رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قبول المجتمع قبول المجتمع لسلوك الإدمان يساعد على انتشاره، فمثلًا في رواندا ينتشر إدمان القنب بين أفراد جماعة "توا" التي تتصف بالسلوك المتدني، ولذلك تجد إن استخدام القنب بين الأفراد عمل مقبول وليس مستجهن، بينما في الطبقات الأخرى الأرقى يقل انتشاره، وفي قبائل "التونجا" ببوركينافاسو ينتشر تعاطي الحشيش بين البالغين، ولا سيما في نهاية الأيام الشاقة من العمل، ولذلك يعتاد الأطفال هذا السلوك وعندما يشبون يسلكون في تعاطي الحشيش دون أية ملامة تقع عليهم. فعندما يغض المجتمع النظر عن المادة المخدرة ويتسامح معها، ولا يدينها فإنه بهذا يسهل انتشارها، فمثلًا الأسرة التي تنظر للتدخين على أنه أمرًا عاديًا وسلوكًا مقبولًا من المتوقع أنه عندما يشب أطفالها فإنهم سيدخنون السجائر في البداية في الخفاء وبعد قليل في العلن، وإن نصح الأب المدخن ابنه بأن لا يدخن فهو يشبه من يناقض نفسه بنفسه، وفي الأسر التي تنظر إلى تناول الخمور ولا سيما في الأفراح والأعياد على إنها نوع من الرقي،فمن السهل أن ينزلق أحد أفرادها في إدمان المسكرات، وفي بعض الأوساط مثل وسط السائقين ولا سيما سائقي النقل الثقيل ينتشر التعاطي كنوع من ثقافة المهنة، وفي الأوساط العمالية في المناطق العشوائية يكاد يكون التعاطي أمرًا متعارفًا عليه ومقبولًا من ناحية المجتمع، ولا سيما أنه في المناطق الشعبية يزداد إازدحام السكان وتلاحمهم معًا، وفي ظل الشوارع الضيقة والفتحات المتلاصقة يشعر الإنسان كأنه في سكن عام، فيؤثر ويتأثر بالجو المحيط، وعلى حد تعبير أحد سكان مدينة السلام بالقاهرة "الناس هنا صوتها عالي، ولغة الكلام بتاعتها وحشة، وتسمعهم وأنت قاعد في شقتك كأنهم معك لأن الشقق مفتحة على بعض ومزنقة جنب بعض"(15) ولذلك فإن الإدمان ينتشر في هذه المناطق الشعبية عن غيرها، وقد تدفع ظروف العمل الإنسان للتعاطي، فتقول أحد الشابات المتعاطيات "والدي كان دائمًا لا يحب العمل، ويعتمد على أمي في توفير المأكل والمشرب، وكنت أنا شاطرة في المدرسة، لكن والدي أصر على إني أخرج بعد الإعدادية علشان أشتغل. اشتغلت في مصنع ملابس، وبعد فترة تركته، واشتغلت بائعة في محل ملابس، وبعدين بائعة في محل أحذية وشنط، وكان عمري 18 سنة "(16). وأيضًا من ضمن المجتمعات التي تنتشر فيها ثقافة المخدرات الحبس والسجن، فيقول أحد المدمنين " تدخل جوه القسم تلاقي كل أنواع البرشام، جوه الحجز يباع بأسعار السوق السوداء الريفوتريل (الايباتريل) ثمنه جنيه ونصف يتباع بحوالي ثلاثة جنيه.. يبقى الحبس أكسب"(17). بل أن وسائل الإعلام السلبية قد تساعد على وجود قاعدة قبول لدى البعض الذين لديهم الاستعداد للتعاطي، فمثلًا الفيلم الذي يستغرق عرضه ساعتين أو أكثر، ومعظم الوقت يبرز الرفاهية والعظمة التي يعيشها تاجر المخدرات الكبير، وقد صنع لنفسه مملكة، وأقام من نفسه ملكًا يحكم كيفما يشاء، ومع نهاية الفيلم تأتي نهاية هذا التاجر في دقائق قليلة، فتكونن الصورة الأكثر ثباتًا في ذهن الشباب الطائش هي العيشة الهنية الممتزجة بالملذات لتاجر المخدرات أكثر من نهايته،.. "وفي سلسلة من البحوث الميدانية التي أُجريت على عينات كبيرة من تلاميذ المدارس الثانوية والمدارس الفنية المتوسطة وطلاب الجامعات في مصر تبين لنا أن وسائل الإعلام (الراديو - التلفزيون - الصحف) تأتي في مرتبة بعد مرتبة الأصدقاء مباشرة كمصدر يستمد منه الشباب معلوماتهم عن المخدرات بجميع أنواعها وفي نفس الوقت تبين لنا وجود ارتباط إيجابي قوي بين درجة تعرض الشباب لهذه المعلومات واحتمالات تعاطيهم هذه المخدرات"(18). ويقول الدكتور أنطوان نصري مسرة "أكثر الكتب والمنشورات