رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحب الإلهيّ والشوق الإنسانـيّ المتروبوليت بولس متروبوليت حلب والاسكندرونوتوابعهما "فتقدّم مسرعاً وصعد إلى جمّيزة لينظر يسوع" الحدث الإنجيليّ يُظهر لنا مشهداً تبرز فيه، وسط ذلك الجمهور الكبير، شخصيتان فقط، المسيح وزكا. لقد التقى زكّا المسيحَ في أريحا كلقاء الظلمة بالنور، لأن زكاّ كان نقيضاً ليسوع. السؤال إذن هو: كيف تم لقاء إنسان كزكّا بالمسيح؟ للإجابة على السؤال، ينبغي أن نعرف من هو زكّا، ومن هو المسيح بالنسبة إليه؟ فأولاً من هو زكا؟ إنّه رئيس العشَّارين. والعشَّارون في زمن الكتاب هم جباة العُشر. لذلك قامت مصلحتهم على المبالغة في تقدير أرزاق الناس، واغتصاب خيراتهم من ناحية، وعلى القيام بدور "العميل" أمام السلطات المستعمِرة. ولهذين السببين كانت كلمة عشَّار تعني لأناس ذلك الزمان: "الخاطئ". وهذه الصورة الموجزة تكفي لإعطائنا فكرة عن موقع العشَّار اجتماعياً. فكيف الحال إذن، عندما نتحدث عن رئيس العشَّارين؟ مفاد القول أنَّ هذا الإنسان كان يرى حياته في امتصاص حياة الآخرين. وثانياً، من هو يسوع بالنسبة لزكّا؟ لم يكنْ زكّا من تلاميذ يسوع ولا من جماعة الفرّيسيين كي يسمع الكثير عنه، ولكن من الواضح أنَّ زكا كان يسمع عن المسيح ما يكفي ليعرف أنَّ يسوع هذا مُحِبّ للخطأة، خادم، يأكل مع العشَّارين، رجل يحمل أوجاع البشر، رجل قدرة، وأنَّ كلامه ليس ككلام سائر الناس. ولا بدّ أيضاً أنّه سمع كيف أعاد يسوع البصر لأعين أعميَين قبل قليل، عند مدخل أريحا. لقد هزَّ هذا الرجلُ، يسوعُ، كيانَ زكا. كانت حياة زكا تقوم على السلب، والآن تتحداه شهرة إنسان يحيا على البذل. ربّما لم يكن زكا يتخيل يوماً أنَّ مبدأه في الحياة خاطئ، ولربّما كان يبدو له أيضاً أنّه من المستحيل أن يحيا الإنسان بالإيمان وليس بالاستغلال. بماذا كان يستطيع زكا أن يُلقّب المسيح؟ هذا ما نعانيه نحن كلّ يوم، ما هي التضحية، المحبّة، البذل، الخدمة، الموت من أجل الآخر؟ هل هذه كلّها مُثُلٌ أم بلاهة؟ هل هناك إنسان بهذه المُثل؟ إذا كان الجواب لا، فإنَّ كلّ الرذائل وما هو عكس هذه الفضائل، هو ناموس الطبيعة. وإذا وُجِدَ ولو إنسان واحدُ يطبق هذه الفضائل فإنَّ مثل هذا الإنسان نور، لا بل هو توبيخ وتحدٍّ... هكذا دخل يسوع، رجل هذه المُثل، وكأنه يُحْذي في زكا مثالاً قد مات، أو أنّه يُقيم ناموساً كان قد دُفن أو رُدم... دخل يسوع إذن فاتحاً، ليس إلى أريحا وحسب، وإنّما إلى قلب زكا. ودخول يسوع هذا هزَّ كيان زكا من الداخل كما يفجّر النورُ ديجورَ الظلام. حقاً إنَّ الإنسان يستطيع أن يكون غير ما اعتاد عليه؛ إذن النور موجود حقاً، ويستطيع الإنسان أن يحيا بالإيمان، هوَذا يسوع! هذه كانت أفكار زكا عندما واجه يسوع! كان زكا يجهل أنَّ ذلك كلّه ممكن، لذا فقد عاش في الظلام. ولا أحد يحبّ الظلمة إلاَّ لأنّه يجهل خبرة النور. لا أحد يقبَل أن يحيا في العتمة إلاَّ لأنه يؤمن أن النور لا يشرق. لا يحبّ أحد الاستغلال إلاَّ لأنَّه يجهل خبرة الخدمة كحياة! قلب الإنسان متعطش دائماً للحق ويتوق إلى النور. ولا يخطئ الإنسان إلاَّ لأنَّه يجهل حقيقته. إذن هناك عاملان حقّقا لقاء زكا بيسوع، فقادا إلى تحوله الجذري: الأوّل هو صدق زكا مع ذاته، وقبوله أن يخرج من عالمه ليرى إن كان هناك من عالم آخر موجود بالفعل! حين أراد أن يعرف من هو هذا الغريب! لقد راجع زكا حساباته الخاصّة، وعندما سمع بالنور، رفض البقاء على إيمانه السابق بأنَّ الظلمة هي الحياة! هل تطلب الظلمةُ النورَ؟ إنّ أكثر البقاع عطشاً للنور هي بقعة الظلام. ولكن من أين لها بالنور طالما أنّها تجهله؟ إذن فقد قبل زكا أن يختبر العالم الآخر، أن يخرج عن مألوفه القديم وأن يرى ويتطلع إلى الجديد. والعامل الثاني، وهو الأهم، أنَّ يسوع هذا لم يكن غريباً عنه رغم جهل زكا به! لقد ناداه يسوع باسمه كحبيبٍ: "يا زكا"! لم يكن زكا إلاَّ مطلوباً من يسوع. لما رغب زكا في أن يرى من هو يسوع أدركَ أن يسوع هو منْ يرغب به أكثر! الاسم، في الكتاب المقدس، خاصةً، يفيد المعرفة. فلما نادى يسوعُ زكا باسمه، أظهر له كم كان يحبّه ويعرفه، أي ينتظره. هذه هي عظمة اللقاء بيسوع وهذا هو سرّه. إنّه يقوم على عاملين: الأوّل هو أن نغيِّر حساباتنا على ضوء إطلالاتنا على يسوع حين نصعد على جميزة ما، نرى منها وجهه، ونتأكد أنّ حياة النور واقع. فالإنجيل هو جميزة، والعظة لون آخر لها، أخي الفقير جميزة أخرى، وما أكثر مثل هذه الجميزات... والعامل الثاني، أننا حين نتأكد ونؤمن أن الحياة هي في يسوع نعرف أنّه يحبّنا، وأننا حتّى ولو كنا نحيا كأبناءِ ظلمةٍ فنحن مطلوبون منه لأننا في الأصل أولاد النور. نطلّ على وجه يسوع من المطالعة، من الصلاة، من الخدمة، من التزام شؤون الإخوة، من عذابات الإنسان المعاصر، لنعرف أنَّ حياة النور هي الحياة الحقيقيّة، وأنَّ مسيرة الفداء تستحق أن نكون من خدامها. إنَّ أحَدَ زكا هو حلقة الوصل بين أعياد الظهور الإلهيّ وفترة الصوم الكبير؛ بين ظهور الله وبين التوبة، بين الله الآتي، وبين الإنسان الراغب به. هلمّ نسرع فننـزل بواسطة هذه الوسائط، والجميزات كلها لأنّه ينبغي ليسوع أن يمكث اليوم عندنا. آميــن |
|