رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصوم الكبير والإفخارستيا تعد القداسات الإلهية اليومية في ساعات متأخرة من أوقات النهار من أهم القواعد الطقسية التي تخص صومنا الكبير، وتأتي أهميتها من كونها مفتاح فهم التقليد الطقسي الليتورجي بروحانيته الأرثوذكسية، بعيدًا عن خطر العقلانية الغربية. وحرص الكنيسة على دوام يومية القداسات ينير لنا التقليد الليتورجي الأرثوذكسي القبطي بكامله، ولكي نفهم هذا التدبير الكنسي لابد أن نشير إلى أن الإفخارستيا دائمًا طابعها الفرح والتعييد، إنها بالدرجة الأولى سر مجئ المسيح وحضوره، سر القيامة وبرهانها، بر الإعلان (لو24: 13)، والتناول هو نبع المعرفة الكنسية الاختياري والوجودي لقيامة ربنا يسوع المسيح، والقداسات الإلهية اليومية تؤكد على فرحنا بجهاد الصوم. الإفخارستيا هي المجيء والحضور نفسها، والمعرفة الفائقة العقل والمطلقة في كسر الخبز، حيث ملكوت الله حاضر منذ الآن في الإفخارستيا بالمشاركة في ملكوت الفرح والسلام والغلبة ملكوت الثالوث القدوس المبارك. ففي الصوم بينما نحن نجوع للطعام الجسدي نأخذ طعام الأبدية وبينما نحن نمتنع عن الخبز البائد نُطعم الخبز السماوي، وبينما نحن نحرم أنفسنا أن جاز أن نقول هذا، فنحن نأخذ كل الغنى والشبع، والتقديس، نصوم لا عن اضطرار بل ببهجة قلب، من أجل حضور المسيح وبشارة الفرح الأبدي لملكوت الله، تاركين الاهتمام الجسداني متطلعين إلى السماويات حيث وطننا الأصلي. وبالتالي نصعد إلى حيث صعد المسيح ربنا لنأكل لا خبز الأرض الذي نصوم عنه بل لنأكل ونشرب على مائدة المسيح في ملكوته الأبدي، ملكوت الفرح والنعيم والإشراق والمجد. إننا بالتناول المتواتر أثناء رحلة الكنيسة في الصوم الأربعيني، نكتشف مجددًا أن حياتنا نستمدها لا من الخبز والأكل والشرب إنما من الجسد والدم الذي كل من يأكله ويشربه يُعطي حياة أبدية، فالإفخارستيا في مفهومنا الأرثوذكسي هي غناء حياتنا الروحية كأناس روحيين نسلك بالروح، وهي أيضًا بالضرورة بداية جهادنا الروحي، والموهبة الإلهية التي تؤهلها أن نعرف ونشتاق ونتطلع لشركة أكمل في النهار الذي لا يغرب للملكوت الأبدي، أننا نعرف هذا الملكوت الآتي ونشارك فيه الآن، فصومنا عن الأطعمة يجعلنا نشتاق إلى ما فوق زاهدين هذا العالم كغرباء، وفي تقدمنا للذبيحة نرى ونذوق مسبقًا المجد الآتي ونحن ما زلنا على الأرض، وصومنا هذا إنما تدريب نبدأه منذ الآن لرحلة طويلة نحو يوم الرب الأخير (الباروسيا). ونحن في رحلة غربتنا نحتاج إلى سند ومعونة إلى زاد الطريق إلى قوة وتعزية، لأننا في الحرب مع (رئيس هذا العالم) الذي لم يستسلم بعد، الذي غلبه السيد المسيح على جبل التجربة. بصومه أربعين نهارًا وأربعين ليلة،ذلك الشيطان الذي هزمه المسيح على الصليب ظافرًا به، يخوض ضدنا حربًا شرسة ملتمسًا من يبتلعه، تلك المعركة العنيفة التي يحاول الشيطان أن ينتزع فيها قدر ما يستطيع من الناس، المعركة صعبة لأنها ليست مع دم ولحم ولكنها مع أجناد الشر مع أبواب الجحيم، وما هذه الحرب إلا الباب الضيق الذي لابد أن نعيشه ونجتازه، ولا عون لنا إلا بالجسد والدم ذلك الزاد السماوي مصل عدم الموت الواهب حياة لا كحياة أولئك الذين يحيون للعالم ولكن الذين يحيون للحياة الدائمة، فملكوت الله ليس طعامًا أو شرابًا بل هو فرح وسلام بالروح القدس. وجوعنا وعطشنا لا يسده طعام وشراب إنما يسده ذلك الغذاء الجوهري الذي يحفظ حياتنا الروحية ويقويها، بالرغم من جميع الحروب والتجارب التي تجعلنا نكلل بعد جهادًا قانونيًا. ويعلمنا القديس ديديموس الضرير المبصر عن أولئك الذين يرفضون تناول جسد الرب ودمه، الذي هو خبز الحياة الحق النازل من السماء الذي يُعطى كطعام للحياة، يكون صوم هذا مدان وغير مقبول. إن الرب يقول لأولئك الذين صاموا بطريقة رديه (إن صومكم في الشهر الخامس والسابع طوال هذه السبعين سنة التي قضيتموها في بابل لم يرضيني، لقد أكلتم وشربتم ما يروق لكم دون أن تراعوا أقوال الأنبياء السابقين). لذلك يلزم أن ينتهي الصوم الذي هو البذل الناقص بسبب الضعف والخطية، بالتناول وبالشركة في جسد الرب ودمه الأقدسين ليصير جهادنا بذلًا كاملًا، لذلك نجد أن كل تناول من الجسد والدم يسبقه صوم، وكل صوم يلزم أن ينتهي بالتناول، إذ تكمل ذبيحتنا ويكمل بذلنا ويستر عرينا ويسند ضعفنا (صلوا من أجل التناول باستحقاق، أطلبوا عنا وعن كل المسيحيين) (القداس الإلهي). وفي الصوم الكبير لابد أن نكثف جهادنا، لأن الأمر عائد إلى أننا حسب الإنجيل وجهًا لوجه أمام عدو الفرح، عدو كل خير الشيطان وكل قواته الشريرة، ولذا نحن بحاجة خاصة إلى هذه النار الإلهية إلى جسد الرب ودمه الأقدسين، سلاحنا في الجهاد، وهي بالفعل المن السماوي الذي يحفظنا أحياء في رحلتنا في صحراء جبل التجربة. |
|