رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب الأب أفراهات السرياني القمص أثناسيوس فهمي جورج مقدمة الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة الإنجيل والآباء بآنٍ واحد، كنيسة الآباء الذين تكلموا بإلهام الروح القدس نفسه الذي ألهم الرسل القديسين، فعمل الروح القدس مستمر في الكنيسة ومقيم فيها حسب وعد المسيح لها، أنَّه يعمل فيها على الدوام ويعطى أعضائها مواهب العنصرة ويعلن لهم الحق الإلهي والبشارة المفرحة، متى جاهدوا واستجابوا. لذلك يُعبِّر الآباء عن الحقيقة الإنجيلية نفسها بنعمة الروح القدس العامل والمستقر فيهم، كما أنَّهم يحصلون على خبرة روحية عميقة ويعيشون مقيمون في النعمة، يتحدثون بعظائم الله، ولذلك فبالرغم من أنَّ كتاباتهم مكتوبة بأسلوب منطقي أحياناً وبلغة فلسفية أحياناً أخرى، إلاَّ أنَّها بسيطة وعملية ونابعة من حياتهم ومعيشتهم وخبرتهم الحقيقية، فتعليمهم غير منفصل عن الحياة في المسيح، خلال الصلاة والتأمل والخشوع. لهذا كانت كتاباتهم نابعة من قداسة نفوسهم والتخمير بخميرة المسيح، إذ أنَّهم مستنيرون من الروح القدس متحدين بالله، فالحياة الروحية لا تنمو إلاَّ بالعمل الإلهي من ناحية وبالتجاوب الإنساني من ناحية أخرى، لذلك نجد أنَّ كل أب من الآباء يُقدم بنور الروح القدس العامل فيه، خبرة جديدة وتوضيحاً جديداً ومعرفة جديدة، بتوبة مستمرة سهمية شاملة للفكر والحواس والمشاعر والإرادة، في صحو ويقظة كمنهج حياة واتجاه ثابت وعميق، بالتحرك للأمام لا بحِيَل بشرية بل بعطاء القلب المستمر، في حب حقيقي وشبع بالإنجيل، وفي اندماج وشركة مع الكنيسة. لذلك جاءت المعرفة امتداد للمعرفة الإنجيلية والآبائية السابقة لها، فالجديد الذي يحمله كل أب هو جديد من ناحية التعبير في إطار التقليد، لكنه ليس ابتداعاً جديداً أو تعليماً جديداً، لأنَّ تعليمه مطابق لتعليم الكنيسة المستقر ولخبرتها المستقيمة. ورغم اتفاق الآباء الجماعي إلاَّ أنَّه في بعض الأحيان وُجدت اختلافات بين أب وآخر، لكن هذه الاختلافات لا تمس الأساس نفسه، بل هي دليل على أنَّ الروح القدس لا يسلب الإنسان حريته ولا يلاشى شخصيته. ونحن نُسلِّم بأنَّ بعض الآباء قد وقعوا في بعض الأخطاء غير الجوهرية ولكن الكنيسة لم ترفضهم بل رفضت هذه الأخطاء التي لا تتفق مع ضمير الكنيسة ومنهجها. ومن بين هؤلاء الآباء، يأتي الأب أفراهات السرياني صاحب هذه السيرة، الذي هو بحق من أعظم المفسرين والشارحين للكتاب المقدس، فجاءت كتاباته مُشبَّعة بالفكر الكتابي والسلوك الإنجيلي، شارحاً للكتاب ومفسراً لرمزياته، فقدم الرمز والمرموز إليه من خلال شخصيات يوسف وموسى ويشوع ويفتاح وداود وإيليا وحزقيا ويوشيا ودانيال والثلاثة فتية ومردخاي كرموز نبوية اكتملت وتحققت في شخص المسيح. ويُعتبر أفراهات كاتب معروف بين الكتَّاب السريان، له مقالاته التي تدور حول قضايا الإيمان والخدمة الإلهية وحياة الكنيسة ومقالات أخرى فصحية، وبعضها عن الرعاة والرهبان... وتُعتبر هذه المقالات ذات قيمة كبرى من ناحية تاريخيتها ووصف الحياة الداخلية في كنيسة الفرس، كما أنَّها ذات أهمية كبيرة في دراسة تاريخ نص العهد الجديد. وقد قمنا بنعمة ربنا بتقديمها للقارئ العربي وللمكتبة القبطية كعمل ذي قيمة تتجاوز عصره وكتقليد الكنيسة الحي، الذي فيه نرى كيفية المشاركة الإنسانية في النعمة الإلهية. إذ أنَّ الإيمان موجود في التقليد الذي يُسلَّم، ونحن نعتبر التقليد الآبائي مصدراً أميناً للمعرفة الإيمانية، به ندحض الضلال والآراء الفاسدة والأفكار المشوشة، لأنَّنا فيه نلجأ إلى خبرة الحياة والاقتداء في المسيح يسوع. وفيما نقدم سلسلة أباء الكنيسة اخثوس ΙΧΘΥΣ، والتي نضعها نهديها لعميد الإكليريكية جزيل البركة والغبطة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياته- ونرجو أنْ يكون هذا الاحتفال التاريخي بالعيد المئوي لإعادة تأسيس الكلية الإكليريكية قفزة لمزيد من الارتقاء على المستوى العملي في الخدمة والكرازة والرعاية والتكريس، وعلى المستوى العلمي في الدراسة والبحث والمنهجية والتخصص، لتكون الإكليريكية مصدر تلمذة ومركز إشعاع متألق دائماً كما كانت المدرسة اللاهوتية السكندرية. وبلسان الشكر أتقدم بعميق الشكر لصاحبي النيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي مطران كرسي دمياط وتوابعها وسكرتير المجمع المقدس، على مساعدته القيّمة ولمسات الحب الرعوي التي يؤازرنا بها... ولصاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف كرسي المنوفية والنائب البابوي للإسكندرية على إشرافه وتشجيعه الأبوي الذي يشملنا به، ليديم الله حياتهما وليجعل هذا العمل لمجد الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس الإله الواحد الذي يليق به الشكر والتسبيح كل حين وإلى الأبد آمين. |
|