كان العالم قبل مجيء الرب سالكًا في الظلمة جالسًا في أرض ظلال الموت (لو 1: 78) وطالما اشتهت الآباء أو الأنبياء أن يروا الرب متجسدًا (لو 7: 24) ولكن لما جاء ملء الزمان (غل 4: 4) أرسل الله ملاكه إلى العذراء حاملًا إليها بشرى تجسد ابنه الوحيد من أحشائها النقية (لو 1: 26) فانتعشت القلوب واطمأنت النفوس لأن إعلان مجيء الرب أفضل البشائر وأكثرها نفعًا وفائدة للجنس البشرى اجمع وأبهى الأخبار السارة وأجملها وقعًا على القلوب الظمآنة والنفس البائسة بل هي البشرى التي لم يسبق لها نظير ولن يكون لها مثيل على الأرض مرة ثانية. لا يخفى أن الكنيسة هي القطع الصغير الوحيد بين كل قطعان العالم بأسره الذي انتفع وأسرع بقبول تلك النعمة المبشرة بها ولذلك كان من الواجب عليهما أن تحتفل كل عام بذكرى هذه البشرى المفرحة تمجيدًا للرب وإكراما لتنازله وإعلان بشرى خلاصنا بواسطة ملائكة وقد رتبت الكنيسة الاحتفال بهذا العيد: أولًا – تنفيذًا لصوت الوحي بلسان النبي اشعياء: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعى اسمه عمانوئيل". ثانيًا – لأن هذه البشارة كانت فاتحة الخلاص لأن بعد البشارة الولادة وبعد الولادة الكرازة وبعد الكرازة الفداء وبالفداء خلاص الجنس البشرى. ثالثًا – تمثلًا بالعذراء التي لما زفت إليها تلك البشرى الخلاصية وأذعنت لقبول السر الأعظم تهللت بالرب ومجدت الله قائلة "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 46، 47) فهي بذلك أعطت نموذجًا لشعب الله ليحذو حذوها، وإذا كنا نرى الآباء فرحوا وتهللوا بمجرد إعلان ذلك بالنبوة "والعذراء فرحت واستبشرت، فكيف لا تفرح الكنيسة والمسيح لم يولد إلا لخلاصها..!! وكيف لا يفرح السجين المحكوم عليه بالإعدام وقد بشر بمجيء ابن الملك ليخرجه من السجن ويخلص نفسه من الموت بموته فداء عنه..؟! ليكون ذلك اليوم لديه من أعظم الأيام ويجعله تاريخًا وتذكارًا يترنم بذكراه على مر الدهور والأيام؟" قال القديس كيرلس عمود الدين: "بالحقيقة أن هذا اليوم هو بدء خلاصنا، لأن فيه تجسد كلمة الله في أحشاء العذراء الطاهرة إذ بشرها جبرائيل الملاك قائلًا: ها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتدعين اسمه يسوع... الخ فنحن إذ نعيد اليوم لورود عمانوئيل الذي يخلص الطبيعة البشرية ويرفعها إلى الرتبة السامية التي خسرتها بآدم، نعيد لتقديس طبيعتنا باتحادها بأقنوم الكلمة الأزلي فيا لها من نعمة لا يحيط بها وصف ولا يدرك سموها عقل بشرى...". على أن الكنيسة قد تسلمت الاحتفال به من الرسل أنفسهم فقد جاءت في أوامرهم ما نصه "وأول الأعياد السيدية عيد البشارة من الله سبحانه على لسان جبرائيل الملاك للسيدة مريم البتول والدة الإله والمخلص" في 29 برمهات (دسقولية 31 المجموع وجه 97) وقد شهد البروتستانت انه كان في الكنيسة في القرن الأول الذي فيه صار عموميًا (راجع ريحانة النفوس وجه 15، 40، 41) وإذ تقرر ذلك... فلنلاحظ هنا أن الكنيسة:- أولا: عينت يوم 29 برمهات للاحتفال به وهو اليوم الذي اتفق فيه إعلان البشرى. ثانيًا قررت الاحتفال به دائمًا في الصوم الكبير وذلك حسب القاعدة الحسابية التى لا يمكن أحداث اقل تغيير أو تبديل فيها نظرًا لمدة الحمل 9 شهور فإننا لو حسبنا المدة من 29 برمهات التي هي بدء الحمل به إلى 29 كيهك يوم ميلاده لوجدناها 9 شهور تمامًا. ثالثًا: منعت الاحتفال به إذا جاء في جمعة البصخة لاحتفالها بتذكار آلام رب المجد. رابعًا: نهت عن أكل الزهومات وغيرها فيه وأن يكون عيدًا سيديًا إلا انه داخل ضمن أيام الصوم المقدس التي لا يجب الفطر فيها كما لا يجوز الفطر في يوميّ السبت والأحد لأنهما دخلان فيه دلالة على احترامنا له وزهونا فيه. طقس العيد: يراعى فيه الملاحظات التي وردت في طقس الأعياد السيدية أن هناك ابصاليتين (واطس، أدام) حسب اليوم الذي فيه العشية (توجد الابصاليتين في كتاب الابصلمودية السنوية) بالنسبة لرفع بخور باكر لا يوجد تغيير إلا في أرباع الناقوس والذكصولوجيات خاصة بالعيد...أما في القداس: فيبدأ بمزامير الساعتين الثالثة والسادسة وتقال هيتنيه للملاك غبريال، مرد ابركسيس، مرد مزمور وإنجيل واسبسمين (أدام وواطس).. ويراعى الجملة في الخاتمة.