رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العبادة الحقّ وأشباه باعة الحمام!
ويكلّمك ربّك باللغة التي تفهمها، لا لغة الكلام وحسب بل لغة الكيان. فكرك، شعورك، ما تعمل. هو ربُّك، يأتيك أولاً. أنت لست المبادر مهما سموت ومهما شففت ومهما تذاكيت. هو المبادر لا أنت. الناس، بدءاً، ينظّرون، يتكهّنون، يتصوّرون، لكنّهم لا يعرفون. هو الذي به نأتي إلى الآب السماوي، يسوع. "لا أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي". لذلك يعرفنا يسوع بدقة ما بعدها دقّة. أكثر، بما لا يقاس، مما نعرف أنفسنا. ليس هو، إذاً، عن أحد بعيداً أو غريباً. يعرفنا، كما نحن، تماماً وقد اتّخذَنا لأنّه يرغب في أن نعرفه نحن كما هو. فإن لم يكلّمنا بلغتنا، بما نحن عليه، ما أمكننا أن نكلِّمه بلغة الحضور الذي يبثّنا إيّاه، حضورِه فينا. طبعاً ليس كل ما نفعله أو نفكّر فيه أو نحسّ به يفعله هو أو يفكّر فيه أو يحسّ به. هذا لأنّ كثيراً مما فينا ليس من طبيعتنا. أن تقتل أو أن تسرق أو أن تزني، مثلاً، ليس من طبيعتك. هذا طارئ عليك. حالٌ مَرَضيّة. طبيعتك، والحال هذه، اعتورها العطَب. استوطنتها فيروسات نسمّيها في الأدب المسيحي "أهواء". وكما تظهر الفيروسات في عوارضها، كالحرارة وأوجاع المفاصل والإسهال وما شابه، كذلك تظهر "الأهواء" في عوارضها، في أفكار الحسد والزنى والكبرياء والمجد الباطل والبخل والشراهة وما إليها. هذه تأتيك، بدءاً، حركة وشعوراً وتصوّرات في الكيان، فإن اقتبلتَها استحالت خطايا. هذه وتلك لم ولا يكلّمك بها يسوع لأنّها ليست منك. ولا يعرفها لأنّها ليست من طبيعتك التي أبدعك عليها كما قلتُ. فقط ما هو من أصالتك كإنسان يكلّمك به ولا يترك شيئاً فيك إلاّ يقدّم لك نفسه به. إذا لم تكن لتفهم فهذا لأنّك تكون مبتلَعاً من أهوائك، مستلَباً من خطاياك. الأصالة التي يُفترض بها أن تكون لك كإنسان تمسي مزغولة. إحساسك العميق بالأصالة يكون ضامراً. فلا يقولن أحد إنّه غير معروف من ربّه، بل ربّنا أقرب إلينا من حبل الوريد. نحن الذين لا نعرفه لأنّ أهواءنا تجعلنا ننصرف عنه. وهذا يجعلنا، في الحقيقة، غرباء لا عنه وحسب بل عن أنفسنا أولاً. "طالت غربتي على نفسي" كما يشتكي المرنّم في المزامير. معاناتنا أنّنا اعتدنا ذواتنا في الاعتلال حتى بتنا نعتبر العلّة كَمِن الله. في ظنّنا أنّ الله خلقنا في المعطوبية فيما خلق، في الحقيقة، كل شيء حسناً. يسوع، في المبدأ، في متناول كل إنسان. طالما تجسّد فقد صار، كيانياً، في المدار الداخلي للناس أجمعين. يكفي الإنسان أن يكون سليم النيّة، مستقيم القلب، حتى يصير مهيّئاً لتجلّي يسوع في حياته. ليس أحد منسياً، لا ولا واحد. المهم ألا يكون المرء معانداً في الباطل. المهم ألا يكون مستسلماً لأهوائه. إن كان لطيفاً ودوداً في امتداده صوب الآخرين، إن كان محبّاً للحقّ، فرحاً به، ساعياً إليه، منفتحاً عليه، إن كان مستعداً لأن يعترف بخطئه، لأن يغفر، لأن يسأل المغفرة، فلا يمكن إلاّ أن يستقر عليه روح الربّ. صحيح أنّ الناس، في شرع الله، بالناس يُصْلَحون، صحيح أنّ أهل الإيمان بيسوع مكلَّفون بالكرازة بكلمة الحياة، بإنجيل الحقّ، لكن الصحيح أيضاً أنّه "بدوني [أي بدون السيّد] لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً". فـ "إن لم يبنِ الربّ البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون". إن لم يهيِّء الربّ القلوب والظروف والأحوال فعبثاً يتعب المرسَلون. وبالعكس حيث لا رسول فلا خوف على