذا الإغتسال والتطهير؟ مع أن المسيح لم يجعلنا قوَّامين علي شرف دمه ولا نحن اكثر من مغتسلين، والدم قيل عنه بصراحة شديدة وضوح كافي أنه كفارة "ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كعالم ايضاً." (1يو2:2) لقد عرفنا مسيح المعتبرين أنهم "بنو الملكوت"، المدعوون الرسميون لعشاء المسيح، وفَعَله الساعة الأولي من الصباح؛ وعرفنا مسيح "الكاتشيزم" والنصوص والقوانين والحدود الموضوعة. فهل آن الأوان أن نعرف أيضاً مسيح جهلة العالم والمتجاهلين من شعوب الأرض والتائهين في شوارع الدينا والأزقة وليس لهم من حدود أو قيود وليس من يذكرهم أو يردهم؟ هل آن الأوان أن نعرف مسيح الماديين والملحدين والمستهترين من شباب الدنيا الذين لما لم يجدوا مسيحهم في كنيسة أو في أب صالح أو قدوة طيبة، المسيح الطيب الذي يحيا لهم وبينهم ويحمل خطبتهم، أخذوا يبحثون في الطبيعة أو في الغريزة أو المخدر علَّهم يجدون سلامهم المفقود! هل آن الأوان أن نعرف مسيح هؤلاء وأولئك، المسيح المتألم المرفوض والمهان، التائه في شوارع المدينة وأزقَّتها: "اخرج عاجلاً إلي شوارع المدينة وأزقتها وأدخل إلي هنا المساكين والجذع والعُرج والعُمي..." (لو21:14)؛ مسيح المرفوضين بمقتضي القوانين والأنظمة والتشريعات والمعتبرين أنهم خارج الحدود وخارج السياجات: "اخرج غلي الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتي يمتلئ بيتي." (لو23:14)؛ مسيح العشارين والزواني: "إن العشارين والزواني يسبقونكم إلي ملكوت الله." (مت31:21)؛ مسيح الأشرار والصالحين: "فاذهبوا غلي مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه إلي العرس. فخرج أولئك العبيد إلي الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين. فامتلأ العرس من المتكئين." (مت9:22و10)؛ مسيح الخطاة: "إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ." (لو7:19). هل آن الأوان أن نئن علي بقية أعضاء المسيح المهانة المفضوحة في أنحاء العالم كله، التي عرَّتها الخطيئة وعرَّاها الظلم وعرَّاها العقل البشري، فتبرأت منها الكنيسة مع أنها جزء من الكنيسة لأنها رسالتها رضيت أو لم ترضَ، فهي جزء من المسيح لا يمكن أن يستحي به أو يتخلى عنه لأنه جزء من آلامه ومن صليبه ومن مجده!! هل آن الأوان أن نستكمل معرفتنا بشكل المسيح الحقيقي الذي يجمع كل هذه البشرية في نفسه وبالأخص هذا الجزء منه، القبيح في نظرنا، المستهتر والنجس والشنيع في أعيننا، الذي به وبالرغم من وجوده يبقي المسيح جميلاً كمل هو، طاهراً كما هو، قدوساً بلا عيب!! ألم يُصلب من أجل الكل؟ ألم يحمل خطايا العام كله "في جسده علي الخشبة." (1بط24:2)؟ ألم يغسل خطية العالم كله بدمه لما تخضب به جسده، وجسده نحن والبشرية كلها؟ "ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا." (رو8:5) فالصليب سابق لوجودنا، سابق لإيماننا، والدم الذي سُفك ثمناً لفداء الجميع قد دُفع كله مقدماً قبل أن يدركه أحد وقبل أن يطالَب به إنسان!! +++ فالآن إن كنا نؤمن بالمسيح الكامل، مسيح العالم كله، آدم الثاني، أبو البشرية الجديد، الذي تبني طبيعة الإنسان عامة لتكون له خاصة، فوُلد بها ليعلن فيها نفسه، وذُبح بها ليقدسها ويقدمها ذبيحة للآب، فصارت بواسطته خليقة جديدة، متبنَّاة، مصالحة مقبولة أمام الآب، وصار هو بها مسيح العالم كله، مسيح الطبيعة البشرية قاطبة الذي "شاء الله أن يحل به الملء كله وبه شاء أن يصالح كل موجود" (راجعكو19:1و20). إن كنا نؤمن به كذلك ونؤمن أننا به متحدون، فقد اصبحنا مسئولين بمقتضي إيماننا هذا عن وحدة الطبيعة البشرية التي في المسيح بكل شعوبها واجناسها ولغاتها وأديانها وعقائدها وطوائفها، مسئولين عن وحدتها داخل