رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العودة للنفس ومعرفة الله من المستحيل على أي إنسان مهما كانت إمكانياته ومهما ما بلغ من مقدرة ومعرفة، بعد أن تشتت وانقسم على ذاته أن يقدر على أن يعود إلى نفسه ويتعرف على الله المنعكس على قلبه بحسب خلقته التي خُلق عليها، لأن الإنسان هو الوحيد الذي نال نفخة الله، لأن الخليقة كلها خُلقت بأمر من الله [ كن فكان ] أما الإنسان هو الوحيد، والوحيد فقط، لم يخلقه الله بأمر بل أخذ تراباً من الأرض ونفخ فيه فصار الإنسان نفساً حية ... وبعد السقوط وخبرة أوجاع الخطية اختفى سرّ الإنسان وطُمست فيه ملامح الله وتاهت نفسه عن مصدر وجوده وحياته لأن الخطية أعمت عينيه، لذلك حينما نُخطئ وعلى مستوى الخبرة نجدنا نُتمم شهوة الجسد، فتسود علينا الخطية فتعمينا عن الحق ونفقد توازننا النفسي وكأننا بلا عقل فنتورط فيها أكثر وأكثر حتى تفقدنا معرفة الله بالتمام، ولا نستطيع أن نُبصره أو نرى حنانه ورأفته، فنبتعد أكثر ونصير أشد تيهاً مما كنا عليه، لأن الخطية تطرح النفس بعيداً في صحراء جفاف الموت إذ تُعمي البصيرة، فأن لم تستفيق النفس سريعاً وتنال من الأعالي لمسة الله المُحيية، فحتماً ستصير كجيفة الجثة الميتة التي بلا روح، وكما قالت مريم عن لعازر الميت [ قد أنتن ] فتخرج منها رائحة الفساد والموت... فالنفس تدخل في هذه الحالة إلى قبر الشهوة وتفقد كل شعور بالحياة ولا تدرك قيمتها ووضعها السليم والصحيح، لأن الشيطان ضحك عليها وأفقدها توازنها وجعلها تحت سلطانه التي يجعلها تخاف على الخروج منه لأنها تعيش في وهم اسمه الخطية والموت ورفض الله: [ فدعي اسم ذلك الموضع قبروت هتأوة (أي قبور الشهوة) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا ] (عدد 11: 34) وحينما يشعر الإنسان بأنين تحت ثقل سُلطان الخطية المُدمر للنفس، يحاول أن يخرج منها ويتحرر من سطوتها، فيُصيغ لنفسه معرفة خاصة ليتخلص من ثقل الخطية التي يحملها، فينشأ لنفسه منهج تدريبي شخصي ليتخلص من ثقل الضمير وتعب الخطية المتسلط على نفسه ويظن أن هذه هي طريق الخلاص، وتنشأ عنده توبة مريضة تدخله يا إما في الكبرياء لو كانت إرادته قوية وانتصر على ذاته وكف عن فعل الشر، يا إما تدخله في حزن ضميره الإنساني الذي يصل به إلى الفشل واليأس من رحمة الله وحنانه الفائق !!! ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: [ لأن كل من يدير ظهره مبتعداً عن "كلمة" الله الكائن والموجود (في العالم) ويُصيغ لنفسه معرفة أخرى هي في الحقيقة ليست كائنة، فإنه يسقط حتماً إلى العدم ]
في الحقيقة الله لا يسكن إلا في هيكله الخاص والذي هو صنعة يديه لا صنعة إنسان، لأنه لا يسكن في هياكل مصنوعة بيد بشر: [ الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه، هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ] (أعمال 17: 24)، فنحن صنعة يديه ومقرّ سُكناه الحقيقي الذي شوهته الخطية وأفسدته، ووضعت غشاوة على أعيننا فلم نعد نُبصر الله ولا نشعره حتى لو كان قريب منا جداً، ولكننا نَحِنْ إليه ونشعر أن هناك شيء عظيم جداً ينقصنا في داخلنا، لذلك نظل في قلق واضطراب عظيم كل أيام عُمرنا ولا يُشبعنا شيء في هذا العالم