رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أعاجيب محبة الله لنا ما أعجب أن تخلع ثيابك كما يفعل الخادم والعبد ثم تصب ماء لتغسل أرجل تلاميذك وهم جلوس أمامك. ما أعجب أن تجعل غسلك لأرجلهم شرط أن يكون لهم معك نصيب. إنه إخلائك يا رب لذاتك في أن تكون عبدا بالمشيئة لتعلمنا هذا الفكر، إذ وأنت في صورة الله لم تحسب خلسة أن تكون معادلا لله، لكنك أخليت نفسك آخذا صورة العبد، صائرا في شبه الناس، ووجدت في الهيئة كإنسان ووضعت نفسك طائعا حتى الموت موت الصليب (فى 2: 5). إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب كأسك المذاب فيه خطايا العالم الذي رأت مشيئة الآب إلا أن تشتريه. ما أعجب إنحائك وإخلائك لذاتك لكي تتجرع الكأس فيتمجد اسمك بالصليب "مجدت وأمجد ايضا" (يو 12: 28) وبالحق إن اذى سيتمجد لا يتمجد من أجل نفسه، بل يتمجد لمجد الله. وما أعجب أن تجثو على الأرض العراء في برد جثيمانى بينما عرقك يتصبب كالدم. وما أعجب أن تطلب من الآب ثلاث مرات لكي يعبر عنك هذه الكأس، فهذه الكأس لم تكن هي الموت فقط بل عار البشرية وخطاياها التي حملتها كلها لتموت بها كلها موت الخطاة. ما أعجب قبولك للكأس فشربتها حسب مشيئة الآب، لذلك لم تعط إجابة للذين حاكموك، بينما لم تكن فيك خطية، ولم يوجد في فمك غش لكن في كل هذا أردت أن تتمم العمل الذي أعطاه لك أبوك.. إنها كأس الموت وكأس نجاسات العالم، وكأس إثم جميعنا. وما أعجب قطرات العرق التي سالت منك يا رب كقطرات الدم، حتى تجفف وتفرغ ينبوع الخوف عند كل البشرية، وما أعجب الملاك الذي وقف إلى جانبك يقويك وأنت في بستان جثيمانى لأن هذا يتصل بخلاصنا ويعلمنا أننا في أوقات التجارب لابد أن ندخل جثيمانى ونصلى وعندئذ سيأتى الملاك ليسندنا. وما أعجب صلاتك في بستان جثيمانى لأنك أنت الذي تقبل الصلاة ويأتى إليك كل بشر، وما أعجب بكائك وأنت تمسح كل الدموع، وما أعجب أن تباع بثمن بخص بثلاثين من الفضة، إلا أنك افتديت العالم كله وبأعظم ثمن، بدم نفسك. ما أعجب تعبك وإرهاقك بينما أنت وحدك الشافى لكل مرض وضعف. ما أعجب قولك "أنا عطشان" بينما أنت ماء الحياة، وما أعجب أن ترفع فوق خشبة الصليب وأن تسمر عليها لتبرأ البشرية كلها بشجرة الحياة. وما أعجب أن تموت وأنت المحيي والماحق الموت بموتك. وما أعجب أن تنزل إلى الجحيم، إلا أنك ستقوم وترجع معك النفوس. إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب أن تجتاز المعصرة الحقة وحدك وأن تدوس فيها ولم يكن معك أحد، بينما هي ليست معصرة الآلام بقدر ما هي معصرة ثقل الخطية التي لا تقبلها ولا تطيقها، لكنك من أجل هذا جئت، ونيابة عنا خضعت أنت في طاعة للآب لتحمل موت الخطية، حملتها نيابة عنا لأننا رفضنا إرادة أبيك فخضعت أنت للصليب بسرور من أجل طاعة أبيك ولأنك أردت ذلك وهو ما أعلنته بنفسك بقولك "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16) وكأن البذل هنا هو من إرادة الآب المحب الذي لم يشفق على ابنه الوحيد.. فما أعجب