لماذا أُرسل الابن متأخرًا؟
في سالف الزمان، ولدنا بدوافع عنيدة ولنا شهوات عديدة مُبتعدين عن كل الرغبات الصالحة. وليس معنى هذا أن الله كان مسرورًا بخطايانا، أو كان يسمح لنا بفرصة لعمل الشر، بل كان ببساطة يحتملنا. وكان يفتش عن عقل متيقظ وواعٍ لصلاحه وبره، حتى إذا اقتنعنا أثناء حياتنا بعدم استحقاقنا لنوال الحياة بأعمالنا الخاصة، عندئذٍ كان لابد أن يمنح الله لنا الحياة بسبب شفقته علينا. وإذ صار أمرًا واضحًا لنا أننا لا نستطيع أن ندخل إلى ملكوت الله بذواتنا فإننا نصير قادرين بقوة الله أن ندخل إلى ملكوته. ولكن حينما وصل شرنا إلى أقصاه وأصبح واضحًا أننا مستحقون للعقاب والموت، وحينما جاء الوقت المُعين من الله لإظهار قوته وصلاحه فإن حب الله الفائق جعله لا ينظر إلينا بكراهية، ولا أن يطردنا بعيدًا، كما أنه لم يذكر شرنا ويقيمه ضدنا، بل أظهر طول أناة عظيم جدًا واحتملنا حتى أنه حمل بنفسه ثقل خطايانا، إذ بذل ابنه الوحيد كفدية لأجلنا، القدوس من أجل العُصاة، والذي بلا لوم من أجل الأشرار والبار من أجل الآثمة، وغير الفاسد من أجل الفاسدين، وغير المائت من أجل المائتين. فأي شيء آخر كان يمكن أن يستر خطايانا سوى بره؟ بأي شخص آخر كان يمكن تبريرنا نحن الأشرار وعديمي التقوى إلاّ بشخص ابن الله الوحيد؟ ما أجمل هذه المبادلة! ما هذا الفعل الذي يفوق الفحص، يا للبركات التي تفوق كل التوقعات! أن شر الكثيرين يُوضع على بار واحد، وبر واحد يبرّر عُصاة كثيرين!
لذلك إذ قد اقتنعنا في الزمان السابق على مجيء المخلص أن طبيعتنا كانت عاجزة عن البلوغ إلى الحياة، والآن إذ قد أُعلن المخلص القادر أن ينقذ أولئك الذين كان من غير الممكن إنقاذهم فيما سبق. بهاتين الحقيقتين أراد هو أن يقودنا لكي نثق في لطفه وصلاحه ولكي نعتبره مصدر حياتنا، وأبانا، ومعلمنا، ومرشدنا، وشافينا، وحكمتنا، ونورنا، ومجدنا، وكرامتنا، وقوتنا، وحياتنا، حتى أننا لا نقلق أو نهتم من جهة الملبس والمأكل.