رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل يمكن أن تكون فكرة وجود الله من صنع الإنسان وخياله؟ س41: هل يمكن أن تكون فكرة وجود الله من صنع الإنسان وخياله كقول فويرباخ وماركس؟ قال " فويرباخ": "من الواضح كالشمس، ومن الظاهر كالنهار، أنه ليس هناك إله ولن يكون هناك إله" (12) وتارة يعلل " فويرباخ " فكرة وجود الله بأنها انعكاس لعظمة الإنسان وصفاته الكاملة، فيقول أن الإنسان قذف بالعظمة الكامنة فيه نحو سماء وهمية وسماها الله " إن الجوهر الذي يعبدهالإنسان ويؤلهه (أي الله) كجوهر غريب عنه، هو بالحقيقة جوه الخاص " وتارة يعلل " فويرباخ " فكرة وجود الله بأنها وليدة بحث الإنسان البائس عن السعادة التي لا يجدها، فيتوهم وجودها في كائن أُطلق عليه اسم الله، فيقول "الإنسان الشقي الذي يبحث عن السعادة، وإذا لم يجدها في ذاته، ولا على الأرض يتوَّهم أنه وجدها في شخص غريب عن الدنيا اختلقته مخيلته ويسميه الله" (13). وأيد " ماركس " فكر فويرباخ، فنظر للأديان على أنها أوهام تقدم كائنًا يتحلى بصفات الكمال الإنسانية، والصفات المثالية التي وجدها الإنسان في ذاته أطلقها على الله، والإنسان يطيع ويخدم إلهًا هو في الحقيقة من صنع خياله، وبهذا يجعل الإنسان نفسه عبدًا لشيء غير موجود، وكان الأجدى بالإنسان أن يبحث عن هذه الكنوز في داخله، وليس خارجًا عنه (راجع رأفت شوقي - الإلحاد.. نشأته وتطوُّره ج 1 ص 121، 122) كما أيد " ماركس " فكر " فويرباخ " أيضًا في أن الدين هو انعكاس لواقع الإنسان فقال " الدولة والمجتمع يُنتجان الدين، الذي هو وعي زائف للكون.. الدين هو تنهد المخلوق الرازح، وهو قلب عالم لا قلب له، كما أنه فكر زمن لا فكر له، أنه أفيون الشعب" (14). ج: 1- لو كان " الله " هو انعكاس للصفات المثالية والعظمة الإنسانية، لكان الإنسان يصوّر الله على أنه الإنسان المثالي، ولم يكن ينسب إليه الصفات الإلهيَّة التي لا توجد على الإطلاق في الإنسان، فالاعتراف بأن الله روح بسيط غير مركَّب لا ينقسم ولا يتجزأ، سرمدي أي أزلي بلا بداية أبدي بلا نهاية، غير محدود وغير متناه لأنه كائن في كل مكان ولا يخلو منه زمان، غير متغيّر لأنه كمال مُطلق.. إلخ. فكل هذه الصفات وغيرها من الصفات الإلهيَّة هي بعيدة كل البُعد عن الصفات الإنسانية مهما عظمَّت، ولو كان فكرة وجود الله هي انعكاس للكمالات الإنسانية، ما كان الإنسان ينسب لله الصفات الإلهيَّة. 2- لو كان الله وليد أماني الإنسان، فإن أماني الإنسان محدودة، فكيف يصوَّر الله بصفات غير محدودة، ويقول "رأفت شوقي": "يدعي ماركس بأن الإنسان خلق الله على صورة أمانيه، ولكنه لم يوضح لنا من أين للإنسان المحدود هذه الآماني اللامحدودة؟! من أين له.. هذا العطش إلى الأبدية والخلود وهو الإنسان التي تآكله الزمن، ويرى حوله كل حي يموت..؟ لم يخلق الإنسان الله على صورة أمانيه، ولكن أماني الإنسان اللامحدودة هي في صورة الله غير المحدود" (15). 