رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجارب نصيب كل البشر والغرض منها حياتنا جهاد على الأرض. والتجارب والبلايا والأرزاء تلازم الإنسان في جميع أدواره من المهد إلى اللحد. ولا يخلو إنسان من تجربة أو بليَّة تُعكِّر صفاءه. من الملك الجالس على عرشه إلى الفقير الساكن في كوخه، وإذا أردت أنْ تحصى مقدار التجارب لزمك أنْ تحصى عدد البشر. ذلك لأنَّ لكل إنسان تجربة خاصة وشوكة يصرخ متوجعاً منها. اختلفت التجارب وتعدَّدت الآلام وتنوَّعت الرَّزايا، ولكنَّها كلها تجارب وآلام مهما تنوَّعت أسبابها واختلفت أشكالها. إنَّ التجارب نصيب كل البشر ولا يستطيع أحد أنْ ينجو منها. لأنَّ طريق الحياة كله آلام، والإنسان مولود للمشقة وشبعان تعباً وأكثر أيامه تعب وبليَّة. مز (10:90) متى عرفنا ذلك هانت علينا المصائب واستعدَّت قلوبنا لاحتمال الآلام التي نصادفها أثناء سياحتنا في دار غربتنا. لماذا حفلت الحياة بالأتعاب والتجارب؟ ولماذا اكتنف الإنسان بهذه البلايا؟ ذلك لكي لا تلتصق النفس بالعالم وتتعلَّق به وتجعله غايتها، وحتى تعرف أنَّ لها ملجأً عظيماً تلتجئ إليه عند الملمَّات والضيقات، وهو الله الذي يعتني بنا في أزمنة الكروب. وبذلك نعرف أنَّنا غرباء في العالم وأنَّ هذه الدنيا ليست وطننا، بل ننتظر وطناً آخر باقياً وأبدياً ونتوقع بصبر حياة خالية من الأكدار، لا يدخلها هم ولا حزن ولا يكون فيها دموع. كان بنو إسرائيل شعباً خاصاً لله اختاره من بين الأمم ومع ذلك سمح بأنْ يُذلّوا ويضيق عليهم ويُستعبدوا في أرض مصر واكتنفتهم البلايا من كل جانب. ولولا ذلك لالتصقت نفوسهم بحب البقاء في مصر ولم يرضوا الخروج منها لأنَّهم كانوا مُستعبدين ومُذلِّين فتنبَّهت نفوسهم وكانوا ينتظرون ساعة خروجهم من الذلّ والضيق،ولمَّا دعاهم موسى أذعنوا وأطاعوا للحال دعوته. هكذا نحن نصادف الآلام والمشقات في أرض غربتنا في هذا الوادي حتى ننظر بشوق إلى الوطن السماوي، ولا نأسف على حياة ملآنة بالتعب، بينما نعرف أنَّ حياة سعيدة أبدية تنتظرنا في السماء. جميع الآلام التي نُصادفها في طريق حياتنا هي كرسائل محبة من الله لتنبيه الغافلين للتقويم والتأديب فهي إذاً تستحق كل إكرام واعتبار. وإنْ لم نُبالِ بها كان ذلك استهانة بمُرسلها. لا شيء يُريح الفكر في زمن الضيق أكثر من النظر إلى ما فوق وإلى ما وراء. فأمَّا النظر إلى ما فوق فلكيّ نتأمل بأنَّ يد الله الرؤوفة هي التي سمحت بوقوع تلك التجربة ستؤول إلى خيرنا ونفعنا وتُعيد نفوسنا إلى الرب. وما أسعد أنْ يُلقى الإنسان بنفسه بين يدىّ الله وتحت عنايته وحمايته ويرضخ لأحكامه. عندما نتأمل في أنَّ هذه التجارب علامة محبة الله وملاحظته لنا تأمن النفس وتستريح في هذا الحِمَى، حتى في وسط أشد الأخطار وأكبر المصائب. إنَّ يد الله قدوسة وطاهرة. فتلك النفس التي تقترب منها في أزمنة الضيق تتطهر بالتوبة والندامة وحينئذٍ تسكن آمنة في ملجأ الرب. فيا أيَّتُها النفس الواقعة تحت التجربة طهِّري ذاتك واقتربي من الله بثقة واحذري عدم الإيمان. وأنت يا مَنْ تُريد أنْ تحفظك اليد العلى في الضيق وتعيش بسلام وأمن. احذر الخطأ لئلاَّ ترتاع وينزعج ضميرك فيهرب منك السلام. إنْ وجَّهت قلبك إلى الله وسلَّمت ذاتك لمشيئته شعرت حالاً بتعزيّاته التي يفيضها في نفسك. ألقِ بنفسك عند قدميّ الرب وقل له: يا رب أنت راحة النفوس التعبانة وقد وعدت بالراحة للذين يُقبلون إليك. نفسي خالية من كل استحقاق ولكنِّى أتكل على استحقاقك. لا برّ لي ولكنْ برَّك يكفيني ويكفى العالم كله، وفي قبولك لي تظهر رحمتك وغنَى نعمتك. إنْ فعلت ذلك ارتاحت نفسك من التجربة ووجدت السلام التام في قلبك. |
|