أحد ألا تصله الكلمة إن كان مستعداً لتقبّلها. شوق الأرض إلى المطر يستدعيه. الأذن المستعدة للسماع لا يتركها السيّد من غير متكلِّم. هو يدبِّر كل شيء. هو يوفد الرسل في الوقت المناسب والمكان المناسب. لا الرسل فقط بل الملائكة أيضاً متى دعت الحاجة. إذاً لا حجة لأحد في أن الكلمة لم تصل إليه ولا خوف ، بالناس ومن دون الناس. حاله الكيانية تكذّبه في يوم الدينونة أنّه لم يكن راغباً في الكلمة، مستعداً لتقبّلها، لذا لم تأته، لأنّ القائل "لا تلقوا درركم قدّام الخنازير" هو العارف بمكنونات القلوب وهو الممسك كلمته عمن يتمسّكون بخنزيرية المسرى. المسألة أولاً وأخيراً ليست في يد الناس بل في يد سيّد الناس، والناسُ لديه ملائكة يرسلهم إلى حيثما يشاء قصده. ليس أحدٌ أصيل يذهب من نفسه بل ذوو الأصالة كإشعياء يكونون. هذا أتاه السؤال: "مَن أُرسل ومَن يذهب من أجلنا" (6: 8) فقال إشعياء: "هاءنذا أرسلني"، فناداه السيّد: "اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً...". ليس أحد يذهب عن السيّد لأنّ السيّد ليس بغائب. لذا يذهب بروحه معه. يكون له الملاك لساناً. هذه طغمة المرسَلين أو يوجدون دخلاء مفترين على الاسم الحسن. هؤلاء ولو أثمروا في الظاهر واجتذبوا أقواماً فثمرهم لا يدوم لأنّ بركة العليّ ليست فيهم. وما يأتونه لمجدهم والافتخار بأجساد الناس يأتونه. لذا كان كل عمل لأجل الله نابعاً من إيعاز من الروح القدس. وهذا لا يتيسّر إلاّ للذين صفت نفوسهم وتنقّت دواخلهم وصاروا لكلمة الله فيهم سمّاعاً صاغرين. حامل الكلمة نبيّاً يكون أو ذا لغوٍ لا يعرف عما يتكلّم ولا لمَن يشهد. وأنت إن لم تكن من ربّك، ولو ظننت أنّك منه، عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة، فإن جهدك، في نهاية المطاف، مصبّه عدو الخير لأن "مَن ليس معي فهو عليّ، ومَن لا يجمع معي فهو يفرّق"؛ أجل، معي لا عنّي! كم من حوار يجري ومؤتمر يُعقد باسم الله ولا يكون من الله، ولا يُشهد له فيه. بِيُسرٍ يتكلّم الكثيرون من بنات عقولهم عن الله وليس الله فيهم لأنّهم يتكلّمون من غبش نفوسهم لا من نور الله. هؤلاء نفسانيون جسدانيون، يحوّلون كلام الله إلى تجارة يبيعون فيها ما لله ويشترون. يدغدغون الأسماع ويُسَرُّون بصناعات أقلامهم وإفرازات أدمغتهم ولا يبنون أحداً ولا تأتي أقوالهم بأحد إلى توبة صدوق ولا تؤول أحاديثهم إلى خلاص. الكلمة شأن خطير! إن لم تبنِ هدمتَ وإن لم تُرشدْ أضللتَ. لا نؤخذَن بصورة الكلام ورنّته. هذه كثيراً ما تبدو على غير حقيقتها وترمي إلى غير مدارها الإلهي المزعوم. خذها قاعدة ما لا يبثّ فيك التوبة والخشعة واتضاع القلب وفرحاً هادئاً عميقاً وتمجيداً لله هذا يكون لغواً من نفسٍ لا تشاء أن يتكلّم الروح فيها بل تتكلّم من ذاتها وتجيِّر الروح لمراميها. هذه تَضِلّ وتُضلّل باسم الله. أما الذين يسيرون في نقاوة القلب فنور الله يجعلهم أبصرَ بصيراً. يعرفون من أين أتوا وإلى أين يذهبون. ولهم في أنفسهم يقين. يرعون نفوس العباد على الخلاص ولا يتركون لأهوائهم أن تعبث بهم وبها على غير هدى في ظلمة أهوائهم. القدّيسون يقودون المسير ويؤمّون العبادة في الهيكل لا تجّار الكلام وصيارفة النظريّات! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من هم باعة الحمام |
النوع الثاني من العبادة النسبيّة هي العبادة المقدمّة للأشياء |
روحانية العبادة لكي يختبر الإنسان مقدار درجته في العبادة |
الحقّ الحقّ أقول لكم |
علمنى يسوع أن اطرد باعة الحمام |