رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 138 (137 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
التسبيح وقت الضيق صور لنا المزمور السابق المسبيين وهم جالسون عند أنهار بابل، يملأ الحزن قلوبهم. لذلك علقوا قيثارتهم على أشجار الصفصاف العقيمة، إذ لا مجال للتسبيح ماداموا في أرض السبي، محرومين من التمتع بمدينة الله أورشليم، وهيكل الله. الآن في هذا المزمور يقدم لنا المرتل صورة مبهجة، للإنسان الذي يشعر بالحضرة الإلهية، محمولًا على الأذرع الأبدية وسط الضيق. كثيرًا ما يظن الإنسان أن الضيق ينزع عن الإنسان روح التسبيح. غير أن خبرة رجال الله في العهدين على خلاف هذا، فإنه وإن لازم الضيق نوعًا من القلق أو الخوف أو الحزن، لكن إذ يركز المؤمن عينيه على مخلصه وعلى مواعيده الأمينة، سرعان ما تنفتح على محبة الله، وتمتلئ أعماقه بالتعزيات الإلهية، فلا يعوقه الضيق عن التسبيح. جاء العنوان "لداود"، وتساءل البعض كيف يمكن أن يكون الكاتب داود في وقتٍ لم يكن بعد قد بني هيكل سليمان. غير أن كلمة "هيكل" يُمكن أيضًا أن تُطلق على خيمة الاجتماع قبل بناء الهيكل. يقدم لنا المرتل صورة حيَّة عملية عن بركات الضيق في حياة المؤمن: 1. يعيننا الضيق على الصلاة والتسبيح [1-3]. 2. الضيق لا يعوقنا عن الشهادة لمخلصنا [4-6]. ربما كان داود النبي وسط الوثنيين، ويلتقي بملوك وعظماء أثناء التسبيح بهذا المزمور. فقد حرص أن يوجّه حتى الوثنيين نحو التسبيح لله. 3. الضيق هو الطريق للتمتع بالإنجيل [7]، فيختبر المؤمن الحياة في المسيح يسوع، والنصرة على عدو الخير. 4. الضيق يفتح أعيننا على مراحم الرب [8]، فنراه محاميًا عنا، وملجأ لنا. يرى بعض الدارسين أن المزمور يحمل نغمة الشكر وروح العرفان بالجميل لله، قدمه المرتل بعد شفائه من مرضٍ أو ضيقة شخصية [3، 7]. الكاتب شخص يمثل الشعب كله، قد يكون ملكًا أو رئيس الكهنة. 1. شكر وحمد من أجل خلاص إلهي 1-5. 2. الله الديان منقذ مؤمنيه 6-8. من وحي المزمور 138 [FONT=""]العنوان[/FONT] لِدَاوُدَ [FONT=""]1. شكر وحمد من أجل خلاص إلهي[/FONT] أَحْمَدُكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ [1]. تتسم شخصية داود أنه دائم الشكر، ليس فقط عندما يستجيب الله لصلاته، وإنما وهو بعد في الضيق. إنه لا يلتجئ إلى الصلاة فحسب عند وقت الضيق، إنما يمزج صلواته بالتسبيح. يشعر دومًا أنه في حماية مخلصه. لا يعرف قلبه الناري سوى الشكر والتسبيح، وكأنه قد كرس كل طاقاته لهذا العمل السماوي المقدس. يرنم المرتل هنا باسم الكنيسة كلها، فهي تعبد الرب في وحدة وتناغم كما لو كانت شخصًا واحدًا. وكأن المتحدث هنا هو الكنيسة التي تضم المؤمنين ومعهم السمائيين. يرى البعض أن "الآلهة" هنا يُقصد بهم الملوك والقادة العظماء. لم يكن يخجل من أن يشكر الله ويسبحه قدامهم. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "أعترف لك يا رب من كل قلبي. لأنك استمعت كل كلمات فمي. أمام الملائكة أرتل لك. وأسجد قدام هيكلك المقدس". يترجمها البعض: "قدام الملائكة أرنم لك بالمزامير"، فإنه ليس مخفيًا عنا أن الملائكة تحوط بمختاري الله، وتفرح وتتهلل عندما تجدهم بفرحٍ يسبحون الله ويرتلون له، متشبهين بهم. حين يمارس المؤمنون عملهم كأعضاء في جسد الرب القائم من الأموات، يتمتعون بحضور الملائكة أثناء تسابيحهم كما كانت الملائكة تحيط بجسد الرب في القبر. يقول القديس أغسطينوس إنه يليق بنا أن نعترف لله بكلمات التسبيح من فمنا الداخلي، أي من القلب، فإن الله يستمع لهذه الكلمات التي لا يسمعها البشر. * أي فم إلا قلبي؟ فإن يوجد لنا الصوت الذي يسمعه الله، ولا تعرفه إذن الإنسان قط. لنا فم في الداخل، من هناك نسأل، من ذلك المكان نسأل؛ فإن أعددنا مسكنًا أو بيتًا لله، فمن هناك نتكلم، وهناك يُسمع لنا. "عن كل واحدٍ منا ليس بعيدًا، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 17: 27-18). ليس شيء يجعلكم بعيدًا عنه سوى الخطية وحدها. "أمام الملائكة أرتل لك". لا أرتل اك أمام البشر، إنما أمام الملائكة. ترنيمتي هي فرحي؛ لكن فرحي بالأمور السفلية هي أمام البشر، أما فرحي بالأمور العلوية فهي أمام الملائكة. لا يعرف الأشرار فرح الأبرار. "لا فرح قال إلهي للأشرار" (راجع إش 48: 22؛ 57: 21). الشرير يفرح في حانته، والشهيد في قيوده[1]. القديس أغسطينوس "قدام الملائكة أرتل لك". لتفكروا في تشجيع ذاك التائب! بعد الاعتراف والتوبة يتأهل للتسبيح مع الملائكة! من يسبح لا يعود يمارس الندامة بل يشكر ويبارك[2]. * بعد التوبة والاعتراف يتأهل (المؤمن) أن يرنم مع الملائكة[3]. القديس جيروم وأيضًا معناه أن نجتهد لنرتل لك كما ترتل الملائكة. الأب أنسيمُس الأورشليمي * في تفسير الأسفار المقدسة أكسر الخبز لكم. إن كنتم جائعين لقبوله، فإن قلوبكم تتغنى بكمال التسبيح[4]. القديس أغسطينوس من الجانب الآخر، إن فهمنا العبارة بالترجمة الأخرى يبدو لي أنه يتحدث هنا عن الكهنة. فقد اعتاد الكتاب المقدس كما ترون أن يدعو الكاهن ملاكًا وإلهًا (خر 22: 28 LXX؛ ملاخي LXX)[5]. القديس يوحنا الذهبي الفم وَأَحْمَدُ اسْمَكَ عَلَى رَحْمَتِكَ وَحَقِّكَ، لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ [2]. يرى البعض أن المقصود هنا ليس الهيكل، وإنما خيمة الاجتماع المقدسة، إذ لم يكن قد بُني الهيكل بعد. يقصد بالقول: "كلمتك" وعودك الإلهية، فمن أجل رحمته وحقه أو إخلاصه وأمانته يحقق كل وعوده الإلهية. أما قوله "عظمت كلمتك"، فتعني أن الله لا يتمم وعوده التي نطق بها فحسب، إنما يعطي ويقدم أكثر مما يعد. يرى البعض أن "كلمتك" هنا يُقصد بها الكلمة الإلهي، فإن كان بالتجسد قد تواضع الكلمة الإلهي، فإن الآب يَّعظمه ويمجده، بإظهار ما له من أمجاد أخفاها بالتجسد الإلهي. يقول القديس أغسطينوس إنه توجد كنيسة فوق، حيث الملائكة. وتوجد كنيسة أسفل حيث يوجد المؤمنون. لقد نزل الله لكي يخدمنا، وصارت الملائكة أيضًا تخدمنا، وصرنا نحن هيكل الله (1 كو 3: 17). هكذا يليق بنا ونحن نسجد لله، أن نركز أنظارنا نحو أعماقنا التي يقيم منها ربنا يسوع ملكوته. * لذلك: "أسجد نحو هيكل قدسك"، أقصد لا الهيكل المصنوع بأيدٍ، بل الذي صنعته أنت لنفسك[6]. القديس أغسطينوس "على رحمتك وحقك". ليت الخاطي يهتم بالكلمة "رحمتك"، والمتكبر يلتفت إلى كلمة "حقك"[7]. القديس جيروم إن كان هكذا ينبغي التكريم في حالة الملوك، فبالأولى بالنسبة لإله الكل. "واعترف لاسمك على رحمتك وحقك". ماذا يعني هذا؟ يقول إنني أشكرك لتمتعي برعايتك العظيمة؛ إنها ليس من أجل أعمالي الصالحة، عُدت لاقتناء وطني ورؤية الهيكل، إنما ذلك من أجل رحمتك ورأفتك. من أجل هذا أسجد لك، ولأجل ذلك أعترف لك. ومع أني مستحق العقوبة والجزاء وبحق أستحق أن التمس منك على الدوام وأنا في أماكن غريبة أن تحقق لي عودة سريعة. "لأنك قد عظمت اسمك فوق كل شيءٍ". ما يقصد هو أمر كهذا: إنني أشكرك ليس فقط من أجل الإحسانات، وإنما من المجد الذي لا يُنطق به، والعظمة غير المحدودة والطبيعة التي لا توصف... إنك إن استدعيت ملائكة أو رؤساء ملائكة، شياطين أو عناصر خالية من الحس، صخورًا أو بذورًا، الشمس أو القمر، الأرض أو المحيط، السمك أو الطيور، البرك أو الينابيع أو الأنهار، فإن اسمك يظهر عظيمًا في كل شيءٍ. عوض "عظمت اسمك المقدس فوق كل شيء"، جاء في ترجمة أخرى: "عظمت كلمتك فوق كل شيء"، وفي أخرى: "منطوقاتك"[8]. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنسيمُس الأورشليمي شَجَّعْتَنِي قُوَّةً فِي نَفْسِي [3]. يعلن المرتل عن سرّ التهاب قلبه بالتسبيح والشكر لله، ألا وهو خبرته اليومية ففي أية ضيقة يًسرع نحو الله يدعوه ويصرخ إليه، فإذا بالإجابة - أيا كان نوعها- تتحقق سريعًا. يشعر بقوة إلهية تنسكب في أعماق نفسه، تنزع عنه الخوف، وتعطيه الإمكانية لمواجهة الخطر بكل شجاعة. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "في اليوم الذي أدعوك فيه أجبني بسرعة. تكثر التطلع على نفسي بقوة". * هب لي أن أسأل ما تعلمني أن أسأله... يقول: "لتكثر لي في نفسي الفضيلة[9]. القديس أغسطينوس القديس جيروم "تجلب قوة تستقر في نفسي"... بقوتك توسعني، بقدرتك ترفعني وتعينني... وذلك كما حدث في حالة الرسل، إذ خرجوا فرحين أنهم جلدوا (أع 5: 41)، وبهذا صارت نفوسهم كبيرة (متسعة). هذا عمل خاص لقوة الله، فوق الكل تعلن قدرته، فتمنع النفس من أن تنحدر في وسط المتاعب[11]. القديس يوحنا الذهبي الفم * يستجيب الله استغاثة المؤمنين إذا كانت بديانةٍ وورعٍ ومداومة، وإن كان المطلوب يؤول إلى خلاص النفس. الأب أنسيمُس الأورشليمي إِذَا سَمِعُوا كَلِمَاتِ فَمِكَ [4]. أمانة الله في تحقيق وعوده للمرتل صارت شهادة قوية أمام ملوك الأرض. يعرفون ما قد وعد به الرب، وكيف تتم وعوده الإلهية. يعلن المرتل أن كل ملوك الأرض يعترفون لله بالتسبيح والترنم. من هم ملوك الأرض، إلا المؤمنون الحقيقيون، الذين يهبهم روح الملوكية والسلطان أن يدوسوا على قوات الظلمة وكل الشرور؟! إن كان ملوك الأرض والعظماء لا تنقصهم السلطة ولا يحتاجون إلى شيء، فإنهم إذ يسمعون كلمات الرب يجدون فيها عذوبة فائقة، فتفرح نفوسهم بالتهليل له. * ليتك لا تسمح لهم عندما يعترفون لك ويسبحونك أن يشتهوا الأمور الأرضية منك[12]. القديس أغسطينوس هل يمكنكم للحظة واحدة أن تعتقدوا بأن قلب يوليان الجاحد في يد الله؟ حاشا! أو قلب نيرون أو مكسيميانوس أو داكيوس Dicus هؤلاء المضطهدون؟ حاشا! إنه يتحدث عن أولئك الذين يتحكمون على الخطية، هؤلاء الذين قلوبهم في يد الله، لذلك قهروا الرذائل وأهواء نفوسهم، وبالتالي قهروا الخطية. "إذا سمعوا كلمات فمك" عندما يحفظون وصاياك ويصونوها[13]. القديس جيروم القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنسيمُس الأورشليمي لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ عَظِيمٌ [5]. ما هي طرق الرب سوى الرحمة والحق الإلهي، يسلك فيها الملوك الحقيقيون بروح الفرح والتواضع. * لا تدع ملوك الأرض أن يتكبروا، بل يتواضعوا. ليتهم يرتلون في طرق الرب، إذ يكونون متواضعين. ليحبوا فيرتلوا. نحن نعرف أن المسافرين يغنون، إنهم يغنون ويسرعون ليبلغوا نهاية رحلتهم. توجد أغانٍ شريرة تخص الإنسان العتيق، أما الجديد فله أغنية جديدة. ليت ملوك الأرض أيضًا يسيرون في طرقك. ليتهم يسيرون ويغنون في طرقك. بماذا يغنون؟ "عظيم هو مجد الرب"، وليس مجد الملوك[15]. القديس أغسطينوس القديس جيروم القديس يوحنا الذهبي الفم [FONT=""]2. الله الديان منقذ مؤمنيه[/FONT] لأَنَّ الرَّبَّ عَالٍ وَيَرَى الْمُتَوَاضِعَ. أَمَّا الْمُتَكَبِّرُ فَيَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدٍ [6]. يرى داود النبي أن ملوك الأرض يمجدون الرب، لأنه يهتم بالمتواضع أي بداود، ويبتعد عن المتكبر أي عن أعداء داود. * انظروا كيف أراد من الملوك أن يرتلوا في طرقهم حاملين الرب بتواضعٍ، وليس رافعين أنفسهم ضد الرب. فإنهم أن رفعوا أنفسهم ماذا يحدث؟ "لأن الرب عالٍ، ويكرم المتواضعين". هل يريد الملوك أن يكونوا مُكرمين؟ فليتواضعوا... وماذا عن المتكبرين؟ يعرفهم من بعيد... لا تظنوا أنكم تصيرون في أمان على أساس أنكم لا تُرون بوضوح، إذ يراكم من بعيد... فإن الله وإن كان يراكم من بعيد، يراكم بطريقة كاملة، ومع هذا لا يكون معكم[18]. القديس أغسطينوس الأب أنسيمُس الأورشليمي القديس يوحنا الذهبي الفم الأب قيصريوس أسقف آرل ليعلم المتواضعون أن "قبل الكرامة التواضع" (أم 15: 33)، وليعلم المتكبرون أن: "قبل الكسر الكبرياء" (أم 16: 18). ليعلم المتواضعون أن: "وإلى هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش66: 2)، وليذكر المتكبرون القول: "لماذا يتكبر التراب والرماد" (سي 10: 9). ليعلم المتواضع أن "الرب عالٍ، ويرى المتواضع"، وللمتكبر يقول: "أما المتكبر فيعرفه من بعيد" (مز 138: 6)[21]. ليعرف المتواضعون أن: "ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَم بل ليخدم" (مت 20: 28)، وليعلم المتكبرون أن "الكبرياء أول الخطأ (ومن رسخت فيه فاض أرجاسا)" (سي 10: 15). ليعلم المتواضعون أن مخلصنا: "وضع نفسه، وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 8)، وليعلم المتكبرون ما هو مكتوب عن رئيسهم: "عند نهوضه تفزع الأقوياء" "هو ملك علي كل بني الكبرياء" (أي 41: 25، 34)[22]. الأب غريغوريوس (الكبير) * إذا جلست في قلايتك، فلا تترك قلبك يستعلي، ولا تتعظَّم بفكر قلبك، ولا تمدح نفسك، لأن الله يمقت الذين يمدحون أنفسهم وحدهم. وهو "يلتفت إلى صلاة المنسحقين". القديس أنبا بولا الطموهي عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ، وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ [7]. يقدم لنا المرتل خبرته العملية، وهي أن الله نور العالم، نكتشفه في الوقت المناسب، حين تحاصرنا الظلمة، ويهجم علينا اليأس. في اللحظة الحاسمة يشرق الله بنوره، معلنًا أنه وإن كان طويل الأناة، يسمح لنا بالضيق، لكنه يعلن عمله لخلاصنا، ولن يبقى مختفيًا على الدوام. رعاية الله لنا خاصة وقت الضيق تكشف عن مجده كقديرٍ ومحبٍ في نفس الوقت. تشير يد الآب إلى الابن الذي تجسد ليتمم الخلاص. هكذا مُحاط المرتل بالضيقات، ويعاني من ثورات عدو الخير وقواته، لكن كلمة الله المتجسد، ربنا يسوع، يخلصه من كل شدة، ويهبه النصرة على إبليس وجنوده. * "إن سلكت في وسط الضيق تحيني". هذا حق: أيا كانت الضيقة التي أنت فيها، اعترف، أدعه، فإنه يحررك ويحييك... حب الحياة الأخرى، فسترى أن هذه الحياة ضيقة؛ مهما كان رخاؤك مشرقًا، مهما كانت مباهجك وفيرة وتفيض. فمادام هذا الفرح ليس في أمان دائم، ولست متحررًا من التجارب، بدون شك تحسب (الحياة هنا) ضيقًا... ليثر أعدائي، ماذا يستطيعون أن يفعلوا؟ يمكنهم أن يأخذوا مالي، يسلبونني، ينفوني، يعاقبونني، يصبون على الحزن والعذابات، وأخيرًا إن سُمح لهم يقتلونني. هل يستطيعون أن يفعلوا ما هو أكثر. إنك تمد يدك عليّ، فوق كل ما يستطيع أن يفعله أعدائي. فإن أعدائي لا يستطيعون أن يفصلوني عنك. إنك كلما تأخرت تنتقم لي بالأكثر... لأنك لن تجعلني أيأس، إذ يتبع ذلك: "وتخلصني يمينك"[23]. القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنسيمُس الأورشليمي يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ [8]. بروح الإيمان والثقة في الرب مخلصه يعلن أنه يدافع عنه. بذات الروح يقول الرسول بولس: "واثقًا بهذا عينه أن الذي ابتدأ فيكم عملًا صالحًا يكمل إلى يوم السميح المسيح" (في 1: 6). إنه كرأس للجسد يحامي عنا نحن أعضاء جسمه. عندما طُلبت الجزية من سمعان بطرس قام بتسديدها، إذ طلب منه أن يذهب إلى البحر ويلقي صنارة ويأخذ السمكة المُصطادة فيجد في بطنها أستارًا، فيسدد أربعة دراهم عن الرب يسوع وسمعان بطرس (مت 17: 24-26). هكذا خلال الأربعة أناجيل دافع الرب عنا، ودفع عنا ديوننا بصليبه كما يقول القديس أغسطينوس. * إنني لا أجازي عن نفسي، بل أنت تجازي. ليثر أعدائي بأقصى ما لديهم، فأنت تجازي ما لا استطيع أنا أن أفعله... يقول الرسول: "لا تنتقموا أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب، لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12: 19)[25]. القديس أغسطينوس الأب أنسيمُس الأورشليمي القديس يوحنا الذهبي الفم من وحي المزمور 138 بنورك حنوك تشرق عليّ * في وسط ضيقي اكتشف خطاياي وأخطائي. أدرك أنني ارتكب خطايا هذا مقدراها. ومع هذا فأنت تترقب توبتي ورجوعي إليك. إذ اكتشف الظلمة التي تحيط بي. ألجأ إليك يا شمس البرّ. تشرق عليَّ، فتبدد ظلمتي، وتعكس نور بهائك عليّ. مع صرخات قلبي في أنين، تلهج أعماقي بالشكر لك يا كلي الحب. * أعترف لك بخطاياي، فتغسل دنس نفسي، وتؤهلني للتسبيح مع قديسيك وملائكتك. وكأنك سمحت لي بالضيق، لا لأ شعر بضعفي في مذلة، إنما لتقيمني من المذلة، لأسبح مع أشراف أشراف خليقتك! * بالضيق تصرخ أعماقي قبل لساني. تسمع لغة القلب، وتستجيب لكلماته الخفية. * بالضيق أتحد مع إخوتي. أشعر بحاجتي إلى صلواتهم، كما أشعر بالتزامي بالصلاة عنهم. أدرك ضعفي، فأطلب عونهم الروحي. وأشعر بالتزامي مع عدم استحقاقي، أصلي معهم وعنهم كعضو في الجسد الواحد. * في ضيقي لا أطلب رفع الألم عني، إنما بالأكثر أطلب بقوتك تسندني؟ فأرتفع بقوتك، وألتحف ببرِّك. * في ضيقي تسمع صوتي، وأسمع صوتك. استعذب كلماتك، فيبتلعني فرحك السماوي. أكتشف وعودك العجيبة، فاحمل سلطانًا من لدنك. تقيمني ملكًا وسط أبنائك الملوك. يُعلن مجدك فينا يا ملك الملوك. * يا لبركات الضيق. اكتشف ضعفي، فأصرخ إليك. أراك قريبًا مني تتطلع إليّ عن قربٍ! أراك في داخلي تقيم ملكوتك. يمينك تحتضني، وتملأ أعماقي بقوتك. تُرهب إبليس وكل قوات الظلمة. فلن يجدوا لهم موضعًا في داخلي! تحيطني كسور نارٍ منيع. تحفظني من كل مكائد إبليس. لك المجد يا من لا تتخلى عن عمل يديك. |
|