منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 18 - 06 - 2014, 05:06 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

المجد غير المخلوق

غريغوريوس بالاماس

المجد غير المخلوق
إن قصدنا هو أن ننقل التعليم عن نور النعمة، الذي للقديسين الموقرين منذ القديم، فحكمتهم تأتي من الخبرة، وقد أعلنوا أن تعليمهم "هو تعليم الكتاب المقدس". لذلك نقدم كلمات إسحق (السرياني) المفسر الأمين في هذا المجال، بمثابة تلخيص لكل الأقوال الأخرى: "إن لنفسنا حدقتين، كما يقوا جميع الآباء .. إلا أن النظر الخاص بكل منهما يختلف إستعماله عن الآخر، فبإحدى هتين الحدقتين نعاين أسرار الطبيعة، أعني قوة الله وحكمته وعنايته بنا، وندركها بفضل الجلال الذي يسوسنا به. وبالحدقة الأخرى نعاين مجد طبيعته المقدسة حين يرتضي الله إدخالنا إلى الأسرار الروحية"

ما دامتا حدقتين فما تبصران هو نور. ومادام لكل منهما قوة رؤية خاصة بها فهناك ثنائية في معاينة هذا النور، لأن كل حدقة تشاهد نوراً مختلفاً، لا تراه الحدقة الأخرى. وكما فسرَّ لنا القديس إسحق: النور الأول هو رؤية قوة الله وحكمته وعنايته، وبصورة عامة معرفة الخالق من خلال المخلوقات. أما النور الآخر فهو معاينة "مجد طبيعته"، - وليس معاينة الطبيعة الإلهية - الذي وهبه الرب لتلاميذه، وبواسطتهم لجميع الذين آمنوا به، وأظهروا إيمانهم بأفعالهم. هذا المجد أراد الرب بكل وضوح أن يعاينوه، إذ أنه قال للآب: "أيها الآب أريد أن ينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو 17). وأيضاً: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم".

هكذا فإنه قد أعطى الطبيعة البشرية مجد الألوهة لا مجد الطبيعة، إذ أن طبيعة الله شيء ومجده شيء آخر، وإن كانا لا ينفصلان. إلا أن المجد وإن كان مختلفاً عن الطبيعة الإلهية، فهو لا يمثَّل بالأشياء الخاضعة للزمن، لأنه في تساميه ليس بمخلوق، لأنه يخص الطبيعة الإلهية بصورة لا توصف.

إذاً،لم يهب الرب هذا المجد، المتسامي على كل الكائنات للمُركَّب البشري المتحد بأقنومه وحسب، بل أيضاً للتلاميذ، إذ يقول: "يا أبتاه، أنا قد اعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد، أنا فيهم وأنت فيَّ ليكنوا مكملين إلى واحد". ولكنه أراد أيضاً أن يعاينوا هذا المجد، هذا الذي نقتنيه في داخل أنفسنا، والذي بواسطته نعاين الله.

فكيف نمتلك ونعاين مجد الطبيعة الإلهية هذا؟ هل بتفحّص علل الكائنات، والسعي من خلالها لمعرفة قدرة الله وحكمته وعنايته؟ بل كما قلنا، أنها حدقة أخرى للنفس ترى كل هذا ولا تعاين النور الإلهي الذي هو "مجد الطبيعة" - بحسب كلمات القديس إسحق. فهذا النور يختلف إذاً عن النور الذي هو مرادف للمعرفة. وبالتالي، ليس كل من يقتني معرفة الكائنات - أو يعاين من خلال التأمل فيها - يكون الله ساكناً فيه، بل هو مجرد يقتني معرفة الكائنات، ومن خلالها يستنتج - عن طريق القياس - وجود الله. أما الذي يقتني ذلك النور ويعاينه بصورة سرية، فإنه يعرف الله ويقتنيه في ذاته، ليس بعد بطريق القياس بل في معاينة حقيقية، متسامية على كل الخلائق، إذ هو لا ينفصل أبداً عن المجد الأبدي.

ليتنا لا نتشكك غير مصدّقين هذه الغزارة الفائقة التي لتلك الخيرات، بل فلنؤمن بالذي اشترك في طبيعتنا، وأنعم عليها في المقابل بمجد طبيعته، ولنتقصَّ كيف نقتنيه ونعاينه.

كيف؟ بحفظ الوصايا الإلهية، لأن الرب قد وعد أن يظهر ذاته لمن يحفظها، ظهوراً دعاه "سكناه الخاص، وسكنى الآب"، قائلاً: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" (يو 14)،"وأظهر له ذاتي". ومن الواضح أنه يقصد بكلامه وصاياه، لأنه يذكرها قبلاً بدلاً من كلمة "كلامه" قائلاً: "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني".

ونحن نعلم أيضاً أن حفظ الوصايا يعطي معرفة حقيقية، إذ به تتعافى النفس. فكيف يمكن للنفس العاقلة أن تكون متعافية إذا كانت ملكة الإدراك فيها مريضة؟ نحن نعلم إذاً أن وصايا الله تمنح أيضاً معرفة، وليس ذلك فقط بل أيضاً تأله. نحن نقتنيه بشكل كامل، بواسطة الروح القدس، نعاين في ذواتنا مجد الله، عندما يرتضي الله أن يأتي بنا إلى الأسرار الروحية - كما أوضح القديس إسحق السرياني.

لكن لنسمع أيضاً ما قاله القديسون الآخرون الذين سبقوه عن مجد الله، ذلك المجد الذي يعاينه الأبرار بصورة سرية وخفية. لننظر أولاً لشهود العيان ورسل إلهنا وأبينا يسوع المسيح، "الذي منه تُسمى كل عشيرة"، في ملء الكنيسة المقدسة. لنسمع أولاً إلى قائدهم بطرس الذي يقول: "لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته" (2 بط 1). وليأت رسول آخر ليقول لنا ما هو مجد الرب يسوع هذا الذي شاهده عياناً: "لما استيقظ بطرس واللذان معه رأوه مجده" (لو 9). أي مجد؟ فليأت إنجيلي آخر وليدلي أيضاً بشهادته: "وتغيَّرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس" (مت 17).