والملصقات للوقاية من المخدرات هي بالأحرى دليل للمخدرات، ويظهر من بعض التحقيقات أن عددًا كبيرًا من المدمنين قد استقوا معلوماتهم من وسائل الإعلام التي يؤدي بعضها أفضل خدمة لتجار مافيا المخدرات "(19) ونسبة 75% من الطلبة المصريين المدمنين استقوا معلوماتهم عن المخدرات من برامج الإذاعة والتليفزيون والمسلسلات والأفلام السينمائية التي كثيرًا ما تربط بين المخدرات والسعادة والملذات والشهوات، وكأن الرذيلة ترتبط بالسعادة، والفضيلة ترتبط بالتعاسة، والبعض من قصيري النظر الذي يقول "أحييني اليوم وموتني بكره" يفضل المخدرات التي تقوده إلى مثل هذه السعادة حتى لو كان نهايتها الموت. وفي النهاية أخاف أن أقول أن الشلل التي تتجمع أمام فناء الكنيسة، وفي فناء الكنيسة كثيرًا ما ينتشر بينهما التعاطي والانحرافات السلوكية، وأكتفي هنا بقصة حكاها لي أحد الآباء الكهنة حيث قال " كنت أسير في الشارع الساعة الحادية عشر مساءًا في طريقي إلى بيتي بعد يوم شاق، وإذ برجل عامل بسيط يسلم عليَّ ويقول لي" ابنتي تعبانة.. يا ليتك تأتي وتجلس معها". ذهبت معه على الفور وجدت الزوجة التي تتردد على الكنيسة ومعها أربعة أبناء وبنات منهم هذه الفتاة التي تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، ولكنها ظهرت عليها علامات النضج الجسماني المبكر، فتبدو مكتملة الأنوثة.. جلست معها، وفي البداية لمست اللامبالاة النهائية التي تغلف حياتها. سألتها: بابا زعلان ليه؟ قالت: أنتم السبب. قلت: لماذا؟ وبدأت تحكي مأساتها.. كانت ذاهبة إلى الكنيسة منذ سنتين مع أمها، وعلى الباب وجدت أحد الفتية المراهقين يبتسم لها، فابتسمت له، وتكرر هذا أكثر من مرة، وفي إحدى المرات كانت ذاهبة للكنيسة بمفردها فطلب منها هذا الفتى التحدث معها فتجاوبت معه، وتكرر الموقف. بل تطور إلى الخروج معًا على الشاطئ والذهاب إلى قصر المنتزه، ويومًا فيومًا سقطت معه في الزنا، وعوضًا عن أن تفوق لنفسها وتسرع للأب الكاهن فإنها ارتبطت به أكثر فأكثر. ثم تركها هذا الفتى فسقطت مع آخرين من الشباب، وسلكت في طريق الرذيلة حتى النهاية، فكانت تذهب إلى الشقق الخالية ويتناوب عليها عشرة أشخاص في الليلة الواحدة، وخلال هذه الفترة أدمنت التدخين والمخدرات.. لوثت سمعتها حتى أن الشباب يقفون أمام بيتها كل يوم ينتظرون خروجها، وعندما حبستها الأسرة في البيت كانت المخدرات تصل إليها عن طريق إحدى صديقاتها الغير مسيحيات.. قال لها أبونا: باب التوبة مفتوح، وأخذ يحدثها عن الرجاء.. وهي تجهش بالبكاء وتقول: أنا خلاص ضعت.. كانت الفرصة من سنتين.. يا ليتكم تهتمون بحوش الكنيسة وباب الكنيسة، والذين لا يعرفون من الكنيسة غير بابها وحوشها. هذه القصة يا أحبائي تلفت أنظارنا إلى تدريب وتخصيص خدام تقتصر خدمتهم على مثل هذه النفوس الضالة والتي تأتي إلينا إلى باب الكنيسة وحوش الكنيسة، وعوضًا عن طردهم نسير معهم المشوار الطويل الشاق من حوش الكنيسة إلى أحضانها.. المشوار لا يستغرق إلاَّ بعض خطوات ولكنه قد يستغرق شهور طويلة من الإقناع ويحتاج حب كثير. _____ الحواشي والمراجع :(15) المجتمعات المستهدفة للإدمان والاتجار في المخدرات ص 107 (16) المجتمعات المستهدفة للإدمان والاتجار في المخدرات ص 241 (17) المرجع السابق ص174 (18) مقدمة في مكافحة الإدمان والإيدز - مركز الحياة الأفضل - أسقفية الشباب ص 21 (19) الوقاية من الإدمان في الشرق الأوسط - مجلس كنائس الشرق الأوسط ص 95 |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قبول الرب يسوع بالإيمان هو قبول الخلاص وجميع البركات الأخر |
قبول مريم للتدبير الإلهي هو قبول البشرية له |
هي نصف المجتمع |
المسيحي وسط المجتمع |
المجتمع |