يا رب، لتحوّل مصري الداخلية من بلد العبودية إلى هيكل الله!
في كل عيد سنوي لهروب العائلة المقدسة إلى مصر غالبًا ما أشعر كأن أبواب الكتاب المقدس قد فتحت أمامي. أدخل فيها لأسمع الدعوة الإلهية موجهة إليَّ شخصيًا لكي أبلغ إلى عمق الكتاب المقدس، واكتشف نعمة الله الفائقة التي تعمل في مصر، كما تعمل في أعماقي بكونها مصري الداخلية.
من بين كل الأمم -خارج إسرائيل- لا نجد دولة واحدة تهتم بها كلمة الله مثل مصر. فقد أشار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد إليها مباشرة أكثر من 550 مرة.
يمكننا تقسيم تاريخ مصر كما جاء في الكتاب المقدس إلى أربع مراحل تطابق المراحل الأربع التي عبرنا بها كشعب يتمتع بالخلاص أو كأبناء لله.
أولًا: الإنسان في جنة عدن، وقد صار قلبه جنة روحية مثمرة.
ثانيًا: الإنسان بعد السقوط تحت ظل الناموس الطبيعي، حيث يحتاج إلى مخلص يحرره من عبودية الخطية.
ثالثًا: الإنسان تحت ظل الناموس الموسوي، الذي يفضح الخطية، ويكشف بالأكثر عن الحاجة إلى مخلص، أيضًا يقودنا إلى السيد المسيح.
رابعًا: الإنسان في عهد النعمة حيث يتقبل الإنسان شخص السيد المسيح المصلوب فيصير مسكنًا له، يحمله في داخله ويبقى مضطهدًا فيه كل أيام حياته.
وقد مرت مصر بهذه المراحل الأربع، وهي:
المرحلة الأولى: مصر في عصر الآباء البطاركة وهي تطابق حال أبوينا الأولين في جنة عدن حيث يجدان فيها كل شبعهما. هكذا جاء الآباء الأولون مثل إبراهيم ويعقوب وأولاده وأحفاده إلى مصر يطلبون طعامًا كلما حلّت مجاعة في المواضع التي كانوا يعيشون فيها (تك 10:12؛ 1:42-3؛ 7:46؛ 27:47؛ مز 23:105؛ أع 15:7). لقد شعر أبناء يعقوب وأحفاده أنهم كانوا في بيتهم يتمتعون بخيرات مصر عندما بدأوا كأمة في مصر، كما وُلد أول قائد لإسرائيل في مصر.
المرحلة الثانية: مصر في أيام موسى النبي قبل استلام الشريعة الموسوية. هذه المرحلة تمثل الإنسان الذي فقد حريته في جنة عدن وصار عبدًا للخطية. كانت مصر رمزًا لعبوديتنا للخطية ولإبليس وجنوده. كان الخروج من مصر الذي تحقق بواسطة موسى النبي ظلًا لخروجنا الجديد تحت قيادة مخلصنا يسوع المسيح. الخروج هو عصب العهد القديم، لهذا كثيرًا ما يقدم الله نفسه لشعبه بكونه الله الذي خلّص شعبه من عبودية مصر.
المرحلة الثالثة: مصر في عصر الأنبياء
وهي تطابق حال الإنسان وهو تحت ظل الناموس، حيث دُعي للخروج مع موسى وتسلم أرض الموعد. كان يليق به أن يكون أمينًا للعهد الإلهي، فيتمتع بعهد الحرية والراحة، لكنه كسر الناموس وخان العهد، وانحرف عن الثقة في الله أبيه ليعتمد على مصر "الذراع البشري".
مصر في هذه المرحلة تمثل خطيتين خطيرتين يكشفهما الناموس دون أن يُعالج ضعفنا، وهما: خطية محبة العالم بشهواته، وخطية الاتكال على الذراع البشري لا على خلاص الله العجيب.
المرحلة الرابعة: مصر ملجأ للطفل يسوع. مصر التي كانت رمزًا لجنة الرب وصارت فيما بعد رمزًا لعبودية إبليس والسقوط تحت أسر الخطية، إذ كان الفراعنة يعتزون بسلطانهم وجبروتهم في كبرياء وتشامخ، انفتحت أبوابها لتتمتع بدخول الطفل يسوع فيها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.لقد سبق فأعلن الله لشعبه أن ابن الله المتجسد، ربنا يسوع المسيح يأتي قادمًا إلى مصر (إش19)، كطفل مع أمه العذراء مريم والقديس يوسف. لقد هربوا إليها بعد ظهور الملاك ليوسف في حلم، وطلب منه أن يأخذ الصبي وأمه إلى أرض مصر، فإن هيرودس الملك يطلب أطفال العبرانيين الذكور المولودين حديثًا (مت3:2). هذه المرحلة تُشير إلى المؤمن الذي بعد أن اُستعبد للخطية يتقبّل شخص السيد المسيح مخلصه، فيقيم من إنسانه الداخلي هيكلًا مقدسًا.
دخل مسيحنا إلى مصرنا هاربًا من وجه هيرودس، لكنه هو "يسوع المصلوب" الذي يسكب سمة الصليب على شعبه مصر، فتبقى كنيسته تتمتع بشركة آلامه، وتشاركه صلبه عبر العصور، فتحمل مع الصلب بهجة القيامة ومجدها.
أرجو أن نكتشف مصرنا الداخلية، سائلين الله أن يقبلها ملجأ له، وأن يحولها إلى أورشليم الجديدة.