لقد أوضح لهم أنه عينه الإله الذي "يرتدي النور مثل الثوب" (مز 103) - حسب قول المرنم.

ولذا فإن بطرس بعد أن قال أنه عاين مجد المسيح على الجبل المقدس، وعاين النور الذي ينير - ويا للغرابة - الآذان ذاتها، (إذ أنهم عاينوا أيضاً سحابة منيرة دوّت منها أقوال) يستمر فيقول: "وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت" (2 بط 1).

يا معايني الله ما عساها تكون هذه الكلمة النبوية التي معاينة النور تأكدها لكم؟
ما عساها تكون إلا أن الله "يرتدي النور مثل الثوب".

ثم يكمل فيقول: "تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار". أي نهار؟ النهار الذي ظهر على جبل طابور؟

"ويطلع كوكب الصبح"، أي كوكب؟ الكوكب الذي أضاء لبطرس هناك كما أضاء ليعقوب ويوحنا. وأين يشرق هذا الكوكب؟ يشرق "في قلوبكم"؟ ألا ترى كيف يشرق ذلك النور منذ الآن في قلوب المؤمنين والكاملين؟ ألا ترى كم هو أسمى من نور المعرفة؟ ليس النور الناجم عن الدراسات الهلينية هو المقصود، لأن هذا النور غير جدير حتى بأن يسمى نوراً، إذ ليس هو إلا كذباً أو ممتزجاً بالكذب، وأقرب إلى الظلمة من النور. في الحقيقة، إن نور تلك المعاينة يختلف عن المعرفة الآتية حتى من الكتاب المقدس نفسه، المشبّة "بسراج منير في موضع ومظلم"، في حين أن نور تلك المعاينة الميستيكية ممثلة بكوكب الصبح الذي يضيء في وضح النهار، أي في ضوء الشمس.

..... أما هذا الإيمان الحقيقي، الذي ينجم عن حفظ الوصايا، فهو لا يهب معرفة الله من خلال الكائنات فقط - سواء معروفة أو غير معروفة - (لأننا حينما نقول "كائنات" نفهم أنها مخلوقة)، بل من خلال النور غير المخلوق الذي هو مجد الله، مجد المسيح إلهنا، ومجد أولئك الذين يحققوا الغاية الأسمى بالتشبة بالمسيح.

لأنه في مجد الآب سوف يأتي المسيح ثانية، وسوف "يضيء الأبرار كالشمس" (مت 13) في مجد أبيهم المسيح. وسوف يكونون نوراً ويعاينون النور، مشهداً حلواً مقدساً، يقتنيه فقط القلب المتطهر. إن هذا النور في الوقت الحاضر يضيء جزئياً، بمثابة عربون، للذين من خلال اللاهوى قد تجاوزوا كل ما هو كريه، وبالصلاة النقية غير الهيولية تجاوزوا كل ما هو نقي. لكن في اليوم الأخير، هذا النور سوف يؤله بشكل جلي "أبناء القيامة" (لو 20)، الذين سيتمتعون في الأبدية وفي المجد، في شركة مع ذاك الذي وهب طبيعتنا بمجد وبهاء إلهيين.

هذا المجد والبهاء ليس الجوهر - حتى في النطاق المخلوق - فكيف يمكن بالتالي أن يظن أحد أن مجد الله هو جوهر الله، جوهر ذلك الإله الذي مع بقاءه غير قابل للشركة وغير منظور وغير ملموس، يصبح قابلاً للشركة بقدرته الفائقة الجوهر، ويشرك ذاته ويشرق ويصير "روحاً واحداً" (1 كو 6) في المعاينة، مع أولئك الذين يقابلونه بقلب نقي، وفقاً للصلاة الميستيكية والسرية للغاية، التي وجهها عنا أبونا المشترك إلى أبيه؟ "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا"، في الحق.

تلك هي معاينة الله التي سيعاينها فقط، في الدهر الذي لا نهاية له، الذين سيحسبون أهلاً لهذا التحقيق المبارك، والتي عاينها في الدهر الحاضر الرسل المختارون على جبل طابور، كما عاينها أيضاً استفانوس أثناء رجم اليهود إياه، وأنطونيوس أثناء صراعه من أجل السكون الداخلي، والقديسين أنقياء القلوب، كما نتعلم من أقوالهم المكتوبة وسيرهم. أنا أيضاً أؤكد أن الأنبياء والبطاركة لم يكونوا بدون خبرة هذا النور، بل كل رؤاهم - ماعدا البعض منها استثناء - خاصة الرؤى الإلهية، كان لها حصة في ذلك النور. فكيف لله أن يتشبه بنور آخر غيره، وهو ذو النور الأزلي الذي يعاينه - ولو بصورة سرية - أنقياء القلوب، في الوقت الحاضر، وفي الدهر الآتي على السواء.



المرجع: الدفاع عن القديسين الهدوئين، الثلاثية الثانية، للقديس غريغوريوس بالاماس، تعريب دير مار جرجس الحرف، منشورات التراث الآبائي (مأخوذ بتصرف وإعادة ترجمة).


رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لماذا يتخلي المخلوق ؟!
المجد غير المخلوق _ غريغوريوس بالاماس
بولس عبد الخالق ام المخلوق ؟؟؟؟؟؟؟
خلاّق بين الخالق و المخلوق
أنت المخلوق الإلهي


الساعة الآن 07:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024