في أن الإنسان لا يملك من ذاته شيئًا من الصلاح، ولا يستطيع أن يفتخر بشيء
1 – التلميذ: ”رب، ما الإنسان حتى تذكره، أو ابن الإنسان حتى تفتقده؟“ (مزمور 8: 5)
بم استحق الإنسان أن تمنحه نعمتك؟
رب، مم أستطيع التشكي إن أهملتني؟ وبم يحق لي الاحتجاج إن لم تصنع لي ما أسأل؟
هذا ما يمكنني حقًا أن أُفكر به وأقوله عن صدق:
رب، إني لست بشيء، ولا أقدر على شيء، ولا أملك، من ذاتي، شيئًا من الصلاح، بل في كل شيءٍ أنا ناقص، ومائل دومًا إلى العدم.
فإن لم تعضدني وتنعش نفسي، صرت بجملتي إلى الفتور والتراخي.
2 – أما أنت، يا رب، فإنك “أنت أنت دومًا ثابتٌ إلى الأبد“ (مزمور 101: 28، 13)، وعلى الدوام صالحٌ، عادلٌ، قدوس، تصنع كل شيءٍ بصلاحٍ وعدلٍ وقداسة، وتدبر كل شيءٍ بحكمة.
أما أنا المائل إلى التراجع أكثر مما إلى التقدم، فإني لا أستمر دائمًا على حالٍ واحدة، بل “سبع مراتٍ أتحول“ (دانيال 4: 13).
ولكن سرعان ما تتحسن أحوالي، إن أنت ارتضيت فمددت لي يدًا تعضدني، لأنك أنت، وحدك، ومن دون عونٍ بشري، قادرٌ أن تساعدني وتثبتني تثبيتًا وطيدًا، “بحيث لا يعود وجهي يتغير” (1ملوك 1: 8). بمختلف التقلبات، بل إليك وحدك يتوجه قلبي، وفيك وحدك يستريح.
3 – ومن ثم، لو عرفت جيدًا أن أطرح كل تعزيةٍ بشرية، قصد الحصول على العبادة، أو لما أشعر به من الحاجة إلى التماسك – إذ ليس من إنسانٍ يستطيع أن يعزيني – إذن لحق لي أن أرجو نعمتك، وأن أبتهج لما تمنحني من تعزيةٍ جديدة.
4 – فيا من يصدر عنه كل شيء، شكرًا لك عداد ما يحصل لي من الخير!
أما أنا فباطلٌ “وكلا شيءٍ أمامك″ (مزمور 38: 6)، إنسانٌ متقلب ضعيف.
فبم أستطيع إذن أن أفتخر؟ ولم أبتغي مديح الناس؟
ألأجل عدمي؟ فذلك أعظم البطلان!
حقًا إن المجد الفارغ لوباءٌ خبيث، بل هو منتهى البطلان، لأنه يبعد عن المجد الحقيقي، ويسلب النعمة السماوية!
فالإنسان، حينما يعجب بنفسه، يصبح غير مرضي لديك؛ وحينما يتوق إلى مديح الناس، يحرم الفضائل الحقة.
5 – أما المجد الحقيقي والابتهاج المقدس، فهما أن يفتخر الإنسان بك لا بنفسه، وأن يفرح باسمك لا بفضيلته، وأن لا يلتذ بخليقةٍ البتة، إلا لأجلك.
فليسبح اسمك لا اسمي، وليعظم عملك لا عملي، وليبارك اسمك القدوس، ولا ينسب إليَّ شيءٌ من مديح الناس.
”أنت مجدي، أنت ابتهاج قلبي″ (مزمور 3: 4، 118: 111).
بك أفتخر”وأبتهج النهار كله“ (مزمور 88: 17)، ”أما من جهة نفسي، فإني لا أفتخر إلا بأوهاني“ (2كورنثيين 12: 5).
6 – “ليطلب اليهود المجد بعضهم من بعض، أما أنا، فلن أطلب سوى المجد الذي من عند الله“ (يوحنا 5: 44).
فإن كل مجدٍ بشري، وكل كرامةٍ زمنية، وكل رفعةٍ عالمية، إنما هي بطلانٌ وحماقة، إذا قيست بمجدك الأبدي.
فيا حقي ورحمتي وإلهي، أيها الثالوث المغبوط، لك وحدك التسبيح والكرامة والقدرة والمجد، إلى دهر الدهور التي لا نهاية لها.