أقنوم الآب
الأخ زكريا: هل نبدأ بالحديث عن كل أقنوم بشيء من التفصيل؟
وهل يبدأ منير الحديث عن أقنوم الآب؟
وبدأ منير يتحدث عن:
أقنوم الآب:
لفظة " الآب " لفظة سامية تعني أصل الوجود أو الأصل، وقد وردت بنفس اللفظ في العربية والعبرية والأرامية والفينيقية والأشورية والحبشية، وقد وردت في الأناجيل 157 مرة، فالله هو أصل الوجود، ولا توجد علَّة (سبب) لوجود الله بل هو كائن بذاته.. جميع الأشياء هي من الله الآب كقول الإنجيل المقدس "لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له" (1كو 8: 6) فالآب هو أصل الوجود، والآب هو نبع اللاهوت.
الآب كائن بذاته، ناطق بكلمته (بعقله) حي بروحه القدوس..
نستطيع أن نقول باسم الله الكائن الناطق الحي الله الواحد..
ونستطيع أن نقول باسم الآب والابن والروح القدس الله الواحد..
الآب والد للابن، والابن مولود من الآب..
وقد دعى الإنجيل الأقنوم الأول بالآب للأسباب الآتية:
1- لأنه أبو ربنا يسوع المسيح "مبارك الله (الآب) أبو ربنا يسوع المسيح" (أف 1: 3).
2- للتعبير عن علاقة الحب الغير متناهية بين الآب والابن.
3- للتعبير عن المساواة بين الآب والابن، فالابن يشابه أباه، حتى قيل "الابن لأبيه".
4- لأنه أصل كل الأشياء (1كو 8: 6).
بسادة: هل يا منير تلقي قليلًا من الضوء على ولادة الآب للابن؟
منير: معك الحق يا بسادة، فالبعض يظن أن الولادة هنا ولادة جسديَّة، والحقيقة أنها لا تمت للجسد أو للمادة بصلة. إنما هي ولادة روحية مثل ولادة النور من النار، أو ولادة الشعاع من قرص الشمس، ولذلك نقول في قانون الإيمان عن الابن:
"المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوٍ للآب في الجوهر ".
بسادة: صحيح إنني لم أستعد مثلكم، لكنني قرأت منذ فترة قصيرة موضوعًا عن ولادة الابن من الآب الولادة الفريدة.. لو سمحتم لي أذكر لكم الآتي:
1- ولادة الابن من الآب ليست هي ولادة حسيَّة ماديَّة لحميَّة جسديَّة مثل ولادة الإنسان التي تحتاج إلى ذكر وأنثى وتزاوج وإنجاب. إنما هي ولادة روحية لأن " الله روح" (يو 4: 24).. ولادة الآب للابن مثل ولادة النور للنور،أو مثل ولادة قرص الشمس للشعاع، أو مثل ولادة العقل للفكر، أو مثل ولادة الشفاة للكلمة..
2- في الولادة الجسديَّة نجد الأب والأم سابقي الوجود عن الابن، فقد يكون عمر الطفل شهرًا، بينما عمر الأم 25 سنة، والأب ثلاثون سنة. أما ولادة الابن من الآب فليس بها سابق ومسبوق، فلم تمر لحظة كان فيها الآب بدون الابن، وعندما قال أريوس أنه مرَّ زمن كان فيه الآب بدون الابن حرمته الكنيسة، لأن معنى قوله هذا إنه مرَّ زمن كان فيه الآب بدون عقل، وحاشا لله هذا!!
ويقول البابا أثناسيوس الرسولي " لا تقولن كيف يلد الله ولا متى، لأن الله فوق كيف ومتى، فتلك الولادة ليست في زمان لأن الله من قبل كل الدهور وليس يبلغه زمان، والولادة في اللاهوت ليست كما في الناس.. إنما هي كولادة النور من النار. ولادة لطيفة من غير مباضعة (تجزئة) ولا مجامعة، وبغير تعب ولا حبل ولا نقص، لأنها أيضًا بلا أم في اللاهوت، فهي أيضًا ولادة أزلية" (1).
