مقدمة
الأرمن من الشعوب الهند أوربية. نشأت أمتهم من القبائل المستوطنة في أسيا الصغرى والمنتشرة حول بحيرة (فان)، وهم من أقدم الأمم التي وجدت بعد الطوفان وينسبون إلى هايكوس بن توجرمه بن جومر بن يافث بن نوح[1]. ومنذ القرن السادس قبل الميلاد (فترة حكم الفرس للأرمن) كانت هناك صلات قوية بين الأرمن والمصريين، حيث قصد الأرمن مصر للتجارة والبعض منهم أستقر بها، ولكن كانت علاقاتهم مع المصريين مقتصره دائمًا على التعاملات الاقتصادية والتجارية، بينما حرصوا على أن ينغلقوا على أنفسهم في مجال الزواج والمصاهرة حتى يضمنوا نقاء الجنس الأرمني على الدوام[2].
وبعد ظهور المسيحية، كان الأرمن من أوائل الشعوب التي أمنت بها منذ القرن الميلادي الأول، غير أن الظروف السياسية غير المستقرة للشعب الأرمني جعلته في شبه عزلة من الاشتراك مع المجتمع المسيحي في المجامع المسكونية، خصوصًا في مجمعي أفسس (سنة 431 م.) وخلقدونية (سنة451م). ولكن بعد هذه العزلة، وفي أوائل القرن السادس، ابتدأوا يهتمون بالمشاحنات القائمة بسبب بدعة نسطور. وفي عهد البطريرك بابكين الأول (490-515 م.) أعلنوا رسميًا في مجمع دوين الأول سنة 506م رفضهم لقرارات المجمع الخلقيدوني وشجبهم لبدعة نسطور بطريرك القسطنطينية، وقرروا أنهم على إيمان مجمع أفسس المسكوني وعلى إيمان بابا الإسكندرية القديس كيرلس عمود الدين البطريرك الرابع والعشرون [3]، وهذا بفضل الترجمة, تمكن القراء الأرمن من الإطلاع على منجزات علم اللاهوت الإسكندري, بالإضافة إلى الفلسفة الأفلاطونية، حيث كانت لهذه المجموعة من الأعمال المترجمة مساهمة في توجيه مؤلفات الأرمن في أدبيات اللاهوت المسيحي, والتي كانت من أهمها ترجمات الكتابات العقائدية من تأليف بابا الإسكندرية القديس كيرلس (412-444), والقديس أثناسيوس الرسولي (+ 373 م.). وكان لآراء هذين العالمين البارزين من علماء اللاهوت السكندريين تأثير عظيم على تشكيل الفكر اللاهوتي الأرمني, وقد استخدمت بتوسع في النضال ضد مؤيدي قرارت مجمع خلقيدونيه[4].
وبالتالي صاروا ضمن مجموعة الكنائس الشرقية الرافضة لقرارات المجمع الخلقيدوني، مع إخوتهم الأقباط والسريان والإثيوبين، وبالتالي صارت لهم مع الأقباط علاقات خاصة تجمعهم.
فعرف الأقباط بعض قديسي الكنيسة الأرمنية وأكرموهم وأضافوا أسماءهم في كتبهم الطقسية مثل الخولاجي eu,ologion والسنكسار cuna[arion. ويأتي على رأسهم القديس غريغوريوس الأرمني الذي يُذكر اسمه في مجمع القديسين بالقداس الإلهي حسب الطقس القبطي. كما تُعيد له الكنيسة القبطية مرتين بالسنة، الأولى يوم 19 توت (= 29 سبتمبر / أيلول) تذكارًا لخروجه من الجب، والمرة الثانية يوم 15 كيهك (= 24 ديسمبر / كانون الأول) تذكارًا لنياحته.
ومما يؤكد استمرار العلاقات القوية بين الأقباط وأخوانهم الأرمن حتى في أحلك الظروف، أن القس (برصوم) شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر، قسيس الكنيسة المعلقة القبطي (+ 1325م)، حينما سجل في موسوعته المشهورة: مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، كتابات آباء الكنيسة بصفة عامة، والمعروفة بالبيعة القبطية على وقته بصفة خاصة، ذكر كتابات كلًا من القديس غريغوريوس أسقف الأرمن (ثلاثة رسائل)، وأفروسيوس أسقف الأرمن (رسالتين)، وذلك ضمن كتاب اعتراف الآباء[5]. ومما هو جدير بالذكر أن هناك اتفاق بين أقباط وأرمن القدس بأن يتبادل كلاهما الصلاة على مذبح الأخر مرة كل سنة، حيث يُصلي مطران الأقباط بالقدس قداس ليلة عيد الميلاد المجيد على مذبح كنيسة الأرمن ببيت لحم، مقابل أن يُصلي الاكليروس الأرمني قداس عيد الصعود المجيد على مذبح الأقباط على جبل الزيتون.
وفيما يلي نستعرض في السطور القليلة التالية بإيجاز هذه العلاقات منذ القدم وحتى الآن، مقسمين الموضوع إلى ثلاث فقرات.
← ملاحظة: هذه المقالة تم نشرها من قبل في موسوعة من تراث القبط، الجزء الخامس.
_____
الهوامش:
[1] عزازيان، المهندسة هوري، نبذة تاريخية موجزة عن الجاليات الأرمنية في البلاد العربية، ط1، دار الحوار للنشر والتوزيع اللاذقية سوريا، 1993م، ص 12؛ كذلك راجع أيضًا:
Solomon A. Nigosian, “Armenians and the Copts”, The Coptic Encyclopedia, vol. I, p. 234.
[2] ومع ذلك فهناك حالات نادرة للاختلاط في الزواج بين الأرمن والأقباط، مثل زواج يوحنا الأرمني رسام الأيقونات في القرن الثامن عشر الميلادي بامرأة قبطية. وفي العصر الحديث زواج أحد أبناء بطرس باشا غالي رئيس وزراء مصر الأسبق بامرأة أرمنية سنة 1907م، وأنجب منها المرحوم مريت غالي سنة 1908م، الوزير الأسبق ومؤسس جمعية الأثار القبطية.
[3] عزازيان، المرجع السابق الذكر.
[4] سين آريفشاتيان، "الإسكندرية وتشكيل الفكر العلمي في أرمينية القديمة"، الملحق الشهري العربي لجريدة أرﻴﭪ الأرمنية، ترجمة سحر توفيق، العدد رقم 7 (127)، السنة الحادية عشرة، يولية 2008، ص 5.
[5] راجع: مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، الناشر مكتبة الكاروز، القاهرة 1970، ص 323-325.