تعتبر سيرته شهادة حيّة لعمل نعمة الله في حياة المؤمن، خاصة في فترات الاستشهاد، حيث تقدم له إمكانيات تفوق الطبيعة البشرية، لا ليتحدى الموت والألم فحسب، بل ويجد لذة وعذوبة فيهما.
نشأته:
وُلد في سارغوسا بأسبانيا، وكان تقيًا محبًا للدراسة والعبادة. سامه الأسقف فاليريوس شماسًا. وإذ كان الأسقف قد طعن في السن قلّد هذا الشماس مهمة التعليم والوعظ.
اضطهاد دقلديانوس:
أرسل دقلديانوس داسيانوس واليًا على هذه البلاد، وكان هذا الوالي شرسًا متوحشًا، فما أن وصل إلى سارغاسا حتى قتل كثير من المسيحيين. أدرك احترام المسيحيين للأسقف وشماسه، فقبض عليهما وأرسلهما إلى مدينة فالنسيا، وقد أساء الجند معاملتهما في الطريق. إذ بلغا المدينة ألقاهما في سجن مظلم مملوء نتانة، ومنع عنهما الطعام والشراب ظنًا أنه بذلك يظفر بهما. استدعاهما ففوجئ بأن جسديهما سليمان مملوءان قوة، فظنّ أن الجنود عاملوهما بالرحمة والشفقة. فأهان الجند ثم التفت إلى الأسقف والشماس يطلب منهما إطاعة الإمبراطور والتعبد للآلهة. وإذ كان صوت الأسقف منخفضًا خشي الشماس أن يظن الوالي أنهما خائفان، فانبرى بكل جرأة يخاطب داسيانوس قائلًا: "لتكن آلهتك لك واذبح لها الحيوانات وأعبدها كحارسي المملكة.. أما نحن فنعرف أنها أعمال أيدي بشر، عديمة الحس والحركة، لا تسمع الصلاة. فإننا لا نعبد سوى الله الذي خلق كل البرايا من العدم، ويدبّر كل الأمور بحكمة عنايته. هذا هو الإله الواحد الذي نؤمن به وبابنه الوحيد، الذي تجسد لأجلنا وصلب ومات من أجلنا. وإننا نشتهي أن نموت من أجلهما". سمع كثير من المسيحيين هذا الخطاب فتشجعوا جدًا، واغتاظ الوالي. نفى الأسقف فاليريوس ووجه كل غضبه نحو الشماس، فأمر الجند بتعذيبه.عرّى الجند الشماس وعلّقوه على خشبه عالية وربطوا رجليه بحبال وصاروا يسحبونه بكل قواهم. تطلع إليه الوالي ليسخر منه قائلًا:" هوذا عظامك قد تهشمت!" أما هو ففي بشاشة وجه وشجاعة شكره حاسبًا أن ما حدث معه هو إحسان إليه، وأنه يسرّ بأن يموت حبًا فيمن مات لأجله. كلما شدّد الوالي على الجنود لتعذيبه كانت نعمة الله تهبه فرحًا أعظم، حتى كان وهو ملقى على سرير حديدي محمى بالنار كأنه سرير مفروش بالورود. كان من سماته الفرح والتسبيح المستمر للّه، فكانت شهادة حيّة لعمل الله فيه أمام الحاضرين. اضطر الوالي أن يأمر بإلقائه في السجن. وإذا بنور أشرق وسط ظلمة السجن وظهرت ملائكة تتغنى بالتسابيح الإلهية. تعجب حراس السجن، خاصة وأنهم رأوه قد شفيَ من كل جراحاته، فآمن جميعهم. وإذ رأى الوالي أن كل عذاب يبعث فيه سعادة وبهجة أمر أن يضعوه على فراش ناعم ويقدموا له أطعمة ويلاطفوه. لكن ما إن رفعوه إلى الفراش حتى أسلم الروح ونفسه متهللة منطلقة إلى الفردوس، وكان ذلك في سنة 304 أو 305 م.
الانتقام منه بعد موته:
باستشهاده ازداد الوالي كراهية ورغبة في الانتقام منه بعد موته، فأصدر أمره بإلقاء جسده خارج المدينة طعامًا للكلاب الضارية والوحوش. قيل أن الله أرسل غرابًا يحرسه، فإذا اقترب ذئب إلى الجسد وثب على رأسه وصار يضربه بمنقاره فيهرب. أمر الوالي بإلقائه في البحر ليأكله السمك، وإذا بالرب يرسل سيدة فاضلة على الشاطئ لتجد الجسد وتكفنه.