يتحدَّث القديس أمبروسيوس في الكِتاب الثَّالِث عن لِيبريوس أسقف روما (352-366م.) حينما سلَّم مارسلينا (أُخت القديس أمبروسيوس) زِيّ الرهبنة، ففي يوم ميلاد المُخلِّص، وفي كنيسة القديس بطرُس، تقدَّمت مارسلينا للتكريس ونذر البتولية ”وأي يوم أعظم من ذاكَ الذي استُقبِلت فيه العذراء وليدها الإلهي؟“ وكانت هناك عذارى كثيرات واقِفات حول مارسلينا يتنافسنَ على مُرافقتها، وقال لها الأسقف: ”لقد اشتهيتِ يا ابنتي عُرسًا صالِحًا“.
ثم وصف الحشود التي جاءت لِتُشارِكها في يوم عُرسها ويوم ميلاد عريسها، وكيف أنَّ أحدًا منهم لم يمضي بدون طعام، لأنَّ العريس هو ذاكَ الذي حينما دُعِيَ إلى العُرس حوَّل الماء إلى خمر (يو 2: 9) وهو أيضًا يهِب سِرْ البتولية الطاهِرة، ويُجدِّد الطبيعة التي كانت ماديَّة جِسدانية، وهو ذاكَ الذي أطعم أربعة ألاف في البَّرِّية بخمس خُبزات وسمكتين (لو 9: 13) وقد دُعِيَ كثيرين وكثيرات لِحضور حفل عُرسها.
ويتحدَّث القديس عن الفضائِل التي يجب أن تتحلَّى بها العذراء وهي:
تجنُّب الخمر والشَّراهة: فيحِث أمبروسيوس العذارى على تجنُّب الخمر الذي يُشعِل الشهوات الشبابية الجِسدانية، وعلى الإكثار من الأصوام التي كلِجام تكبح جِماح الشهوات، ويدعوهُنْ ليحكُمنَ ويُثبِّتنَ الرجاء ولِيملأنَ قُلوبِهِنْ بالمخافة، ”لأنَّ الذي لا يعرِف كيف يضبُط شهواته ورغباته، يُشبِه رجُلًا يمتطي جوادًا برِيًا جامِحًا يطرحه أرضًا ويدهِسه ويجرحه“... وكذلك يجب أن تُقلِّل العذارى من الأكلات الحريفة التي تُلهِب الجسد.
الحِشمة والصمت: يُعلِّم أسقف ميلان العذارى أن يُقلِّلنَ من زيارتِهِنْ سواء للأهل أو لغيرِهِم، لأنَّ الحديث والكلام يضُر الاحتشام، والجرأة تُشوهه، والضحكات تزحف إليه فتفسِده، والأدب واللياقة مطلوب وضروري، وعدم إجابِة سؤال أحد هو تصرُّف طُفولي لا يليق، والإجابة أيضًا تصرُّف لا يليق إذا اتسمت بالثرثرة! لذلك ينصح القديس العذارى أن يكون حديثِهِنْ تحت إلحاح الضرورة فقط، لأنه ما دامت النِساء قد أوصينَ بعدم التحدُّث في الكنائِس حتّى عن الأمور الإلهية، فكم بالحري يكون احتراس العذارى اللائي يُوقِّرنَ الاحتشام والصمت والسُّكون.
الأصوام: يمتدِح القديس في أُخته أصوامها الكثيرة، ولكنه يُعلِّم العذارى أنَّ هذه الأمور تُناسِب السنوات التي في شباب العُمر، لكن حينما تنتصِر العذراء على جسدها، يجب أن تُقلِّل من أتعابها ونُسكها لكي تُحافِظ على نفسها مُعلِّمة لصغيرات السِنْ، فإنَّ الكرمة المُثقَّلة بالأغصان كثيرة الثِمار سُرعان ما تنكسِر إن لم تُقطف أثمارُها من حينٍ لآخر، وتثبُت للخلف حتّى لا تنحني تحت ثِقَلْ الثمر المُتضاعف، ولكن وهي صغيرة فلتنمو بالأثمار الكثيرة..
ويُقدِّم القديس أيضًا مَثَلْ الزارِع الصَّالِح الذي يهتم بتفليح التُّربة وبِحِفْظ الكرمة في أحسن الأحوال، ويحميها من الصقيع ويحرُسها من الاحتراق بشمس مُنتصف النهار اللافِحة.. ”فهل أنتِ أيضًا، يا مَنْ تُجاهدين في بتولية، تُبذِّرين حقلِك بالبِذار المُختلِفة، مرَّة بالعمل المُعتدِل، ومرَّة بالأصوام الكثيرة وبالقِراءات والصلاة“... ويحِث العذارى أن يتشبَّهنَ بالزارِع الصَّالِح فيتجنبنَ تشقُّق تُربتهُنْ بالأصوام الكثيرة المُبالغ فيها التي تُشبِه محراث ثقيل يُتعِب التُّربة... ويقول أمبروسيوس: ”لِيَتَفَتَّح البنفسِج وليرتوي من نبع الدم المُقدس، وهناك قول شائِع يقول أنَّ ما تُريد أن تنجِزه بوفرة وإفراط، أحيانًا لا تفعله على الإطلاق، وإن كان البعض مِنُكُنْ يُزيد على الصوم الأربعيني أيامًا أخرى يصُمنَ فيها، فليكُنْ ذلك من أجل الإيمان لا للتباهي والتفاخُر“.
الصلاة: يمدح أسقف ميلان الصلاة لأنها تربُطنا بالله، فإذا كان النبي يقول ”سبع مرَّاتٍ في النَّهار سبَّحتُكَ“ (مز 119: 164) حتّى وهو مشغول بشئون المملكة، فكم يليق بِنا نحن أن نفعل؟ نحن الذينَ نقرأ: ”اِسهروا وصلُّوا لئلاَّ تدخُلُوا في تجربةٍ“ (مت 26: 41).
وينصح القديس بأن تُقام الصلوات المُعتادة مصحوبة بالشُّكر الذي نرفعه لله عندما ننهض من النوم، وحينما نرجع من العمل وحينما نستعِد لتناول الطعام وبعد الانتهاء منه.
وكذلك يحِث العذارى أن يُصلينَ في مخادِعِهِنْ بالمزامير دومًا مع الصلاة الرَّبانية، حتّى يتحرَّرنَ من الاهتمامات العالمية ويتأملنَ في أمور الله، وكذلك ينصحهُنْ بترديد قانون الإيمان كخِتم على قُلوبِهِنْ يوميًا قبل طُلوع النهار وأن يُردِّدنهُ سِرًا إذا تعرَّضنَ للخوف من أي شيء، ”لأنَّ الجُندي في خندقه والمُقاتِل في موقِعه لا يُمكن أن يتجرَّد من قِسْمه الذي يُحافِظ على ترديده باستمرار“.