3- في الأصل خلق الله الإنسان على صورته في الخلود والتفكير والابتكار وحرية الإرادة، ولذلك ففي داخل الإنسان شوق لا يرتوي إلاَّ بلقاء الله، وهذا ما عبر عنه " القديس أغسطينوس" عندما قال " يا رب لقد خلقتنا متجهين إليك ولذلك لن تجد قلوبنا راحة إلاَّ إذا استقرت فيك " وضرب البعض على ذلك مثلًا قائلين أن علم الهندسة موجود قبل أن يستخدمه الإنسان، وعندما احتاج إليه الإنسان القديم في المعمار وغيره أكتشف هذا العلم، وليس معنى هذا أن الإنسان هو الذي أوجد هذا العلم، إنما الإنسان أكتشفه وتعامل معه، ولذلك قال " ماسينيون " أن " الله اكتشاف وليس اختراعًا" (16). 4- لو كان الله في الحقيقة هو جوهر الإنسان، فلماذا نرى هذا التفاوت الضخم بين الله (كجوهر الإنسان) وبين الإنسان..؟! إننا نرى أن الإنسان كلما تقدم في المعرفة كلما شعر بجهله، وكلما تقدم في الكمال كلما أكتشف نقصه، وكلما تقدم في حياة الفضيلة كلما شعر بتقصيره، وكلما اغتنى كلما شعر بفقره، وكان من المفروض (لو كان الله هو جوهر الإنسان الكامل) إن الإنسان كلما تقدم في المعرفة، والكمال، والفضيلة، والغنى، كلما رضى عن نفسه وشعر أنه يقترب من الجوهر الكامل،ولكن الحقيقة أن الشعور بالجهل والنقص والخطية والفقر ناتج عن نظرة الإنسان الدائمة لله غير المحدود، الكمال المطلق، الذي ليس هو جوهر إنساني قط، إنما هو جوهر إلهي كامل في ذاته متكامل في صفاته. 5- لو كان الدين هو انعكاس لواقع الإنسان، فتعالوا ننظر للدين اليهودي، هل هو انعكاس للشعب اليهودي..؟! كلاَّ، لأن اليهود كانوا حينذاك ذو حضارة بدائية، بينما كانت هناك شعوب أخرى لها حضارات متقدمة، ومع ذلك فقد أكد العهد القديم على وحدانية الله بينما سقطت الشعوب الأخرى في التعددية، بل نسبوا لآلهتهم الصراع والزواج والإنجاب والموت.. إلخ، ويقول "رأفت شوقي": "لو كان الله مجرد صورة للأوضاع الاجتماعية التي يمر بها الإنسان، كيف يُفسَر كون الشعب اليهودي، وقد كان شعبًا ذا حضارة بدائية إذا قسناها بحضارات الشعوب الأخرى المعاصرة والمجاورة، وقد توصل إلى تكوين فكرة عن الله أنقى وأسمى من كل التصوُّرات الدينية السائدة؟ كيف أمكن هذا الشعب الذي لم تكن له فلسفة ولم تكن له ثقافة تجاري (من مجاراة) حتى من بعيد ثقافة المصريين أن يتوصل إلى أرفع فكرة عن تعالي الله وعلاقته بالكون؟ ثم كيف أمكن لهذا الشعب الصغير أن يعتقد بإله واحد سيد الكون قاطبة والأمم بأسرها بينما الإمبراطوريات الكبيرة حوله من أشورية ومصرية وغيرها تدين بتعدد الآلهة، وأن يحافظ على هذا الاعتقاد في مراحل تاريخه المختلفة، في البداوة والحضر، في أسره في مصر ونفيه إلى بابل، في ظل حكم ملوكه وتحت نير الاستعمار الروماني، دون أن تحوله عن إيمانه هذه الاعتقادات الوثنية السائدة عند جيرانه الذين كان يتأثر بهم" (17). الدليل الأول: الكون يشهد لوجود الله: " السموات تُحدّث بمجد الله. والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 19: 1). |
|