3- ولادة الابن من الآب بدون انفصال مثل ولادة الفكر من العقل، فقد تَصدُر الفكرة من العقل، وتُسجَل في كتاب يصل إلى أقاصي الأرض، وفي ذات الوقت هي قائمة في العقل لا تفارقه، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي " كيف تُولد كلمتك من عقلك بلا مفارقة منها لعقلك، فتصل إلى كل من يسمعها من غير أن تفارق والدها.. وكيف يُولد الشعاع من الشمس بلا فرقة بينهما، فملأ الشعاع الأرض كلها وما فيها من غير أن يفارق عين الشمس التي وُلِد منها، وكيف يُولد الضوء من النار بلا إفتراق منها فيضئ لمن إستضاء به من غير أن يفارق النار التي ولدته "(2) .
4- بنوة الابن من الآب بنوة فريدة من نوعها ليس لها نظير قط، فهي بنوة ذاتية.. بنوة بالطبع. لا تعني أبدًا التناسل، ولا تعني أسبقية الوجود، ولا تعني الانفصال، ولذلك قال الكتاب عن الابن إنه الابن الوحيد الجنس "مونوجينيس" monogenyc `Uioc فالولادة لم تتم في زمن معين وانتهت، إنما هي دائمة منذ الأزل وإلى الأبد كولادة النور من النار والشعاع من الشمس بدون انقطاع، فلا توجد نار بلا نور، ولا شمس بلا شعاع، وقال الابن عن نفسه " النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور" (يو 3: 19)، ويقول العلامة أوريجانوس "محظور علينا الظن الخاطئ بأن الآب قد وُلَدَ الابن الوحيد الجنس بذات الطريقة التي يلد بها إنسان إنسانًا، أو حيوان حيوانًا، فإنه يوجد فارق عظيم. واضح أن الأمر ليس هكذا، إذ لا يوجد في الوجود مثيل لله لا في الإدراك ولا في الخيال.. أنه ميلاد سرمدي لا يتوقف، شعاع يتولد من نور" (3).
منير: أريد أن أقول يا أخ بسادة بأن ليس كل بنوة في العالم هي بنوة جسدية، بل هناك أنواع أخرى من البنوات فمثلًا هناك:
1- بنوة بالخلقة: فنحن أبناء الله بالخلقة "والآن يا رب أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا كلنا عمل يديك" (أش 64: 8) وقال الكتاب عن أبونا آدم " آدم ابن الله" (لو 3: 38).
2- بنوة بالتبني: فنحن أبناء الله بالتبني ندعوه يا أبانا الذي في السموات، ونحن لسنا من طبيعته، وقال يوحنا الحبيب "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعَى أولاد الله" (1 يو 3: 1).
3- بنوة بالإيمان: مثل قولونا "نحن أبناء الرسل الأطهار" ومثل قول بولس الرسول "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غل 4: 19) ودعى القرآن زوجات الرسول بأمهات المؤمنين "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" (الأحزاب 6) ومن الطبيعي أن زوجات الرسول لم ينجبن جميع المسلمين والمسلمات في كل مكان وزمان، وقال الحديث "إن كل نبي أبو أمته ولذلك صار المؤمنون أخوة لأن النبي أبوهم في الدين" (تفسير النسفي ج 3 ص 218) وجاء في الحديث القدسي "الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي، أي أولادي".
4- بنوة المكان: مثل قولنا "نحن أبناء مصر" أو "نحن أبناء النيل" أو "نحن أبناء أخميم مدينة الشهداء"، وقال القرآن "ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل" وابن السبيل أي ابن الطريق، ومن الطبيعي أن الطريق لم يتزوج ولم ينجب ابن.
5- بنوة الزمان: كما نقول عن شخص ابن عشرين عامًا، أو نقول "نحن أبناء القرن الواحد والعشرين".
بيتر: لو تسمحوا لي أن أضيف نقطة بسيطة لأقنوم الآب، وهي بعض صفات الآب التي ذكرها الكتاب المقدَّس:
الأخ زكريا: ما هذا الجدول الذي معك يا بيتر؟
بيتر: هذا الجدول يوضح بعض الصفات المشتركة بين الأقانيم الثلاثة..
ورأى الأخ زكريا هذا الجدول، وأُعجب به. ثم أردف قائلًا: هذا عمل رائع.. دعنا يا بيتر نتحدث عن أقنومي الابن والروح القدس، ثم نستعرض معًا هذا الجدول..
بيتر: ليكن كقولك..
_____
الحواشي والمراجع :
(1) أورده القس صموئيل مشرقي - حقيقة الثالوث ص 160
(2) القس منسى يوحنا - كمال البرهان على حقيقة الإيمان ص 34
(3) القمص تادرس يعقوب - الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والعقائد 1 - الله ص 38، 39