قلوبنا، داخل شعورنا وإيماننا وثقتنا، داخل وجودنا وكياننا المسيحي، هذا إن كان حقاً في المسيح، والمسيح فينا. نحن لا يهمنا موقف هؤلاء الناس من المسيح، ولكن الذي يهمنا هو موقف المسيح منهم، لأن مثله تماماً ينبغي أن نكون نحن أيضاً، لأننا به متحدون!! فالمسيح مصلوب من أجل كل إنسان وبالتالي من اجل العالم كله، ونحن "مصلوبون مع المسيح" ينبغي أن نكون كذلك مصلوبين معه من أجل كل إنسان مهما كان موقفه من المسيح ومن، وبالتالي من أجل العالم كله! المسيح مات بيد جماعة أظهروا نحوه عداوة قاتلة وابغضوه حتي الموت، ولكن المسيح لم يبغضهم لأنهم جزء منه، لذلك فرح أن يموت عنهم ليفديهم ويفدي العالم كله من الموت ومن لعنة العداوة والبغضة القاتلة!! هذه كانت ولا تزال أعلي درجة في مفهوم المحبة العملية نحو العالم، وأعظم وسيلة لجمع البشرية المتفرقة إلي واحد. موت المسيح بيد أعداء له راضياً ومن أجلهم كان ذروة الكرازة بمحبة الله، لأن بموته امتص سم العداوة وغسل خطية العالم. والآن كرازتنا للعالم ستبقي عاجزة وغير ذات قوة إلي اللحظة التي فيها نقبل أن نموت ويُسفك دمنا مع دم المسيح، لا عن أحبائنا بل عن أعدائنا والغرباء عنا وعن عقيدتنا، وعن كل الذين يبغضوننا وكل العالم. وبذلك نشترك مع المسيح مجدداً في الموت عن العالم كل يوم، لقتل العداوة وكسر شوكة الخطيئة وجمع المتفرقين إلي واحد: "من أجلك (ومعك) نُمات كل النهار وقد حُسبنا كغنم ذبائح." (رو36:8)! هذه هي ذروة الكرازة بمسيح العالم كله لوحدة شعوب العالم وأجناسه. وهذه هي رسالة المسيحية الأولي والعظمي في العالم: أن نموت من أجل العالم بلا تمييز بين إنسان وإنسان. هذه هي الرسالة التي ظلت متعطلة ومحبوسة في إطارات حديدية من الأنانية والطائفية والعنصرية والتعصب للأجناس والأديان والعقائد. +++ كل سنة كنا نعيَّد لميلاد المسيح، ولكنه كان حتي الآن مسيح الاسرة، مسيح العقيدة المنحصرة في ذاتها، مسيح الفضلاء والأتقياء، مسيح ذوي البشرة البيضاء. فهل أن الأوان يا إخوة أن نعيَّد لميلاد مسيح كل العالم؟ مسيح كل عشيرة تسمي علي الأرض وفي السماء من كل أمة ولسان وبشرة سوداء وصفراء ومراء؟ مسيح كل من ينادي باسم الرب ولو لم يعرفه؟ مسيح مساكين الأرض الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم؟ مسيح خراف العالم الضالة والمشردين شباباً وشابات؟ مسيح الخطاة والعشارين والزواني وكل الجالسين في الظلمة وظلال الموت ترقبون إشراق نور الخلاص؟ فهذا هو المسيح الحقيقي الذي وُلد في بيت لحم وصُلب فوق الجلجثة، مسيح العالم كله. _________ (1) أي المولود غير المخلوق، قبل الخلائق وأعظم منها جميعاً بما فيها رتب الملائكة جميعاً. (2) أسماء الرتب الملائكية. (3) كل خليقة تستمد وجودها وبقاءها من المسيح. وفي المسيح ينتهي القصد من خلقتها، فهو المبدأ والنهاية، العلة والغاية لكل حياة ونظام. (4) أي مبدأ الحياة الأبدية وسببها هو أول من قام ولا قيامة إلا به. (5) بمعنى ملء اللاهوت الذي حل في الجسد. (6) أي أكمل الصلح والانسجام بين الخلائق معاً، وبين الخلائق والله، فقد صالح السمائيين مع الأرضيين، وصالح السمائيين والأرضيين مع الله، وهذه المصالحة إجمالية تشمل الطبائع والأجناس تمهيداً للمصالحة الفردية التي ينبغي أن تتم بطاعة كل فرد للمسيح واغتساله بالدم، دم الفداء والتكفير والتطهير. كتاب الوحدة المسيحية في ضوء معني الكنيسة وحقيقة المسيح - الأب متي المسكين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مؤلفات الأب متي المسكين |
من صلوات الأب متي المسكين |
كنا نسأل _ الأب متى المسكين |
مسيح العالم كله ولد من أجل العالم كله لأنه أحب العالم كله-الأب متى المسكين |
الأب متى المسكين |