هل هو قداس موعوظين أم قداس الكلمة؟
أن "قداس الكلمة" أو ما يُطْلَق عليه "قداس الموعوظين" لم يكن طقسًا أُلْحِقَ بمقدمة خدمة القداس الإلهي بعد ظهور طغمة الموعوظين في الكنيسة، والتي ظهرت في الكنيسة في أواخر القرن الثاني الميلادي، ولكنه كان طقسًا أساسيًا لم ينفصل عن الأفخارستيا منذ البداية، وحتى قبل أن تُعْرَف طغمة الموعوظين في الكنيسة. ولكنه القسم من القداس الإلهي الذي سُمِحَ فيه لطغمة الموعوظين بحضوره، ولذلك سُمّيَ هذا القِسم فيما بعد باسم "قداس الموعوظين". ولكنه في الأصل هو "قداس الكلمة" والذي لم ينفصل عن "قداس الأفخارستيا"؛ فالتحام الخدمتين معًا ضرورة حتمية مع وجود موعوظين أو عدم وجودهم. ولذلك نقرأ في القانون رقم (9) من قوانين الرسل وهو يقابل القانون رقم (2: 7) من قوانين الرسل القبطية ما يلي "كل المؤمنين الذين يدخلون ويسمعون الكتب ولا يبقون للصلاة والتناول المقدس، فَليُحْرَموا لأنهم يفعلون تشويشًا للكنيسة".
ومن الواضح هنا أن هناك بعض المؤمنين كانوا يحضرون قداس الكلمة ويخرجون من الكنيسة ولا يبقون للصلاة والتناول من الأسرار المقدسة، وهذا كان ممنوع. ولكن على العكس فقد كان على الموعوظين ألا يبقوا في الكنيسة بعد انتهاء قداس الكلمة. ومن هنا جاءت النداءات المتعددة في الليتورجيات ومنها "يا أيها الذين لا يتناولون أخرجوا".
الغريب الآن أن البعض لا يهتم بحضور الكنيسة مبكرًا للاستماع إلى القراءات الكَنَسِيَّة، لأنها في نظرهم لا تخص غير الموعوظين، فأهملوا القراءات،والبعض الآخر رَكَّزَ على حضور الإنجيل فقط، وهي عاده دَخَلَت على الكنيسة من العصور الوسطى، أنه على الذين يريدون التناول أن يحضروا الإنجيل، ومِنْ ثَمَّ أُهْمِلَت خطأ باقي القراءات، أو على الأقل أخذت جانبًا ثانويًا في خدمة القداس الإلهي.
إن كان حضور الموعوظين للجزء الخاص بقداس الكلمة قد أضْعَفَ حضور الشعب لهذا الجزء، واعتباره أنه خاص بالموعوظين، فهناك أيضًا أسباب أخرى لهذا الضعف منها:-
- أن الكنيسة في وقت من الأوقات سمحت لجزء آخر من الشعب غير الموعوظين لحضور هذا الجزء، وعدم إعطاء الحق لهم في حضور باقي القداس، مثل المؤمنين الذين كانوا يخضعون لتأديب كنسي لِما اقترفوه؛ فكانت تُوَقِّع عليهم عقوبة كنسيَّة. وهؤلاء عُرِفُوا باسم "التائبين"، وكانوا يحضرون فصول القراءات في قداس الكلمة فقط، ولا يشتركوا في قداس الأفخارستيا لفترة من الوقت، كل واحد بحسب نوع ومدة العقوبة المُوَقَّعَة عليه.
وهناك أيضًا مَنْ كان عليهم روح شريرة، كان يُسْمَح لهم بحضور قداس الكلمة فقط، ويمتنعون عن حضور قداس الأفخارستيا صونًا للقربان المقدس مِنْ أن يلحق به أي إهانة بسببهم.
ولكن قداس الكلمة كان سابقًا على ظهور كل هذه الفئات في الكنيسة؛ سواء كانوا موعوظين أو تائبين أو أي صنف آخر. وتشهد بذلك قوانين المجامع ومؤلفات وكِتابات الآباء الأوائل مثل العلامة ترتليان (160-225 م.) والقديس باسليوس الكبير (330-379 م.) والقديس يوحنا ذهبي الفم (347-407 م.) وغيرهم من الآباء.
بل أننا نستطيع أن نؤكد أن قداس الكلمة كان أقدم من النصوص الليتورجية الموجودة في كنائسنا اليوم. وأن حضور قداس الكلمة كان إلزاميًّا للمؤمنين المتقدمين للتناول.
ونختم هذا الجزء بقول للعلامة أوريجانوس: "في قداس الموعوظين (الكلمة) تُخْطَب النفس للرب يسوع، وفي قداس المؤمنين (الأفخارستيا) تَدْخُل النفس في رِبَاط الزيجة معه". ويقول أيضًا: "إن الخبز يَتَقَدَّس بكلمه الله والصلاة". وهذه الأقوال لم يأتي عليها العلامة أوريجانوس بشيء من خارج الكتاب المقدس، الذي يقول: "لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ"(رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 4: 5).