09 - 07 - 2014, 08:48 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
المسكن السمائي _ غريغوريوس النيسي
المسكن السمائي
القديس غريغوريوس النيسي
ما هو هذا المسكن (الخيمة) الذي لم يصنَع بيدٍ بشرية، والذي قُدِّم لموسى على الجبل، وأمره الله بأن يتخذه كنموذج لكي يصنع على مثاله العجيب مسكناً من صُنع يدٍ بشرية.
قال الله: "وأنظر فاصنعها على مثالها الذي أُظهر لك في الجبل" (خر 25 : 40).
كانت هناك أعمدة ذهبية قائمة على قواعد من الفضة، ومزينة بتيجان فضية مماثلة، كما كانت هناك أعمدة أخرى من تيجان وقواعد من النحاس ولكن قضبانها من فضه. وكان قلب كل الأعمدة من خشب لا يسوس. وفي كل أرجاء المكان كان يسطع بريق هذه المعادن الثمينة.
وبالمثل كان هناك تابوت من الخشب الذي لا يسوس، مُغطى بذهب نقي لامع. وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك منارة بقاعدة واحدة مقسمة في أعلاها إلى سبعة سرج (فروع)، وكانت المنارة من الذهب الصافي وليست من الخشب المغطى بالذهب. وكذلك كان هناك مذبح وغطاء (بساط الرحمة) وفوقه الكاروبان اللذان تغطي أجنحتهما التابوت (عب 9: 5). وكانت كل هذه من الذهب، ليس فقط مظهر خارجي للذهب، ولكن ذهب خالص.
كانت هناك أيضًا ستائر منسوجة بفنٍ من ألوان مختلفة، منسوجة معًا بحيث تنتج نسيجًا جميلاً، وكانت الستائر تفصل المسكن إلى جزئين: جزء مرئي ويمكن لكهنة معينين دخوله، وجزء أخر سري ولا يمكن دخوله وكان اسم الجزء الأمامي (الذي يمكن دخوله) القدس، والجزء المخفي "قدس الأقداس" وكانت هناك مغاسل ومجامر وأستار معلقة حول الفناء الخارجي وستائر من الشَعر، وأغطية من جلد مدبوغة باللون الأحمر، وسائر ما ذُكِرَ في الكتاب المقدس.
فما المعنى الدقيق لهذه الأمور كلها؟
وما مثالها في عالم الحقائق غير المرئية؟
وما الفائدة من النسخة الماديّة للحقائق التي تأملها موسى، عند الذين ينظرون إليها؟
يبدو لي من الأفضل تَركُ التفسير الأصيل في هذه الأمور، للذين مُنحوا النِعمة "لفحص كل شيء بالروح حتى أعماق الله" (1 كو2)، والذين يستطيعون ـ على حد قول الرسول - "بالروح أن ينطقوا بأسرار" ( 1كو 14: 2). أما ما نقوله نحن في هذا الموضوع فهو على سبيل الافتراض، ونترك لحكم قرّائنا أمرَ إسقاطه أو تبنيّه وفقَ ما يتبيّن لهم. فنقول، مُنطلقين من بولس الذي كشف جزئياً ما تنطوي عليه هذه الأمور من سِرٍّ، نقول أن موسى قد أُنبئ مُسبقاً - عن طريق نموذج - بسرّ المسكن (الخيمة) الذي يحوي الكل.
هذا المسكن هو المسيح، قدرة الله وحكمته، الذي هو في ذات طبيعته لم يُصنع بيدٍ بشريّةٍ، ولكنه يتّخِذُ وجوداً مخلوقاً عندما يُقامُ المسكن فيما بيننا. وهكذا فالمسكن نفسه هو مخلوق وغير مخلوق، غير مخلوق بسابق وجوده، ومخلوقٌ باتّخاذه وجوداً مادياً.
لن تكون هذه الأقوالُ غامضة عندَ من تلقوا سرَّ إيماننا بدقة. انه وحيدٌ بين الجميع ذاك الذي "كان قبل الدهور" والذي "جاء في آخر الأزمان" ( كو 1). لم يكن بحاجة إلى أن يولدَ زمنياً. وكيف يكون بحاجة إلى ولادة زمنية من كان سابقاً بوجُوده الأزمان والدهور؟ ولكن من أجلنا، نحن الذين فقدنا الكينونة بانهيار إرادتنا، تنازل ووُلد بشرياً لكي يُعيدَ إلى الكينونة مَن خرج منها. انه الإله، الابن الوحيد، الذي يجمع الكل في ذاته، والذي أقام له "مسكناً فيما بيننا" (يو 1). (نَصَبَّ خيمته في وسطنا).
إذا سمينا الإله "مسكنًا" فإن هذا يجب ألا يزعج أي شخص محب للمسيح، أو يجد في هذه الفكرة تقليلاً من عظمة طبيعة الله. فليس هناك أي اسم آخر جدير بهذه الطبيعة، فإن جميع الأسماء تُقصّرُ عن الدلالة عليه بدقة، سواء كانت للتعظيم أو لغير التعظيم.
وكما أنه من الممكن أن تُستعمل جميع الأسماء الأخرى استعمالاً تقوياً ولكل منها بعض الدلالة على القدرة الإلهية، كطبيب، وراعٍ، وحامٍ، وخُبز، وكرمة، وطريق، وباب، وماء، وصخرة، وينبوع، وما إلى ذلك مما يقال لها، هكذا أُطلق عليها اسمُ "مسكن" للدلالة على الطبيعة الإلهية. فالقدرة التي تحتوي الكون، والتي "يحلّ فيها كل ملء اللاهوت" (كو 2) والملاذ العام للكل، الذي يحتوي الكل في ذاته، دُعي بجدارة "مسكناً".
المرجع: حياة موسى للقديس غريغوريوس النيصي، ترجمة الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية + حياة موسى ترجمة مجدي فهيم حنا، اسبورتنج الاسكندرية
|