محاكمة لوثر:
في 6 مارس سنة 1520م أرسل الإمبراطور شارل الخامس دعوة إلى لوثر للمثول أمام مجلس الأمة الألماني في مدينة فورمس، واستهل دعوته بألقاب الإحترام، قائلًا:
"أيها المحبوب المكرم التَقّي الدكتور مارتن لوثر: إننا نحن وأعيان المملكة المقدسة هنا، بعد العزم على الفحص عن تعليمك وكتبك التي أذعتها.. أمرنا باتيانك بصك أماننا وأمان المملكة ذهابًا وإيابًا.. لا تخف ظلمًا ولا قهرًا وأننا نرعى بثبات صك الأمان المذكور"(38)
كما منحه الإمبراطور صك إيمان أي منحه وعدًا بالعودة إلى فيتمبرج سالمًا..
وفي 2 إبريل ترك مارتن مدينة فيتمبرج مُتجهًا إلى فورمس، وقد أوصى فيليب ميلانكثون باستكمال المسيرة إذا أصابه مكروهًا... كان فيليب مؤيد وزميل مارتن، إذ انه من أعضاء هيئة التدريس في جامعة فيتمبرج، وكان على دراية باللغة العبرية واليونانية، وبسبب وجود مارتن وفيليب في جامعة فيتمبرج اكتسبت الجامعة شهرة كبيرة، وقد توافد الطلبة من كل مكان ليروا الراهب الذي تحدّى البابا...
وفي الطريق مرَّ لوثر على عدة مدن، فكان الشعب يخرج مؤيدًا له أو ناقمًا عليه حسب اقتناعهم أو رفضهم لآرائه..
وفي 17 إبريل وقف لوثر يُحاكَم أمام مجلس الأمة الألماني.. حضر الجلسة الإمبراطور شارل الخامس وشقيقه فرديناند دوق النمسا وأربعة من الكرادلة وثلاثين من الأساقفة ورؤساء الأديرة مع زعماء الشعب.. وقف جون آك يُشير إلى حوالي عشرين كتابًا، ويستجوب مارتن قائلًا:
يا مارتن لوثر.. هل تعترف بأنك أنت الذي الّفت هذه الكتب، وهل أنت على استعداد أن تتراجع عن الأقوال التي خطتها يدك أم أنت مُصر على التمسك بها؟
طلب مارتن فرصة للتفكير لأن الأمر ليس سهلًا.. فمنحه الإمبراطور يومًا لإعادة التفكير...
وفي اليوم التالي عندما أعادوا عليه نفس السؤال، أخذ يلف ويدور ويقول أن بعض هذه الكتب خاصة بالأخلاقيات، فلماذا أُنكِرها؟.. والبعض الآخر خاص بالبابوية، والبابويين طغوا وظلموا فكيف أشجع الظلم والطغيان؟.. والجزء الثالث يحوي نقد شديد لبعض الأشخاص وهذا أقدم اعتذاري عنه.. وناشد الحاضرين بأن يُعَرفوه خطأه وحينئذٍ سيطرح كتبه هذه في النار، وقال:
"إني لست إلهًا بل إنسان أنا، وإني على استعداد أن أعترف بخطئي في التعليم إذا كان هناك من يُقنعني بهذا الخطأ"(39)...
ثم التفت لوثر إلى الإمبراطور مُحَذِرًا إياه من الحكم بسفك دمه.. وجاء تصريح الإمبراطور كالتالي:
"وبصفتي سليل أباطرة ألمانيا وأمراء النمسا وبرغنديا الذين اشتهروا بحماية الإيمان الكاثوليكي، سوف أطرد لوثر الأغسطيني وأُحَرِّم عليه أن يتسبب في أقل اضطراب بين الشعب وسأطارده وأتباعه كهراطقة جديرين بالحرم وبكل وسيلة تؤدي لهلاكهم.. وإنني أطلب من الأمراء أن يؤيدونني في هذا "(40)...
صاح البابويين بأن نهر الراين ينبغي أن يجرف رماده.. واحتج الأمراء وعارضوا الإمبراطور بشدة.
رُفِعَت الجلسة وكان مارتن في غاية الإعياء.. أما المدينة فورمس فقد تحولت إلى مرجل يغلي، وتطاول اللوثريين على البابا والإمبراطور حتى أن أحد الأشخاص وضع في حجرة الإمبراطور خطابًا مكتوبًا عليه: "ويلٌ لبلد يحكمه طفل.." وشخص آخر رسم البابا مُعلقًا من رجليه بعد شنقه..