حبك الذي جعلك تسلم نفسك لأجلنا (غلا 2: 10)،باذلا نفسك المملوءة حبا، مقدما لنا جسدك ودمك وعرقك ودموعك وصلواتك وسهرك.. ما أعجب أن تجثو على ركبتيك بينما أنت رئيس الكهنة الأعظم، لكنك كنت تقدم ذبيحة العالم الفريدة، تقدم حياتك المبذولة طاعة لأبيك وحبا للبشرية. وما أعجب أن تدخل المعصرة بإرادتك لتجتازها من أجلنا لحظات قبولك الكأس من يدى الآب، لتؤكد لنا ناسوتك الذي شاركت به ناسوتنا. ما أعجب حملك للآلام لكي تمنحنا الفرح. إنك تألمت أيها الرب لا بألامك وإنما بألامى. وما أعجب أن تفيض منك قطرات العرق بطريقة عجيبة كقطرات الدم وكأنك تستنزف دمك مفرغا ينبوع الخوف اللائق بطبيعتنا. ما أعجب أنك كنت تقتاد للموت أليشع وأنت محتقر من العصاة بينما كان تلاميذك يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر. وما أعجب أن تكلم أبيك في البستان بينما أنت لم تنفصل عنه، حاملا كأس الألم وحانيا رأسك وكتفيك لترفع عنا ثقل خطايانا وتردنا لا إلى جنة عدن بل إلى الفردوس السماوى. ما أعجب أن يسلمك يهوذا للموت بينما أنت أعظم من الموت، إذ دخله الشيطان ولأجل فضة مدنسة خسر السماء وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة وحسبانه ضمن عداد الإثنى عشر. ما أعجب قولك عن يهوذا "هوذا الذي يسلمنى قد اقترب" (مت 26: 46) وما أعجب نعتك له "يا صاحب لماذا جئت".. وما أعجب أنك تركته ليخونك لمدة يومين بينما كنت تحاول أن تنبهه لكنه لم ينتبه، ثم أخذ اللقمة وخرج للوقت في الليل ليخونك في الظلام، وبخروجه انفصل إلى الإبد عنك وخنق نفسه. إنه مصير كل من يبيعك يا رب بأي عرض من عروض الدنيا. ما أعجب أن ثمنك، اللذى صار ثمن الدم، جعل يهوذا يرده، فلم يكن ممكنا أن يتركه معه لأنها فضة مرفوضة وزغل مغشوش، إذ كما أن من يترك شيئا من أجلك أيها السيد يأخذ عنه مئة ضعف في هذا العالم مع حياة الدهر الآتى، هكذا من يبيعك أيها السيد يخسر مئة ضعف ويفقد حياته إلى الأبد، فرغم أن يهوذا ظن أنه اقتنى ربحا بالثلاثين من الفضة إلا أنه اقتنى بؤسا وهما وغما، لذا ذهب ليرد الفضة في ندامة بلا توبة وفي مرارة بلا رجاء، حتى أنه لم يطق حياته فمضى وشنق نفسه. ما أعجب أن يكون حقل الدم الذي اشترى بالثلاثين من الفضة هو مدفن للغرباء ليصير هو العالم الذي افتديته يا رب بدمك لكي تدفن فيه الأمم فيتنعمون بخلاصك، إذ أن ثمن تسليمك استخدموه في شراء مدفن للغرباء، لنكون نحن المنتفعين به، فقد اشترى الحقل لأجلنا بثمن دمك، فما الحقل إلا هذا العالم الحاضر وما ثمن الدم إلا ثمن آلامك لكي تحفظ الذين دفنوا معك وماتوا معك في المعمودية لنوال البركات الأبدية.. فعوض أن يعيشوا غرباء تحت الناموس صاروا قريبين بدمك (أف 2: 11). حسبوك عبدا يا رب فدفعوا الثمن ثلاثين من الفضة ثمن العبد (خر 21: 32) تلك الفضة الغاشة التي دفعت ثمنا لخيانتك أيها السيد، والتي دفعت لشراء بيت الفخارى الترابى والأرضى حيث حقل الدم استخدم لدفن الغرباء، ليكون ثمنك هو موضع دفننا إذ أننا دفنا معك. |
|