من مال أو جاه أو شهوة أو حتى خير نصنعه وأعمال حسنة نسلكها، أو تجربة حب نعيشها، لأننا نشعر أن كل هذا ناقص وغير مُشبع لأنفُسنا بل هو جوع لنا أكثر ويُسبب حزن لنا عظيم مع كل اضطراب وعدم راحة، لأننا لم نجد سرّ شِبعنا الحقيقي وراحة نفوسنا الذي هو الرب وحده !!! وكيف يُمكننا أن نرى الله إن لم يُزال عن أعيُننا الغشاوة أو البرقع الحاجز للنور !!! وكيف يُمكننا أن نلتقي مع الله إذا لم نفتح قلبنا لاستقباله !!! لأن القلب هو مكان اللقاء الحقيقي، وقد دلنا الرب يسوع بفمه الطاهر على الطريق لمعاينته ورؤيته الحقيقية حين قال: [ طوبى لأنقياء القلب فأنهم يُعاينون الله ] (متى 5: 8)
لأن النفس الميتة لا تستطيع أن تقوم من تلقاء ذاتها بعمل الأحياء، فهل رأينا ميت يموت ويفسد ثم يقوم من تلقاء ذاته ويعمل الأعمال التي تليف بالأحياء!!! هذا بالطبع مستحيل مهما ما صنعنا له، بل ومهما ما وضعنا عليه أغلى العطور وأثمنها، بل وحتى لو تم تحنيطه في ناووس من الذهب والفضة والحجارة الكريمة، وهكذا هي أعمالنا، لأنها هي التابوت الخارجي الجميل الذي يحوي ممات نفوسنا الشقية في داخله، كقبور مُبيَّضة من الخارج ومن الداخل مملوءة عفونة وعظام نخرة يأكلها السوس !!! ولكن الحل الحقيقي أتانا من فوق مُتجسداً [ والكلمة صار جسداً وحل فينا (حسب النص اليوناني) ] (يوحنا 1: 14)، لقد عَبَرَ المسيح كلمة الله المتجسد الفرقة والعُزلة التي بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والله، فقد وَحَدَّ الكل في نفسه مع الله، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: [ أنهُ منذ التجسد الإلهي لم يعُد الإنسان يُعرف بمعزل عن الله، ولا الله بمعزل عن الإنسان، لأن الكلمة صار جسداً] وهذه الحقيقة التي يقولها القديس أثناسيوس الرسولي ليست فكرة نفرح بها ولكنها تحتاج لأن تتحقق فينا ونتذوقها على المستوى العملي بقبولنا لسرّ التجسد الإلهي على مستوى الخبرة !!!
* وأيضاً هو قبولنا لمعمودية الرب وتحقيقها فينا بمعموديتنا التي تتجدد فينا بالتوبة، ومعموديتنا هي قبولنا مسحة يسوع لكي نصير مسيحيين ولكي يقودنا الروح القدس إلى البرية، وإلى الجلجثة، بل وإلى القبر لنموت مع المسيح الرب عن إنسانيتنا القديمة، وندخل في سرّ القيامة معه، وهي قيامة النفس التي هي القيامة الأولى، التي تجعلنا ننتظر - طبيعياً - بسهر دائم على حياتنا خاضعين للنعمة مستعدين للقيامة الثانية والأخيرة، قيامة الجسد وتمجيده. ومن صميم هذه العلاقة الجديدة في المسيح الرب نتذوق حضور الله في القلب، ومن هُنا نُدرك سرّ كرامتنا في المسيح، ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ أعرف أيها الإنسان سموك وكرامتك وشرفك عند الله، لكونك أخاً للمسيح (من جهة أنه اتخذ بشريتنا)، وصديقاً للملك، وعروساً للعريس السماوي، لأن كل من استطاع أن يعرف كرامة نفسه، فأنه يستطيع أن يعرف قوة وأسرار اللاهوت، وبذلك ينسحق ويتضع أكثر.. ] (عظة 27: 1) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
راعوث ومعرفة الله الحقيقية |
هل ظهر الله في العهد القديم؟ وما مدى حضور ومعرفة وقدرة الله؟ |
ما مدى حضور ومعرفة وقدرة الله؟ |
الصلاة ومعرفة مشيئة الله |
المحبة ومعرفة الله |