الحرب للرب
إن الشيطان لا يستطيع أن يستولي على أرض قد غُمِرت بمياه المعموديَّة وتكرَّستْ بدهن الميرون طالما هي محروسة بالتوبة. قد ينتصر في موقعة، قد يُلقي بعضًا من بذار الزوان، قد يُرسِل رياحه لتُسقِط الثمر، ولكنه لا يستطيع أن يمتلك تلك الأرض، طالما يُقدَّم عليها ذبائح ليل نهار؛ ذبائح تضرُّع وابتهال لنوال معونة من الأعالي. وطالما أن قلوبنا لم تتوقَّف عن الصراخ ، لا يجب أن نخشى شيئًا، لأن النعمة والمعونة آتية لا محالة. وإن حلَّتْ الظلمة علينا أثناء مسيرتنا، فالرب هو النور الذي يُضِئ لنا الطريق. فمن ذا الذي يخشَى من غموض الظلمة، بينما يُضِئ له ضياء الرب مسيرته، ويقود خطواته فلا تزلّ.
لذا فالمحكّ الرئيسي في التوبة هو قدرتك على التمسُّك بسلاح الصلاة بالرغم من الجراح التي تثخن جسدك الروحي؛ فطالما تترجى معونة الأعالي سيخشاك أعداؤك، لأن سقوطك وصراخك سيُحسَب لك جهادًا، وسيزيِّن لك اكليلًا من مجدٍ طالما أنك لا ترضخ لضغط الخطيئة التي تريد أن تمنع صلواتك من الصعود إلى السماء.
ولكن بسقوط النفس في الخطيئة ثم توبتها، يروادها تساؤل؛ هل سأستطيع الثبات في التوبة بعد سقطات هذا عددها؟؟ هل أستطيع أن أصمد في أرض المعركة بعد تبدُّد العهود والوعود التي كانت ترافق التوبة في كلّ مرّة؟؟ هل سيمكننى أن أقاوم زحف جنود الشر المتربِّصة بتوبتي؟؟ هل سأستطيع تفادي سهام إبليس المُتَّقِدة نارًا والتي تنطلق من كلّ صوبٍ وحدبٍ؟؟
ولكن في حقيقة الأمر، إن السؤال يجب أن يكون، هل يستطيع الرب الانتصار فيَّ على جحافل مملكة الظلمة؟! هل في إمكانه تحويل أتون النار المُحمَّى حولي لندى بارد؟!
إن أول ما يجب أن نتعلمه في توبتنا، أن الحرب هي للرب، وأن الرب قادر على إبادة أعدائنا بكلمة فمه. لذا يجب ألاّ ننشغل بحروب الغد ومصيرنا فيها، هل سنسقط أم سنصمد؟ فدورنا في اللحظة الحاضرة أن نُسبِّح عمل الرب في معونته لنا، أمَّا الغد فهو للرب. فها هو موسى وجماعة بني إسرائيل يُسبِّحون الرب على الخلاص الذي عاينوه. غير مكترثين للغد، غير عابئين بصعوبة الرحلة أو أخطار المسيرة أو مشقَّة الصحراء، فاليوم يوم الهتاف للنجاة من فرعون الشر، أما الغد فهو للرب.
إن الكنيسة تلقفت تلك التسبحة مُبكِّرًا جدًا وجعلتها باكورة تسابيحها (الهوس الأولى/ تسبحة نصف الليل بحسب الطقس القبطي)، لتعلنها نهجًا تسلك بمقتضاه على الدوام. فتسبيح النُصرة قادر أن يُزلزل مُعسكَر الشَرِّ المُحيط بنا، كما أن هذه التسبحة تعمل على ضخِّ روح الرجاء والثبات، في حياة الجماعة المُسبِّحة، فلا تخشَ من أخطار الغد. فتسبحة اليوم هي نفسها تُرس الغد ضدّ الأعداء وهي سيف النُصرة الذي تتقلَّده النفس كلّ ليلةٍ بقدر ما تستمر في التسبيح والهتاف. إنه رداء التسبيح الملوكي الذي تحدَّث عنه إشعياء، عِوضًا عن الروح اليائسة، القادر أن يُعيدك من جديد للصفوف الأماميَّة في القتال لتُحارب وتنتصر. «لأعطيهم جمالًا عِوضًا عن الرماد، ودُهن فرحٍ عِوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة، فيُدْعَون أشجار البرّ، غرسُ الرب للتمجيد» (إش61: 3).
افتحْ كتابك المقدِّس على (خر15: 1 18) وصلِّ بتلك التسبحة. دعوتي لك الآن أن تُنْصِت بقلبك لتلك الكلمات. حاول أن تتحسَّس وتتذوَّق طعم النُصرة والبهجة التي كان يهتف بها الشعب الناجي من فرعون وجنوده، حاول أن تجعل منها تسبحتك الخاصة، حينما تراودك مخاوف السقوط. فقط سَبِّح بتلك الكلمات ولا تتركها تبرح فمَّك حتّى ترى نُصرة الرب في حياتك..
وأخيرًا أتركك لكلمات حبقوق النبي المُفعَمة بالرجاء، رغم قسوة الحاضر الذي لا يحمل ولو بصيصًا من نورٍ!! ها هو يقول:
فمع أنَّه لا يُزْهِر التين،
ولا يكون حَمْلٌ في الكروم،
فإني أبتهج بالربِّ وأفرح بإله خلاصي.